مواضيع ذات صلة حياة الحويك عطية إذا صحت الأنباء التي تحدثت عن تشجيع هيلاري كلينتون للرئيس محمد مرسي على إصدار الإعلان الدستوري، فإن ذلك يجب ألا يذكرنا إلا بتشجيع ابريل غلاسبي لصدام حسين على اجتياح الكويت . وإذا ما خرجنا من التفاصيل: من سار باتجاه التحرير ومن سار باتجاه الاتحادية ومن هرع لتلبية شعار إنقاذ الشريعة وكأن الآخرين كفاراً أو ضد الشريعة. باختصار إذا ما خرجنا من ردات الفعل وردات ردات الفعل عليها، فإننا لا نستطيع أن ننظر إلى التصعيد الذي تعيشه الدولة العربية الكبرى إلا من باب المؤامرة . المؤامرة على من وممن؟ المؤامرة على مصر، ولا فرق فيمن ينفذ أو من يستدرج الاستفزاز أو يلبيه، لا فرق بين من يمتلك القرار أو من يشجعه على التمسك به استفزازاً وبين من يُحوِّل اعتراضه إلى أعمال عنف، اللهم إلا أن من يمتلك القرار يمتلك معه القدرة على نزع الصواعق . ففي حالات تاريخية فوضوية كهذه تضيع المسؤولية إذ يلقي بها كل طرف على الآخر، ويكون لكل اتهاماته ودلائله، أما الجمهور فإنه يلقي بصوت العقل وراء ظهره ويلقي بالمحاكمة النقدية العقلانية في سلة المهملات وينسى الشك المنهجي نهائياً لمصلحة الاقتناع المسبق الغرائزي، بمعنى أن كل فرد يصدق من هو جاهز عاطفياً لتصديقه ويكذب من هو جاهز منطقياً لتكذيبه، وليذهب المنطق إلى الجحيم . وإذا كان خبراء الانتلجنسيا الأمريكية يعلقون هذه الأيام على أحداث مصر بالتاكيد على أنها ستطول، فإن ذلك يعني نشر الفوضى وتصعيدها وصولاً إلى المزيد من الضجيج ومن الغبار، وإلى مزيد من الدماء والأحقاد والتحدي، بحيث يصبح السؤال: إلى أين المآل؟ هل يمكن أن تصل الأمور يوماً إلى تقسيم مصر، بعد تدمير طاقاتها؟ قد يبدو هذا السؤال مبالغاً في التطير والتشكيك، ولكن ألم تقل لنا الصحافة "الإسرائيلية" غداة احتلال العراق: "أما مصر فهديتنا الكبرى"؟ فهل جاء وقت توضيب الهدية الكبرى؟ خاصة أن التجربة قد علمتنا أن التقسيم في العالم العربي لا يفترض حكماً الوصول إلى تقسيم رسمي، يعترف بكل جزئية دولة، بل إنه يتمثل في تقسيم واقعي على الأرض على أسس دينية، مذهبية، طائفية أو عرقية، لا يرتقي إلى مستوى الفصل القانوني كي تظل عوامل التفجر موجودة وجاهزة في كل دقيقة، بما يشل نهائياً قدرات الدولة كدولة وبما يعرضها للاقتتال والتدمير الذاتي باستمرار . بل والأخطر من ذلك أن هذه الأجزاء المشرذمة تصبح - في غياب سيادة الدولة - أقل من أن تؤمن أمنها بذاتها، وتعيش حالة قلق من عدائها مع الأجزاء الأخرى، وبالتالي فإن الحل الذي تجده أمامها هو اللجوء إلى حماية أجنبية من هذا الطرف أو ذاك . وقد رأينا عشرات النماذج بدءاً من لبنان وصولاً إلى العراق، دون أن يكون الوضع السوري بعيداً عن ذلك . صورة تبدو قاتمة، ولا يتمنى وطني إلا أن تكون واهمة، وأن يسارع السياسيون المصريون في الحكم وفي المعارضة إلى تلافي تحققها الأسود، وعلى رأسهم الرئيس مرسي المتشبث بعناده غير المفهوم . لكننا إذا ما وضعنا الأمور في سياق مخطط عام بدا واضحاً للمنطقة العربية منذ بداية التسعينيات، ألا وهو القضاء على الدول الماكرو، لمصلحة دول ميكرو، في إطار هدف واضح هو عدم الإبقاء على أي فرصة لحصول مفاجآت أو تطورات تعود بدولة عربية إلى ممارسة سيادتها وامتلاك قرارها، بما يسبب صداعاً للدول الكبرى التي تسيطر على العولمة ولا تريد من يحلم بحق السيادة ويمكن أن يضع مطالباً مقابل أي دور جيوستراتيجي، أو حتى أي دور وظيفي، وكذلك لكل الدول التي تطمع بثروات العالم العربي ولا تريد دولاً قادرة حتى على المساومة بخصوص هذه الثروات، فإننا يجب أن نفهم أن أي خبير انتلجنسيا لابد أن يطرح على نفسه سؤال: ومن الذي يمكن أن يضمن لنا ألا يقوم في مصر يوماً عبد الناصر جديد؟ من يضمن ألا تصل البلاد يوماً، إذا ما تمتعت يوماً بحريات حقيقية وبدستور حديث وبحياة حزبية ديمقراطية ألا تصل إلى الحلم من جديد بالاستقلالية وبالأمن الاقتصادي والسياسي وبامتلاك القرار؟ وأن تعود بذلك إلى قيادة العالم العربي في الاتجاه نفسه؟ الضمانة الوحيدة هي أن تكون مصر منهكة ممزقة مجزأة ولو نفسياً وواقعياً ولا تكاد تلملم ثوبها للنهوض حتى تتعثر به من جديد . هكذا صيغت المعادلة بالنسبة للعراق وهكذا تصاغ بالنسبة لسوريا وبالنسبة لمصر، مهما اختلفت الحيثيات التفصيلية التي لا قيمة لها بالميزان التاريخي . فهل رأينا التاريخ مرة يكتب التفاصيل واليوميات؟ أم إنه يقفز من نتيجة إلى أخرى متجاوزاً ما بينهما ولو بلغ السنوات والعقود والقرون؟