لم تتحدد بعد ملامح المسؤولية المجتمعية في مبادرات المجتمع في الساحل الشرقي سواء من أفراد أو مؤسسات مختلفة أو جمعيات. حيث أن معظم تلك المبادرات وليس جميعها لم تخرج عن زاوية "النوايا الحسنة"، والتي ارتبطت أنشطتها في دعم أعمال خيرية وأيضا تطوعية هادفة غير تنموية. وأكد مختصون في المجال التطوعي جهل وغياب مفهوم ثقافة العطاء للتنمية بإطارها الواسع، والتي من المفترض أن ترتقي بمبادرات المسؤولية المجتمعية وكذلك التطوعية ومعاييرها الإبداعية حتى تسهم في تغذية قيم الانتماء للوطن ومؤسساته، وتعزز روح التربية الوطنية لدى كافة أبنائه وقطاعاته وتحقق التأثير الايجابي المنشود بالمجتمع ورفع مستواه وقيمه. وتبقى تلك المشاركات، كما أكده أولئك المختصون، لا تعدو عن كونها اجتهادات أو مشاركات وقتية أو تقتصر على قضية أو موقف معين أو تندرج بالأحرى تحت بند العلاقات العامة. حيث في ظل تنامي الاهتمام بالتنمية الاجتماعية المستدامة أصبحت هناك حاجة ملحة إلى تطوير ثقافة المسؤولية المجتمعية وآلية ممارستها من مجرد المشاركة في الأعمال الخيرية والتبرعات والحملات التطوعية إلى المساهمة الفعلية في التنمية الاجتماعية المستدامة، وتبني المبادرات المجتمعية ما يسهم في تعزيز دور الأفراد والمؤسسات للقيام بدورها التنموي تجاه المجتمع. واستطلعت " البيان" في إطار تحقيقها حول الموضوع، آراء عدد من المختصين وأفراد المجتمع: خلط في المفهوم د. سعيد مبارك الحداد باحث في تراث الإمارات قال: من الواضح وجود خلط بين الأعمال الخيرية والمسؤولية المجتمعية، فالمسؤولية المجتمعية أعمق من أن تكون تبرعات رمزية أو مخصصات وأرباحاً شخصية أو مؤسسية فقط. فهي تتحدد بمدى تأثيرها استراتيجيا على جميع ذوي العلاقات، حيث إن لها علاقة مباشرة ببرامج التنمية المستدامة، وهي عبارة عن التزام متواصل بدورها في النمو الاقتصادي مع تطوير حياة الأفراد وأسرهم، ومن ثم تطوير المجتمع كله. مضيفا إن العمل الإنساني مرتبط بوقت معين وظرف معين، وهو عبارة عن ردة فعل لمشكلة قائمة أو موجودة لحالة فقر أو غيره، بينما المسؤولية الاجتماعية برنامج متواصل له أهداف بعيدة المدى، وتتطلب التزاما أخلاقيا يقتضي اهتماما أكبر بمشاريع وبرامج طويلة الأمد أو أفكار مستدامة تحقق الفائدة لفئات مختلفة. ويعزو الحداد، غياب مبادرات المسؤولية الاجتماعية إلى جملة من الأسباب، منها: غياب الفهم الصحيح والناضج والمتكامل للمسؤولية المجتمعية في ظل غياب وجود إطار تشريعي أو تنظيمي، أو مؤسسي من شأنه أن يعزز هذا المفهوم ويدفعه إلى الإمام. وكذلك غياب المنظور الاجتماعي بأن ينظر لتلك المبادرات على أنها إحسان وليست مسؤولية اجتماعية، وهو الأمر الذي قد يكون فيه بعض الحساسية. وأيضا شهوة التوسع والانتشار من الفرد أو الجهة نفسها، مع ارتفاع سقف التوقعات، إغراء الأفكار، والإخفاق في فهم طبيعة العمل التطوعي، وغياب الرؤية الاستراتيجية، والفشل في توفير عوامل الاستمرار لما يمارس فيها من سلوك إيجابي. بالإضافة إلى أن استخدامها في المصالح الشخصية، واستغلالها أيضا لأسباب فكرية وسياسية أو مصالح تجارية. وناهيك عن أن تلك المبادرات أصبحت ترتبط بضرورة وجود دعم وبالأخص المادي لاستمرارها وديمومتها، وتقع في خانة الدعاية الذاتية أكثر منها ممارسة فعلية للمسؤولية المجتمعية. أجندة تسويقية فيما ذكر د. سلطان أحمد المؤذن عضو المجلس الوطني السابق: بأنه لا يحبذ ولا ينصح ولا يشجع أن تمارس المسؤولية المجتمعية على أنها أجندة تسويقية، ودعائية وسياسية في الترويج، واللعب على التناقضات، والاستفادة من الفرص التي تتيحها، وبناء شبكة علاقات، قد توفر لها سوقا وأمنا وحماية وقبولا اجتماعيا، على اعتبار - من وجهة نظره - أن الحكومة عليها واجبات أساسية تقوم بها للمواطن، ومؤسسات المجتمع المدني تقدم خدمة مجانية، إلى جانب أن هناك مؤسسات وجمعيات خيرية مجانية من أجل خدمة المجتمع، لأن الدولة الحديثة لا تستطيع أن تعمل كل شيء للمجتمع، فلابد من مساعدة ،وأن يكون هناك نوع من الشراكة بين الدولة والمجتمع سواء بمؤسساته العامة أو الخاصة. مبادرات طيبة من جانبها، أكدت هدى الكسار منسقة العلاقات العامة بمستشفى خورفكان: أن روح التطوع موجودة لدى كل الناس، فما يقوم به المواطن من واجبات غير إلزامية, وما يقدمه من مسؤوليات وأعمال طواعية خدمة لمجتمعه، لا شك أنها هي ما تسمى بالمواطنة بمعناها الواسع ومعانيها المتعددة ومفاهيمها المتطورة ومدلولاتها ومضامينها العميقة. ولكن روح المبادرة غير موجودة، كل إنسان يرغب في تقديم مبادرة معينة يجد أمامه عقبة لا يمكنه تجاوزها، والتي تأخذ أشكال مختلفة سواء شخصية بأن لا يعرف الشخص ثقافة التطوع أو المجالات التطوعية، أو قد تكون ممارستها وقتية أو قد تعترضها إجراءات إدارية. التنمية المستدامة هناك مبادرات طيبة لها أهميتها للكثير من فئات المجتمع، إلا أن الطريقة التي يتم بها التعامل مع المسؤولية الاجتماعية لا تفي بالغرض ولا تحقق تنمية اجتماعية والتي هي جزء من مفهوم شمولي يتطلب التزاما متواصلا وبشكل مستمر، كما وله علاقة بالتنمية المستدامة يسبقها تنمية اقتصادية وثقافية وسياسية وصحية تصب كلها في تنمية المجتمع. لذا يكمن الحل بزيادة أعداد الذين يجب أن يكون لهم دور في المسؤولية الاجتماعية تجاه الوطن، على أن ترتفع النسبة بالتوازي مع الحاجة الماسة التي تلامس المجتمع بشكل مباشر. المبادرات التطوعية غير ناضجة مفهوم مبادرة المسؤولية المجتمعية مازال غير ناضج بطريقة كافية لإدارة النشاطات الاجتماعية، هذا ما قاله سلطان مليح مدير مركز الفجيرة الثقافي، وأضاف: من المفترض أن يكون مفهوم المبادرات التطوعية والخيرية أو الاجتماعية والمساعدات الإنسانية أوسع وأعم وأشمل وأكثر تأثيراً في عملية التنمية في المجتمع وديمومتها. غير أن تلك المبادرات تعتبر «اجتهادات» بشكل أصح ولا تزال مقصرة من حيث الكم والنوع. وأكد مليح أن الأصل في المسؤولية الاجتماعية هو أن تساهم في رفع مستوى معين من الخدمات إن كانت تعليمية أو صحية أو بيئية أو رياضية، أو ضمن أي مجال آخر. دون أن يكون في عملية طلب وعرض لتقديم تلك المبادرات وتأطير عملها وتحديد أولوياتها للصرف، فيمكن على سبيل المثال المساهمة ببناء وحدة علاج متخصصة في أحد المستشفيات كنوع من تخفيف المعاناة على المرضى، وهناك أمثلة كثيرة تندرج تحت مسمى التبرعات أو الهبات لكنها بالضرورة تعود بالنفع على المجتمع. المواطنة فاطمة الشاعر من خورفكان قالت: لا يمكن إنكار وجود فئة قليلة أدركت هذا المفهوم بشكله الحقيقي والفعلي عن طريق إنشاء مرافق تستخدم على مدى طويل أو تقدم جانباً من جوانب العلم أو المساهمة في تعليم طلبة. موضحة أن المفهوم يمتد إلى أبعد من ذلك، إلا أن المبادرات فردية كانت أو جماعية أصبحت بشكل خاص جزءاً لا يتجزأ من نظام العمل، كوسيلة في تقييم جودة الأداء للأفراد والشركات. من جانبها، أوضحت سميرة الدرمكي منسقة إدارية بهيئة حكومية أن المبادرات في الوقت الراهن تمارس مسؤولياتها المجتمعية في برامج وإعانات ومساعدات تقدمها، أو من خلال تنفيذ برامج محددة أو مكررة في قطاعات معينة، وهذا يعتبر جزءاً من المسؤولية، إلا أن الجزء المهم يتمثل في التوجيه السليم لمشاريع المسؤولية المجتمعية ما يسهم في رفع مستوى القيم في المجتمع، والتي لها علاقة بالمحافظة على البيئة، وبشفافيتها، وتجنب التلاعب بالأسعار، وبجودة الخدمات والمنتج وغيرها. فبناء المجتمعات المتمكنة ومقدراتها البشرية والثقافية والمعرفية له بعد أساسي في تعزيز وتطوير البيئة الاجتماعية والصحية والاقتصادية والبيئية بشكل عام دون الاعتماد على الموارد الحكومية فقط في التنمية والتطوير وتقدم المبادرات المجتمعية. قصص نجاح لمبادرات فردية مكتب للمحاماة في الفجيرة بادر إلى معالجة النزاعات الأسرية، ففي قصة نجاح تحسب للمكتب عندما تدخل في معالجة خلاف زوجي تمثل في تقديم هدية رمزية للزوجة، أكد من خلالها أن زوجها لا يستطيع أن يعبر عن مشاعره مباشرة، وإنما عليها أن تدعمه وتثق به حتى يستطيع أن يمنحها الحياة الآمنة والمستقرة كما ترغب. وبين المكتب أن أكثر القضايا التي بادر في معالجتها فورياً هي الخلافات الزوجية التي يحتمل فيها سوء فهم أو نزاع لا يحتمل تصعيده إلى المحاكم، أو قد يتسبب في نشوب مشكلات اجتماعية أخرى منها الطلاق والإدمان. وتمكن المكتب من وضع حلول حسية وملموسة لحل النزاعات تتمثل في تقديم هدايا أو أشياء أخرى قد يعتبرها أحد الأطراف السبب الرئيس في النزاع، ويتم ذلك بشكل سري ومجاناً دون أن يفقد هذا الأمر خصوصية الحالة أو قواعدها القانونية الأساسية، لذا فإن رغبة مكتب المحاماة في تحويل هذه الفكرة إلى واقع، تسهم في خلق توجيه سليم يخدم المجتمع بشكل عام، والأسر وبالأخص الشابة، وكذلك في قضايا مجتمعية قد تصل بعضها إلى قضية رأي عام مثل قضايا التحرش بأنواعه، دون يأخذ هذا التوجه دوراً رسمياً، خاصة كالاستشارات والدراسات الأسرية والتدريب. تعليم التراث من جانب آخر، أسست المواطنة شيخة محمد الوالي النقبي في منزلها بدفتا مدرسة تعليمية تراثية مصغرة بدعم ذاتي، بغرض توعية وتثقيف الأبناء بتراث وثقافة آبائهم وأجدادهم في الماضي، إذ تقوم من خلالها بتدريب طلبة المدارس من الجنسين في منطقتها على أساليب الحياة المختلفة بطريقة عملية مرنة، لخلق ثقافة تمزج بين الماضي والحاضر من خلال جيل اليوم، وتساعد على إيصال هذه الثقافة بطريقة صحيحة في المشاركات المحلية والخارجية. قراءات مجتمعية كما تقدم المواطنة عذاري خميس دوراً في تبني إجراء دراسات خاصة بتصرف ذاتي من قبلها، تتعلق باتجاهات النقد نحو الأحداث والقضايا الوطنية، وتتم تحديداً عبر وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة المحلية، وكذلك باستخدام منهج تحليل المضمون، على أن ترى النور قريباً، إذ تحاول من خلالها التوصل إلى نتائج في استكشاف توجهات الرأي العام التي تعكس نبض الشارع خلال الفترة الماضية، إلى جانب دراساتها السابقة المتعلقة بهذا الجانب الحيوي. توزيع وجبات مجانية في حين يقدم مواطن (لم يحبذ ذكر اسمه) نموذجاً آخر لمبادرة إنسانية، تتمثل بقيامه في توزيع نحو 50 وجبة غداء يومياً للعمال من مختلف قطاعات العمل في إحدى مناطق الفجيرة، وبالتحديد بعد خروجه من صلاة الظهر واستئذانه من جهة عمله، لممارسة هذا السلوك الإيجابي منذ 15 عاماً. البيان الاماراتية