تجربة انتخابات المجالس البلدية التي ستجرى غدا السبت هي الأولى من نوعها في سلطنة عمان، حيث يتوجه ما يقرب من نصف مليون ناخب وناخبة إلى مراكز الاقتراع في إحدى عشرة محافظة تضم إحدى وستين ولاية لاختيار ممثليهم من بين ألف وأربعمئة وخمسة وسبعين مرشحا بينهم ستة وأربعون امرأة، وذلك على أساس قاعدة تقضي بانتخاب ممثلين عن كل ولاية يقل عدد سكانها عن ثلاثين ألف مواطن، وأربعة عن تلك التي يزيد تعدادها على ذلك، وستة للولاية التي يصل عدد سكانها المواطنين إلى ستين ألفا فأكثر . خمس ملاحظات مهمة من الواجب الاشارة اليها في شأن التجربة الجديدة، أولها أن الاختصاصات الثلاثين لهذه المجالس من أهمها تقديم "الآراء والتوصيات" بشأن تطوير النظم والخدمات البلدية في نطاق المحافظة ضمن حدود السياسة العامة للدولة وخططها التنموية، والاقتراحات في عدة مجالات خدمية تتعلق بانشاء الطرق وتحسينها وتجميل وتنظيم الشوارع والميادين والأماكن العامة والشواطئ، والإجراءات الكفيلة بحماية البيئة من التلوث، وفرض الرسوم البلدية أو تعديلها أو إلغائها وطرق تحصيلها، ومراقبة تنفيذ المشاريع الخدمية بالمحافظة، ودراسة القضايا الاجتماعية والظواهر السلبية واقتراح الحلول المناسبة لها، ووضع النظم الخاصة بمراقبة الحيوانات الضالة والسائبة، وتسمية الأحياء والمخططات والأماكن والطرق، وإجراءات مكافحة التسول، والبرامج الكفيلة بمساعدة المحتاجين وذوي الدخل المحدود ورعاية الايتام والمعوقين، واغاثة منكوبي الحرائق والسيول والأنواء المناخية وتخصيص موارد مالية لسرعة صرفها في مثل هذه الحالات، وهي اختصاصات في جملتها تكتسب أهمية بالغة لكونها تلامس احتياجات ومصالح المواطنين اليومية بشكل مباشر . الملاحظة الثانية، أن عملية اختيار الأشخاص المنوط بهم الاضطلاع بتلك الاختصاصات تفرض ضرورة اجتياز "الاختبار الصعب" المتمثل بتدقيق الناخبين عند اختيار ممثليهم بعيدا عن العشوائية والقبلية والانتهازية من بين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة وطهارة اليد الذين لا يسعون إلى تحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة، وليس من بين هؤلاء بالطبع من ينفقون أموالهم ابتغاء الحصول على مقعد يظنون أنه يفتح أمامهم الأبواب واسعة لتحقيق مغانم أو جني أرباح من المال العام الحرام، ذلك لأن اساءة الاختيار سوف يدفع ثمنها باهظا أبناء الولاية أوالمحافظة جميعهم . وثالثاً، أن المرشحين لتمثيل مواطنيهم مطالبون بمعرفة حدود اختصاصاتهم وصلاحياتهم و"استحقاقاتهم" أيضاً حتى لا يظنوا أنهم مانعتهم حصاناتهم من المساءلة اذا ما دعتهم شياطينهم لممارسة أخطاء أو خطايا من شأنها أن تنتقص من الحقوق الوطنية المشروعة لمواطنيهم أوتنال من نزاهة الخدمة الوطنية أو حتى تخدش حياءها، خاصة أن أعضاء المجالس المحلية لن يكونوا من بين أصحاب الحصانات، كما أن المكافأة السنوية المقررة لكل منهم لا تتجاوز الخمسة آلاف ريال سنويا، فالمتنافسون من أجل الفوز بثقة ناخبيهم عليهم التحلي بفضيلة الحرص على الخدمة العامة فقط لوجه الله والوطن، وهم ملتزمون - حسب اللائحة التنفيذية للقانون المعني- بعدم استغلال عضويتهم للحصول على منفعة شخصية . ورابعاً، أن الحديث عن تخصيص حصة للمرأة في مجالس منتخبة تحت أية دعاوى يحمل في أحشائه جنيناً ديمقراطياً مشوهاً، فعليها أن تسعى لنيل الثقة من الناخبين حتى تكون جديرة بتمثيلهم . الملاحظة الخامسة - والأخيرة - أن السلطنة ارتأت أن تكون بداية التجربة من خلال مجالس منتخبة "جزئيا"، وأن الضرورة الراهنة تقتضي "تعيين" الجزء الآخر، حيث من المقرر أن يصدر وزير الداخلية قرارا بالتشكيل النهائي لهذه المجالس، باستثناء محافظتي مسقط وظفار التي سيصدر قرارات تشكيل مجلسيهما محافظيهما اللذين هما بمرتبة "وزير دولة"، على أن يتم من خلالها تعيين عدد من الأعضاء سواء بحكم وظائفهم أو حسبما تقتضيه المصلحة العامة في المحافظات والولايات . لكن الظن الغالب أن التجربة سوف تأخذ مسارها المتدرج وصولا في المستقبل القريب إلى مجالس بلدية منتخبة بالكامل بعد تمحيصها من خلال الرصد الدقيق لأدائها في فترتها الأولى، وذلك ليس رجما بالغيب أو نوعاً من النبوءات بقدر ما هو استقراء للخصوصية العمانية في شأن التعامل مع مسألة الديمقراطية، حيث ترفض استيراد معلباتها الجاهزة من خارج الحدود تحسبا لعدم صلاحيتها للاستهلاك المحلي . [email protected]