رغم أن الولاياتالمتحدة لم تنتصر في هذه الحرب التي أعيت الطرفين, إلا أن ممارساتها خلالها تعدت ما يمكن أن نصفه بإذلال الشعب الفيتنامي, فلم يكن هناك رادع ولا حدود أخلاقية للانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأمريكية أثناء الحرب التي بدأ التورط الأمريكي فيها رسميا عام1961 وانتهي عام.1973 وتنوعت جرائم الحرب الأمريكية في فيتنام بين اصطياد المدنيين العزل علي سبيل التسلية واغتصاب النساء ومذابح الإبادة الجماعية, و تأتي علي رأس قائمة هذه الجرائم الحرب الكيماوية التي شنتها القوات الأمريكية منذ عام1962 واستمرت حتي عام1971, وتقدر الخسائر البشرية لهذه الحرب التي استخدم فيها' العامل البرتقالي' أكثر المبيدات الكيماوية فتكا بحوالي4 ملايين شخص بين قتلي ومصابين بمختلف التشوهات والأمراض من بينهم أطفال من الجيل الثاني والثالث. وبعد أكثر من30 عاما من انتهاء الحرب مازالت رائحة مادة' الديوكسين' السامة تفوح من بعض المناطق التي ترتفع فيها نسبة التلوث الكيميائي ومن أخطرها المناطق المحيطة بمطار داننج الدولي الذي كان قاعدة سابقة للجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام. ومنذ أن انتقلت العديد من العائلات إلي هذه المنطقة بعد تعميرها عام1991 بدأت تظهر حالات الإصابة بالسرطان وتشوهات المواليد المختلفة خاصة ان الأهالي يعيشون علي الاسماك التي يصطادونها من البحيرة الموجودة بالمنطقة, ولكن هذه العائلات المنكوبة لم تكن تعلم انها تشرب مياها ملوثة وأن اسماك هذه البحيرة التي تعد الطعام الرئيسي لهم تحمل سما قاتلا هو العامل البرتقالي'(theAgentOrangedioxin). وخلال هذه الحرب, وهي أكبر حرب كيماوية عرفها التاريخ كانت تحلق الطائرات التابعة للجيش الأمريكي حاملة أطنانا من المبيدات لرش مرتفعات جنوب ووسط فيتنام, وكان الغرض من رش المبيدات هو اسقاط أوراق الشجر وتعرية الغابات لحرمان المقاتلين الفيتناميين من مخابئهم, ولم تدمر هذه المبيدات الأحراش فقط ولكنها دمرت مساحات شاسعة من الحقول المزروعة بالفواكه والخضر والحبوب اي مصادر الطعام الرئيسية, ولوثت مصادر الشرب وقضت علي ثروة زراعية نادرة وهددت العديد من الحيوانات بالانقراض وأخلت بالتوازن البيئي في هذه المنطقة. وتقدر كمية المبيدات التي رشت بحوالي80 مليون لتر. وقد ثبت أن العامل البرتقالي هو أخطر مبيد سام عرفه التاريخ حتي الآن وأطوله أثرا, وأشارت دراسة أجراها علماء جامعة كولومبيا في نيويورك أن وجود80 جراما من هذه المادة في الماء كفيلة بقتل8 ملايين شخص, ووفقا لهذه التقديرات فإن ما تم رشه فوق الأراضي الفيتنامية يتعدي40 مليار مرة الكمية الكافية لقتل شخص واحد. وضحايا التسمم الكيميائي لا يلقون اية مساعدات حكومية فحتي الآن تقتصر المساعدات علي من شاركوا في الحرب ضد الولاياتالمتحدة أما الأسر المتضررة بسبب اقامتها في أماكن ملوثة فلا تحصل سوي علي مبلغ ضئيل لا يتعدي19 دولارا في الشهر. ولذلك تكونت منظمة محلية لمساعدة ضحايا العامل البرتقالي تقوم بجمع المساعدات المحلية والدولية لعلاج المصابين. وكان قد صدر تقرير عن الكونجرس الأمريكي في شهر أغسطس الماضي كشف عن أن الجانبين الفيتنامي والأمريكي تحاشا الخوض في هذا الموضوع علي مدي سنوات طويلة حتي لا تتعطل المصالح المتبادلة بين البلدين وأخيرا بعد أن حصلت فيتنام علي علاقات تجارية دائمة مع الولاياتالمتحدة عام2006 ثم عضوية منظمة التجارة العالمية عام2007 أقر الكونجرس منح مساعدات تقدر ب63 مليون دولار لتطهير المناطق الملوثة وتقديم الرعاية الصحية للضحايا. و بعد أكثر من ثلاثة عقود من انتهاء الحرب لم تعترف الولاياتالمتحدة بمسئوليتها عن هذه الكارثة الإنسانية, ولا عجب أن الولاياتالمتحدة تفلت دائما من العقاب باعتبارها قوة عظمي رغم أنها دأبت علي مخالفة الأعراف والقوانين الدولية التي تمنع استخدام أسلحة الحرب التقليدية ضد المدنيين وتحظر استخدام الأسلحة الكيماوية والنووية في الحروب, ولكن العجب كل العجب أنها مازالت تعطي لنفسها الحق بالتدخل في شئون الدول الأخري بحجة انتهاك حقوق الإنسان معتقدة أنها ما زالت تتمتع بالمصداقية لدي دول العالم.