فقدت الانتصارات الأخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا بعضاً من تألقها. فبعد أن أعلن بوتين استحالة انتخابات رئاسية مبكرة في أوكرانيا، عاد ليقول الآن إنها يمكن أن تكون مفيدة. لكن قبل التوصل إلى خلاصة مفادها أن الرئيس الروسي قام بانعطافة كاملة، ونبدأ في تهنئة انفسنا على نجاح آخر للسياسة الغربية، نحتاج إلى دراسة ما كان بوتين يريد التوصل إليه عندما بدأ في مغامرته، وما إذا كان قد تخلى الآن عن أي من أهدافه الأصلية (تتمثل في 3 اهداف إستراتيجية). بوتين كان يتدخل في الشؤون الأوكرانية منذ عام 2004، عندما فشل في فرض صديقه الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش على الناخبين الأوكرانيين. ويانوكوفيتش فاز بانتخابات رئاسية نظيفة نسبياً في الخريف الماضي، لكن أطيح به في فبراير من قبل ائتلاف من المواطنين الذين كانوا قد سئموا من عدم كفاءته وفساده وتبعيته للمصالح الروسية، ومن قبل مثيري شغب من غرب أوكرانيا ليسوا أفضل حالاً من نظرائهم في الشرق. وقد تلقى بوتين كل هذا باعتباره إهانة شخصية له، لكن كانت لديه أهداف سياسة صلبة وطيدة أيضاً. قال إنه يعتقد، كما يعتقد كل الروس تقريباً، بأن لروسيا مصالح عميقة ومشروعة في أوكرانيا، التي يعد انفصالها عن روسيا أمراً يصعب فهمه أو استيعابه. ورأى بوتين، كما رأى جميع الروس، أن العرض المقدم لأوكرانيا بعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي «ناتو»، وتلاعب الغرب بالشؤون الداخلية للأوكرانيين، تهديد مستفز للمصالح الروسية الوطنية والأمن الروسي. حاجة دولية وكان معظم الروس سعداء بخطاب بوتين الوطني ونجاحاته في الخارج. فقد أبقى روسيا بعيداً عن المغامرة الفاشلة في العراق، وسجل نقاط مهمة حول سوريا، واستحصل على نصر عام 2008 في حربه قصيرة الأمد ضد جورجيا، وهو يدرك أن باقي العالم بحاجة إليه. فالأوروبيون بحاجة إلى الغاز الروسي والأعمال الروسية، والأميركيون بحاجة إلى مساعدته للتعامل مع إيران في ملفها النووي ولإخراج قواتهم ومعداتهم من أفغانستان، وجميعنا بحاجة إلى التعاون الروسي لمكافحة الإرهاب الدولي. و«العقوبات» بإمكانها أن تعمل بشكل جيد في الاتجاهين. وقد أثار بوتين أزمة حول أوكرانيا من أجل تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية: أوكرانيا محايدة خاضعة للنفوذ الروسي، مزيد من الضمانات الرسمية لحقوق الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، وعودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا. والباقي عبارة عن تكتيكات. وهذه التكتيكات التي استخدمها في أوكرانيا كانت مشابهة لتلك التي استخدمها ضد جورجيا، قليل من العنف والخداع للوصول إلى ما يريده، ومن ثم التوقف، تاركاً خصومه في وضع وقد فقدوا السيطرة على الأمور فيما هو ممسك بزمامها. وأوكرانيا هي أكبر حجماً وأكثر تعقيداً من جورجيا. ولم يكن مرجحا أبدا إرسال جيشه إلى الشرق، وبدرجة أقل التسرع غرباً عبر أوديسا وصولاً إلى الجيب الروسي في ترانسنيستريا، كما أشار بعض المعلقين. وهذا كان من شأنه أن يوقعه مباشرة في المستنقع، وهو الأمر الذي كان من الحكمة عدم المخاطرة به. وليس هناك حتى الآن أية إشارة تدل على تخليه عن أهدافه الأساسية. وسوف يعاني من خسارة فادحة في هيبته المحلية إذا فعل ذلك. محاولات ضعيفة أما ما ينظر إليه خطأ كنتيجة للسياسة الغربية، فإن هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى مسؤولية هذه السياسة عن التحول في اهتمام بوتين وتركيزه. فبوتين وأصدقاؤه يجدون العقوبات التي فرضها الغرب مثيرة للإزعاج بلا شك، وحتى ضارة. لكن الأزمة كانت ستؤثر على اقتصاد روسيا المريض على أي حال، وهذا بدوره سيقوض الموقع السياسي الداخلي لبوتين في نهاية المطاف، لكن هذا الأمر لم يحن بعد. وحلف «ناتو» أرسل في وقت متأخر قوات إلى بولندا ودول البلطيق، والأوروبيون كان يفترض بهم خفض اعتمادهم على الغاز الروسي في كل الأحوال، وهذه المحاولات الضعيفة من غير المرجح أن تؤثر في تصرفات بوتين الحالية. وهذا قد يؤشر إلى نهاية الوهم الغربي، بأنه يمكن للغرب، في أعقاب الحرب الباردة، وضع قواعد لما اطلق عليه عالم «ما بعد الحداثة»، ونشر فكرته حول الديمقراطية بناء على رغبته، بسبب تفوق قيمه والثقل الساحق لأسلحته.أسئلة مطروحة يبقى السؤال: كيف سيمضي الغرب للتفاوض حول الحد الأدنى المقبول بالنسبة لبوتين، من دون رافعات قوية لزعزعة موقفه؟ فقد تمكن الأوكرانيون من تدبير شؤونهم بشكل سيئ، وهم يستحقون الاستقلال وديمقراطية قابلة للحياة تماماً. لكن لم يتم تعزيز أي من تلك الأشياء بنوايا الغرب الحسنة وبأمواله وتدخلاته. وفشل السياسة الغربية يذهب إلى أعمق من ذلك. فقرار توسيع حلف شمالي الأطلسي «ناتو» اتخذ في منتصف التسعينات على أساس افتراضين: الروس لم يتمكنوا من وقف توسعه، والحلف لن يكون ملزماً باحترام الضمانات العسكرية التي يستحقها أعضاؤه الجدد. ونحن لدينا التزام مطلق تجاه دول البلطيق والبولنديين وغيرهم ممن هم حالياً داخل السور، لكننا لوحنا لأوكرانياوجورجيا بالأمل في العضوية من دون النظر في كيفية الدفاع عنهما إذا اختارت روسيا الاعتراض على ذلك بالقوة. البيان الاماراتية