عندما ننظر إلى المهن على أنها خدمات تقدم تبقى مهنة الطب المهنة التي تتشعب فيها جميع القوانين الخدمية، وتتجرد عنها كل مقاييس الاستغلال والتجارة والمال. وهي المهنة الأسمى التي تنفرد بميزة كونها مجرّد خدمة تؤدى وينتهي الأمر؛ ذلك لأن مسؤولية الطبيب أكبر من مجرد تأدية واجب للعمل يتقاضى من خلاله راتبه الشهري. وعندما نطالب الموظف بمراعاة المسؤولية والدقة والإتقان في أداء العمل، فإن الطبيب مطالب بمثل ذلك أضعافاً مضاعفة. وحيث إن الطعام والشراب والتعليم والعلاج من الحاجات الإنسانية الضرورية التي تخرج عن نطاق الكماليات، فإن الطب أكبر من مجرد راتب وتخصص، فهو ليس مجرد وظيفة، إنما هو رسالة عظيمة، ومجال قوامه الأمانة، وضمير يَقِظ يستشعر بإنسانيته معنى الرحمة. الرحمة تلك الكلمة التي لا يعرف معناها الحق إلا من اختار أن يكون أحد أركان هذه المهنة المصان قسمها، الرحمة في تحري الدقة لتشخيص الداء، الرحمة قبل وصف الدواء على عجالة من الأمر لاعتقاده بأن هذا المرض مطابق لذاك، أو مقارب له فيصف له الدواء نفسه ولا يكلف نفسه عناء التشخيص الدقيق ومتابعة الملف الصحي للمريض وتاريخه المرضي والعلاجي، فربّ دواء يعارض دواء آخر، أو يسبب عللاً للمريض هو في غنى عنها. كذلك الرحمة في مسؤولية احترام عقلية المريض وتبصيره بدائه وكيفية علاجه ودوائه. والرحمة في إحالة الحالة المرضية للطبيب المتخصص. فالطبيب العام لا يفقه بحيثيات جميع التخصصات، وليس لديه الإلمام بتداعيات بعض الحالات كأمراض الأطفال ولو تشابهت الأعراض. فمثلاً اختصاصي أسنان الأطفال يختلف عن اختصاصي أسنان البالغين والكبار حتى ولو كان مجرد نخر سوس صغير في سنٍ لبني؛ وذلك لأن تحت هذا السن ينمو السنّ الدائم وعدم الدقة في تشخيص هذا السوس يؤدي إلى التهابات في اللثة والعظم وقد يؤثر على نمو السن الدائم أو الفك. إن البعض قد يعاني من أزمة الضمير في التشخيص وفي الاعتراف بالتقصير والإهمال سواء كان من الطبيب المعالج أو من معاونيه، والواجب على العاملين في هذا الحقل توخي الحرص والحذر في كل ما يقومون به لأن الإنسان حينما يتوجه إليهم لا يستودع عندهم مالاً، إنما يستودع نفسه وصحته وعافيته عندما يشتدّ عليه الألم ويصاب جسده بالأذى، والخطأ الطبي لا يطال المريض وحده بل أسرة كاملة ومجتمعاً بأسره. [email protected] The post المسؤولية الطبية appeared first on صحيفة الرؤية. الرؤية الاقتصادية