حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    عن الصور والناس    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا يجري في سوريا واليمن ..ولماذا تهدأ المعركة في سوريا وتنشط في اليمن والعكس . الحرب الكونية على سوريا (1)
نشر في الجنوب ميديا يوم 19 - 05 - 2014


د. فاضل الربيعي
إلى اين تتجه سورية؟ ولماذا تقول انها تواجه حرباً كونية؟ هذان هما السؤالان الأكثر جوهرية من بين كل الاسئلة المطروحة وللذين يريدون أن يعرفوا الحقيقة في ما يقال، وأن يتلقوا جوابا حقيقياً لا مجرد شعارات أو تمنيات أو اوهام، عليهم ان يدركوا جوهر الصراع الدائر في المنطقة باسرها- منذ ان اندلعت ثورات ما يسمى الربيع العربي في العام 2011 والتي اتضح بجلاء، وبسرعة انها ثورات زائفة صبّت في النهاية لصالح التكفيرية والسلفيية لا الديمقراطية وحقوق الانسان. انه صراع عنيف تخوضه قوى دولية واقليمية حول قضايا كبرى، لسيت مسالة الديمقراطية والحريات فيه سوى تفصيل صغير. وهذه القضايا بطبيعة الحال تخص مصالح القوى العظمى لا مصالح الشعوب المقهورة. وثمة في هذا السياق امر يتعيّن لفت الانتباه اليه، ففي العام 2014 سوف ينتهي المفعول القانوني والسياسي لما يعرف باتفاقية سايكس- بيكو التي قسمت الوطن العربي ( والشرق المسلم كله) ووضعت سورية تحت رحمة الاستعمارين البريطاني في الشمال، والفرنسي في دمشق . ان العمر القانوني لهذه الاتفاقية الاستعمارية بحسب الوثائق هو 100 عام فقط. اي ان على الدول التي تقاسمت مناطق النفوذ في العام 1916 أن تعود اما لتجديد الاتفاقية، وأن تفتش عن اتفاقية جديدة.
إن العالم يقترب اليوم من موعد انتهاء ( صلاحية) هذا التقاسم الاستعماري، ولكنه لم يتوصل بعد إلى تفاهم جديد لما بعد ( سايكس- بيكو). ولذلك، يبدو وكأنه يتجه إما إلى تفاهم جيد يبقي عليها مع بعض التعديلات ا او الذهاب إلى حرب كونية ثالثة تعيد توزيع المصالح والمواقع ومراكز النفوذ من جديد بين منتصرين ومهزومين. ولأن سورية كانت في قلب الصراع القديم الذي بدأت منه سايكس- بيكو،فإنها تعود- لسوء الطالع- من جديد لتصبح في قلبه. إن جلسة محلس الأمن بالأمس، حين جلس وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا وحدهما( بعد امتناع وزراء خارجية روسيا والصين والولايات المتحدة الامريكية عن الحضور) تكاد تختصر ببلاغة واقع الحال. ها هما سايكس البريطاني( بوجهه الجديد هيغ) وبيكو( بوجهه الجديد فابيوس).لقد فشلا فشلاً ذريعاً لأن اللاعبين الكبار انسحبوا من المفهوم تماما ان يقاطع الروس والصينيون جلسة مجلس الامن لانها مكرّسة لتمرير مشروع تركي- فرنسي يفضي بانشاء مناطق عازلة في الشمال السوري؟ لكن لماذا امتنع الأمريكيون عن الحضور بشخص وزيرة الخارجية؟
ثمة حقيقة اخرى يتعيّن ادراكها في هذا السياق: أن العالم يشهد الرجّات الأولى لعودة اجواء الحرب الباردة بين اقطاب متعددة، مع صعود روسيا والصين- بشكل اخص-ودول البريكس. ومن البدهي في اجواء من هذا النوع، ان تتجه علاقات القوة الدولية نحو نوع من الاستقطاب لإعادة صياغة نظام عالمي جديد، ينتقل من القطبية الأحادية إلى نظام متعدد الأقطاب.
فلماذا سورية؟
في سياق أي محاولة لفهم طبيعة الحرب الكونية التي يشنها الغرب الأطلسي وتركيا والخليج ضد سورية- باستخدام حشد هائل من مرتزقة بلاك ووتر والتكفيريين العرب والأجانب- لابد من التأمل في بعض الحقائق التي تتصل بطبيعة التغيّر في علاقات القوة على المستوى الدولي والإقليمي.
اولى هذه الحقائق، أن العالم دخل (عصر الغاز) فعليا، وأنه – وهو يدخل بصخب وضجيج –بضع اللمسات الأخيرة على مراسم وترتيبات توديع ( عصر النفط) الذي يوشك على النضوب. لكن|، وكما جلب عصر النفط المعارك والحروب المحلية والإقليمية والكوارث المدمرة ، حين بدأت أولى اعمال الاستكشاف والتنقيب في ارض العرب؛ فإن عصر الغاز سوف يجلب معه حروباً مدمرة وكوارث ومصائب يصعب تخيل بشاعتها.إن الانقسام الطائفي المريع وتصاعد النعرات المذهبية، هي الفايروس الذي بدأ يضرب جسد الأمة من قبل ان تبدأ الحرب. وما نراه اليوم ليس سوى اللحظات الأولى من فصل الدم الجديد. وعلى المواطنين العرب، البسطاء والفقراء والمحرومين والمسحوقين، والحالمين والواهمين والمخدوعين بشعارات الحرية والديمقراطية ، ممن أباكهم عصر النفط، حتى صاروا يرددون بحسرة أن ( النفط نقمة وليس نعمة) أن يدركوا اليوم، انهم سوف يبكون طويلا، ويرددّون كثيراً العبارة نفسها مع تعديل طفيف ( الغاز نقمة وليس نعمة) .
وكما ان عصر النفط ارتبط بصعود طبقات حاكمة في المنطقة العربية، تابعة للغرب الاستعماري ومرتبطة عضوياً بالمتروبول الدولي ومراكزه المسيطرة؛ فإن عصر الغاز سوف يرتبط بصعود طبقات حاكمة جديدة، أكثر ارتباطاً وتبعية للغرب واشدّ ظلامية مما نتخيّل؟ ولعل صعود الإسلاميين بكل تلاوينهم هو مؤشر من بين مؤشرات كثيرة على المصائر المريعة التي ترسم لنا . ومثلما ارتبط عصر النفط باندلاع ( الثورة العربية الكبرى) التي اتضح انها أكبر ثورة مخادعة وكاذبة في تاريخ العرب؛ فإن عصر الغاز يرتبط بثورات ( الربيع العربي) الكارثية التي سرعان ما اتضح انها ثاني أكبر ثورة مخادعة وكاذبة يقع العرب في فخها؟
أما ثاني هذه الحقائق، فهي ان العالم لم تعد تحكمه ( عائلة النفط) الدولية. ثمة ( عائلة جديدة) اكثر فتوة وشباباً تستعد لوراثتها هي ( عائلة الغاز). بيد ان عائلة الغاز هذه ليست عائلة متماسكة او يسود الوئام أعضاءها. وعلى العكس تبدو عائلة ممزقة لا سبيل الى نشر الوفاق داخلها. إن شراسة دويلة مثل قطر، وطموحها ورغبتها في لعب ادوار إقليمية لا تتناسب مع حجمها، وهي عضو في هذه العائلة، لا يمكن أن تفهم الا في إطار حقيقة كونها ثاني اكبر منتج للغاز في العالم، وهي تريد ان تلعب الدور القديم الذي لعبته المملكة العربية السعودية مع البريطانيين في عصر النفط. وبهذا المعنى، فقطر هي ( سعودية عصر الغاز). وذلك ما يفسرّ لنا لماذا تبنّت قطر، الوهابية السعودية وحملت راياتها، بينما هي تصدح باناشيد الديمقراطية وتتغنى بالحرية؟
وثالث هذه الحقائق،أن الاستعمار القديم، اي عائلة النفط، ارتبط بالاستيلاء على البرّ ( الصحراء حيث حقول النفط) بينما يرتبط الاستعمار الجديد بسياسات الاستيلاء على البحار( السواحل) حيث حقول الغاز. وكل هذا يعني ان الرجّات الأولى للصراع العالمي، حيث تُسمع في ارجاء المنطقة العربية وقع اقدام المتصارعين على السواحل، وترتعد الفرائص وتخشع القلوب من الخوف، إنما هي الرجّات الأولى لعلاقات قوة جديدة، تعيد صياغة النظام العالمي الجديد. إنه عالم لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية فيه ان تسلمّ بسهولة، بحقيقة انه ينتقل من نظام ( الهيمنة على العالم) إلى نظام( الشراكة في قيادة العالم).ولذلك اختار الأمريكيون ستة بلدان عربية لاحتلالها مباشرة او بصورة غير مباشرة على ما ارتأى كيسنجر في مقابلته الشهيرة قبل عام من الآن.وهي البلدان الأكثر غنى -في المستقبل المنظور- لأنها تمتلك الحصة الأكبر من حقول الغاز في العالم،: العراق، وسورية، ومصر، وليبيا، وتونس واليمن. ولذا، بداوا باحتلال العراق ( وكان التمهيد له احتلال افغانستان لأنها تمثل اهم مراكز مدّ انانبب الغاز مستقبلا). فتمّ تدمير الدولة وتمزيق المجتمع. وكانوا يخططون للوصول الى سواحل سورية؟ وهذا ما يعيد تذكيرنا بعبارة رامسفيلد التي رددها في اليوم الأول لاحتلال العراق حين قال( الآن علينا ان نشرع في الهدف الثاني: سورية).
الكثيرون للاسف لا يدركون ان العراق لم يعد بلداً نفطياً مهماً، وأنه انتقل الى عصر الغاز بفضل الإكتشافات غير المعلنة عن الكميات الهائلة التي تختزنها حقوله في البصرة وكركوك. كما لا يدرك الكثيرون- للاسف- أن سورية تمثل اهم حلقة على المتوسط في عالم الغاز، وأن حقول الساحل السوري لا تضاهى. وفي هذا السياق يجب ان نلاحظ، أن احداث ما يسمى الربيع العربي، بدأت من تونس وهي أرخبيل غازي شديد الأهمية، ثم مصر – وغازها الذي يباع بأبخس الأسعار لاسرائيل- فليبيا التي تملك اطوال السواحل في العالم، وصولاً إلى اليمن الفقير الذي تضمّ سواحله نحو 14 ترليون متر مكعب من الغاز. والمثير أن اي تقرير علمي لم يكشف عن هذه الحقيقة المذهلة الا بعد ان تسربت مؤخرا معلومات دقيقة ومذهلة عن ( ثراء اليمن ) الفقير، حين تفجر الصراع فجأة وظهرت القاعدة في السواحل مع دويّ المعارك بمحافظتي ابين وعدن؟
إن التصريحات الخطيرة التي نشرت امس ( 1/9/2012) منسوبة لزعيم القاعدة في اليمن ( زعيمها وقائدها في محافظة ابين طارق الفضلي) والتي اعلن فيها بوضوح، ان مقاتلي القاعدة انسحبوا من أبين بصفقة اقليمية لأنهم سيتوجهون للقتال في سورية، تكشف بجلاء عن هذا الترابط المخيف بين صعود الاسلام المتطرف والمعارك الاستعمارية للسيطرة على السواحل.
ليس الإسلام وقيمه ومثله هي الدافع في هذا ( الجهاد) الشاذ، بل الصراع على الغاز. والا ما الذي يحمل مقاتلي القاعدة لأن ينتقلوا من سواحل اليمن الى الساحل السوري؟
وهكذا، فقد اصدرت عائلة الغاز أوامرها، لنقل المعركة من سواحل اليمن لسواحل سورية لأن المعركة واحدة.
وإذا ما علمنا أن دويلة قطر الوكيل المحلي للأمريكيين، هي ثاني أكبر منتج في العالم للغاز، فسوف ندرك المغزى الحقيقي لتصدّرها المعركة في ما يزعم انها ثورات الديمقراطية.
ومع كل ذلك، فلابد من التأمل في الحقيقة التالية:
إن الأمريكيين سوف يغادرون المنطقة نهائيا بحلول عام 2016 متجهين صوب آسيا، لمواجهة خطر التنين الصيني، وهم يتركون مهمة حماية ( ثروت الغاز) لحلفائهم الأوربيين، ولوكيلهم المحلي قطر. وكما غادرت بريطانيا المنطقة وانسحبت من الخليج العربي عام 1970- ولم يصدق أحد، آنذاك أن بريطانيا العظمى يمكن ان تترك المنطقة للأمريكيين- فإن هؤلاء يستعدون لمغادرة المنطقة فعليا، ليقوم الأوربيون بالنيابة عنهم، وبالتعاون مع الوكيل المحلي قطر، بمهام حماية ممتلكات عائلة الغاز من ان تسقط في أيدي القوى الجديدة المنافسة والصاعدة.
وهذا هو المغزى الحقيقي للصراع الروسي- الأوروبي المكشوف، فروسيا هي أكبر منتج غاز في العالم، وتقود تحالفا من قوى دولية جديدة صاعدة على رأسها الصين.
وثمة في هذا السياق، تفصيل ضروري للتوضيح، فمن بين اهم ملامح هذه المعركة الكبرى، الصراع على خطوط الغاز المنجهة الى أوروبا. الروس يريدون مدّ خط( السيل الشمتالي والجنوبي) الذي يجمع غاز روسيا مع غاز بحر قزوين( ايران) ليصل الساحل السوري عبر العراق، بينما يعرض القطريون وكيل واشنطن المحلي، وبالتعاون مع الحلفاء الأتراك والأوربيين، خطا منافسا هو خط ( نلبوخذ نصر) يجمع غاز قطر فالعراق فسورية( عبر اسقاط نظامها الوطني) ليمرّ عبر الأراضي التركية فاوروبا.
ولأن روسيا التي تملك الغاز والمال (النقود) تدرك ان العالم يتغيّر، وأن اوروبا مفلسة وغارقة في ديونها ولا تملك الغاز ولا النقود، فقد باشرت بوضع خطط مد انابيب الغاز عبر أوكرانيا فبحر قزوين الإيراني مرورا بالعراق فسورية برا، نحو الساحل السوري، فلبنان ثم قبرص اليونانية فاليونان. وبذلك، لن تعود أوروبا منطقة نفوذ امريكي، وتغدو أكثر استعدادا للانخراط في المشروع القديم اور-راسيا ( اي الشراكة الأوربية الروسية). لكن الأمريكيين الذين يدركون الخطر على مصالحهم وهم يستعدون لمغادرة المنطقة، سارعوا لوضع خطة ما يعرف بأنبوب الغاز القطري( نبوخذ نصر) مرورا بسورية وتحديداً من حمص( وهذا ما يفسر لنا سر معارك حمص) وصولا للساحل السوري. وبذلك يصبح الجندرمة التركي ثريا – لأنه يتحكم بالترانويت- وأكثر وقاحة مع الأوروبيين. وهذا ما يفسر سبب التحالف القطري- التركي.
يتبقى هنا ان نتذكر بعض الحقائق الهامة الأخرى:
في نهاية العام 2011 انسحب الأمريكيون من العراق. وفي العام 2014 سوف ينسحبون من أفغانستان. فلماذا ينسحبون ولماذا حدث الغزو أصلاً ؟ لقد كان الأمريكيون قبيل غزو العراق، يستخدمون تعبيراً مثيراً في تلخيص استراتيجتهم للشرق الأوسط الكبير، قلمّا انتبه اليه أحد، يقول حرفياً ما يلي: ( العراق هدف تكتيكي، والسعودية هدف استراتيجي، والجائزة مصر). وكان ذلك يعني من بين ما يعنيه، ان العراق هو نقطة الإرتكاز في مشروع تفكيك المنطقة، للقفز نحو أهم هدفين تاليين، هما السعودية ومصر. ولذلك، نشر البريطانيون بعد احتلال العراق مباشرة ما عرف بخطة ( استراتيجية الخروج من العراق). ومن المؤكد ان النفط لم يكن ، قط – إلا بشكل محدود للغاية- هو الهدف المركزي للغزو. كانت هناك حزمة أهداف كبرى، لا تحتل مسألة الاستيلاء على حقول النفط، فيها سوى مكانة محدودة، ذلك ان الأمريكيين يعرفون بدقة ان النفط في المنطقة سوف ينضب في غضون العقدين القادمين(2025- 2050) وأن سواحل وشواطئ الشرق الأوسط تختزن كميات هائلة من الغاز، وهو الطاقة البديلة التي يتهيأ العالم لاستقبالها. إن تفكيك الشرق الأوسط يوفر إمكانية لا حدود لها للسيطرة على السواحل العربية. وفي إطار هذه الصراع سوف تختفي المملكة العربية السعودية من الخارطة مع زوال عصر النفط في العام 1916 وما بعدها رقص العرب فرحاً باكتشاف النفط، وراحوا يتمايلون سكارى وهم ينتشون بشعارات الديمقراطية والدولة المدنية التي اطلقها البريطانيون. ولم ليبثوا ألا قليلا حتى اكتشفوا الخداع.
اليوم يعود العرب الى الرقصة نفسها مع اكتشاف الغاز، ويتمايلون سكارى من نشوة الديمقراطية التي اطلق شعاراتها الأمريكيون، ولن يلبثوا الأ قليلا حتى يكتشفون أن المرء يلدغ من جحره مرتين لا مرة واحدة.
أثارت الأزمة السورية اضطراباً قلّ نظيره في العلاقات الدولية. إنه إضطراب شبيه بالموجات الهائجة التي تسبق الزلزال البحري. وبكل يقين، لم يسبق لأزمة ( محلية) أن عكرّت أجواء وعلاقات الدول الكبرى، مثلما هو الحال اليوم، فالعالم كله، يبدو وكانه يتزاحم هنا وبالمناكب من حول سورية.
ومع ذلك، هناك شبه ما، بين ما يجري فيها وبين حدثين تاريخيين وقعا في الماضي القريب، احدهما حدث في مصر 1956 وثانيهما في كوبا 1960. في حالة مصر، لم تكن هناك بالطبع جماعات مسلحة متسللّة من الجوار، ولكن كان هناك من جهة، صراع داخلي عنيف بين عبد الناصر وجماعة الأخوان المسلمين ( المسلحين) الذين قاموا بعمليات عنيفة واسعة، ومن جهة أخرى، توتر سياسي شديد بينه وبين المملكة العربية السعودية.ولذلك، اتخذ الصراع مع عبد الناصر طابع ( المؤامرة) التي حاكت خيوطها اطراف دوالية وإقليمية. وحين وقع العدوان الثلاثي، الإسرائيلي- الفرنسي- البريطاني، لم تجد موسكو مناصاً من توجيه ( اول انذار نووي) لوقف العدوان على القاهرة. وبعد هزيمة المعتدين خرج عبد الناصر اٌقوى زعيم عربي في المنطقة. آنذاك لم تكن موسكو تمزح، وكانت مستعدة للذهاب في موقفها إلى هذا الحدّ من المواجهة مع الغرب. وفي حالة كوبا وحين نشبت أزمة الكاريبي ( او ما يعرف بأزمة خليج الخنازير) مع تدفق آلاف المسلحين المعارضين لنظام كاسترو وتسللهم من شواطئ فلوريدا بدعم أمريكي مكشوف ترافق مع حصار مدمر وعقوبات دولية، عادت موسكو للعب ورقة ( الإنذار النووي). كان الإنذار الروسي او ما يعرف بأزمة الصواريخ النووية، عاملا حاسما في إخماد الأزمة الكوبية. أثر ذلك توقف تدفق الجماعات المسلحة من الشاطئ وانتهت المواجهة. وفي هذه الأجواء تكرّست صورة فيديل كاسترو كزعيم ثوري عالمي حين خرج منتصراً من ( خليج الخنازير ).
في أعقاب هاتين الأزمتين العالميتين،جرت في الأروقة الدبلوماسية والعسكرية صياغة نظام القطبية الثنائية على اسس جديدة.
الواهمون والمُضللون وحدهم، من لا يريدون تصديق وإدراك أبعاد وحقائق هذا الصراع الكوني. وواحدة من اهمّ هذه الحقائق، انه صراع عالمي يدور بواسطة ادوات إقليمية ومحلية. ومن الواضح الآن- بعد ما يزيد عن عام ونصف- ان العامل الدولي- الإقليمي في الازمة السورية بات عاملا محلياً.لم تعد باريس وانقرة والدوجة والرياض مجرد داعمين ومؤيدين وممولين للجماعات المسلحة. لقد تحولت هذه العواصم إلى ( تنسيقيات) مثلها مثل التنسيقيات المحلية في ادلب وجلب وحماه ودرعا .
لقد نشأ التحالف الرجعي ( الأخواني- الوهابي- التكفيري) في تعبيراته القطرية- السعودية- التركية ضد سورية في ذروة ما بعرف ب( ثورات الربيع العربي). قبل هذا الوقت بقليل كانت سماء العلاقات بين سورية ودول هذا التحالف تبدو صافية لا تعكرها سحابة واحدة. فلماذا نشأ فجأة مثل هذا التحالف المسلح والشرس فجأة؟ هل يتعلق الأمر حقاً بقيم الديمقراطية والحرية والدفاع عن حرية الشعوب؟ بكل تأكيد، لا؟ الأمر يتعلق بصراع دولي على إعادة صياغة نظام علاقات جديدة، انطلاقاً من الشرق الأوسط الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية مغادرته نهائيا، ولكن فقط بعد ان تطمئن على ترتيبات صلبة لمصالحها الاستراتيحية. كان النموذج الليبي في التغييّر بواسطة القوة الخارجية، حاضراً بقوة في عقول ومخططات المتآمرين على سورية. وكان ثمة وهم تمّ الترويج له على نطاق واسع في محطة الجزيرة ، مفاده أن النموذج الليبي قابل للنسخ بسهولة في الحالة السورية خلال بضعة اسابيع، واذا تطلب الأمر وقتاً أطول يمكن التفكير بمنطقة عازلة او منطقة حظر طيران. ومنذ البداية كانت ( تنسيقيات) الرياض والدوحة وأنتقرة تروج لمنطقة حظر طيران ولتسليح المعارضين.
لقد انبثق هذا التحالف من قلب أزمة أعمّ واعمق، لا بين سورية وبين هذه البلدان؛ بل في الساحة الدولية حيث بلع التجاذب بين السياسات والمصالح ذروته. وكانت الحرب القذرة والمأسوية ضد ليبيا التي لعب فيها هذا التحالف دوراً حاسماً في اسقاط حكم الزعيم الليبي معمر القذافي، مؤشراً خطيراً عن طبيعة الأدوار المنوطة ببعض القوى الإقليمية. ومن أهم وأخطر هذه المؤشرات، تبرير وتسويغ مفهوم التغيير بالقوة؟
منذ البداية كان خيار التحالف الرجعي الخليجي- التركي، هو إعادة انتاج النموذج الليبي في سورية.
وبطبيعة الحال، لم تكن قيم الحرية والديمقراطية لتعني أي شئ بالنسبة لهؤلاء المتآمرين، بمقدار ما كانت وسيلة لجذب اهتمام وتعاطف الجماهير المضللة والمخدوعة، وللتغطية على طبيعة الأهداف الحقيقية للحرب على سورية. ولعل ابلغ وصف لهذا التضليل والتلاعب، ما قاله المندوب الروسي تشوركين تعليقاً على دعوة سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية ( إلى تسليح المعارضة السورية) حين قال: انه وهو يصغي الى خطاب سعود الفيصل عن التسليح ظن للوهلة الأولى انه يصغي لتشي غيفارا لا لسعود الفيصل.
وحدهم، المصابون بعمى الأوهام وقصرالنظر السياسي، من لا يريدون تصديق الحقيقة القائلة، ان الولايات المتحدة الامريكية سوف تغادر المنطقة نهائياً عام 2014 حين تنسحب من أفغانستان، وانها بالفعل، تعيد هيكلة استراتيجياتها السياسية والعسكرية في آسيا، لمواجهة تحديات كبرى قادمة مع صعود الصين، وأن هذا القرار حقيقي لا مجرد ( تمنيات) أو ( اوهام) أو محض تحليلات متفائلة. ومنذ بضع سنوات فقط، راجت في أوساط مراكز الأبحاث الاستراتيجية الأمريكية وأوساط البنتاغون كذلك، نظرية ( الانتقال من الهيمنة إلى الشراكة) لمواجهة التحديّات المستقبلية التي تواجه الأمريكيين. وفي قلب هذا النظرية تبلورت استراتيجية الانسحاب من المنطقة، ولكن فقط بعد وضع الترتيبات النهائية ( لأسلمة) المنطقة، بمساعدة الجماعات الإسلامية على الإمساك بزمام الأمور.
ومن دون شك، فلهذا الانسحاب اسباب وبواعث مختلفة تتصل بصورة جوهرية بتغيّر علاقات القوة الدولية، وتهاوي المكانة الإقتصادية الأمريكية إلى الحضيض، وصعود قوى دولية فتية واكثر قوة اقتصاديا.
وهذا امر مألوف ومشهود في تاريخ الصراعات الدولية، فالقوى العظمى تخلي مكانها في المسرح التاريخي وباستمرار لقوى جديدة صاعدة، سواء بالقوة أم بالتوافق والتراضي على حدود الانسحاب وضمانات المصالح، فقد أخلت الثنائية الإسبانية- البرتغالية التي كانت تتحكم في عالم القرن السابع عشر- الثامن عشر، المكان لثنائية فرنسية- بريطانية، ظلت تتلاعب بمقدرات العالم منذ الحرب العالمية الأولى 1914، ولكن هذه سرعان ما اخلت مكانها لثنائية جديدة، أمريكية- سوفيتية في أعقاب الحرب العالمية الثانية. الأمريكيون انفسهم، حلوّا محل البريطانيين المنسحبين من آخر مستعمراتهم في الخليج العربي عام 1970
اليوم، يبدأ عصر جديد تتهيأ فيه أقطاب جديدة لتحل محل القطبية الأمريكية المهيمنة . الفارق الجوهري بين ما حدث امس وما يحدث اليوم يكمن هنا: ان العالم ينتقل من ( الهيمنة) إلى ( الشرااكة). اي من الثنائيات الى الأقطاب المتعددّة ولذلك، سوف يتوقف والى حد بعيد، أي فهم عميق لما يجري في سورية - لا بصورة عاطفية وسطجية وإنفعالية كما هو شائع في المواقف والتحليلات- على معرفة طبيعة هذا المتغيّر المذهل في علاقات القوة، فالولايات المتحدة الأمريكية سوف تترك المنطقة في عهدة قوى جديدة ، تلعب دور الوكيل الإقليمي لصالحها وفي خدمة استراتيجياتها.
ووحدهم المصابون بعمى الأوهام السياسية من ينظرون بسخرية بلهاء لكل ما يقال ويكتب عن حرب كونية، وأن من يعتقد بهذا هو من أصحاب ( نظرية المؤامرة) لأن كل ما يجري في العالم برئ للغاية ومصمم لاهداف وردية وشاعرية وإنسانية، وأن نظرية المؤامرة هي من تلفيق العرب ومن نتاج خيالاتهم لا أكثر ولا أقل، وأن الغرب لا يعرف هذا النمط من التفكير وليس متآمراً؟ وهؤلاء لشدّة جهلهم، لا يعرفون ان التاريخ البشري برمته، هو نتاج مؤامرات يدبرها الاقوياء ويتواطأ فيها الضعفاء.
وفي قلب هذه المؤامرة، تقع خريطة سورية وسواحلها الاستراتيجية.
ولأن الصراع على خطوط الغاز في المنطقة، ليس وحده سبب ( المؤامرة) وليس الباعث الوحيد ايضاَ، فمن الضروري رؤيته في إطار أعمّ.
ثمة بُعد عسكري غاية في الحساسيّة بالنسبة لجميع القوى المتصارعة. إنه الساحل السوري؟
ولتوضيح هذا، فسوف أروي الواقعة التالية: بعد الفيتو الروسي – الصيني الأول في مجلس الأمن، سافر روبرت فيسك الصحافي البريطاني الشهير الى موسكو، ليسال الروس عن لغز موقفهم هذا؟ كان فيسك مذهولاً من صرامة الموقف الروسي وثباته وفشل كل الأطراف في زعزعته، ولم تكن لديه ادنى فكرة عن سرّ هذا التعنت. في موسكو سمع فيسك الجواب التالي: سيّد فيسك، لو سقطت دمشق فسوف تسقط موسكو وبكين. انها معركة حياة او موت بالنسبة لنا. إن اسطولنا الحربي الذي يقطع مسافات شاسعة في البحار بين البلطيق والمتوسط، سوف يضطر الى العودة الى البلطيق ثانية في اي مواجهة حربية حين يحتاج لفرشاة اسنان. وفي هذه الحالة، فروسيا من دون سورية ستخرج من معادلة القوة العسكرية في البحر؟ وحين تخرج موسكو من معركة الغاز مهزمة، بانتصار خط غاز( نبوخذ نصر) الأوروبي- القطري،واستيلاء الأتراك على خطوط الأمداد، وتحوّل أنقرة إلى ( دولة ترانزيت) ثرية وأكثر شراسة واستعدادا لدعم التكفيريين الإسلاميين في العمق الروسي لتمريق أحشاء موسكو، فهذا يعني في الآن ذاته، ان روسيا ستخرج ربما ألى الأبد من المعادلة العسكرية والاقتصادية.
هذان هما العاملان المركزيان في الصراع على مضمون وحدود التغيّر المذهل في علاقات القوة الدولية.
فإلى أي حدّ يمكن لموسكو ان تذهب؟
لقد لخص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في معرض إجابته على سؤال لقناة «ان بي سي» الأمريكية حدود المجابهة على النحو التالي:
سيّد بوتين، إلى أي حد يمكن أن تذهب روسيا في الدفاع عن مواقفها في القضية السورية؟ ما أن سمع بوتين هذا السؤال- حسب وصف المحطة- حتى بدا مستفَزّاً بشكل واضح وقال: "اذا أصرت الولايات المتحدة على متابعة سياساتها الخارجية العدوانية ضد الدول ذات السيادة ، فإن روسيا لن تعدم الوسيلة من أجل منعهم من القيام بذلك. و"ستبدو السماء كفروة خروف"، لكل من تسول له نفسه قطع الطريق على مصالح بلادنا" (استخدم بوتين هنا المثل الروسي القديم: "ستبدو السماء كفروة خروف". وهو تعبير شعبي يستخدمه الروس في معرض التعبير عن هول الصدمة والذعر لدرجة تصور السماء كفروة خروف).
لولا صمود دمشق لما كان بوسع موسكو ان تصمد
هذه هي الحقيقة
الم يقل الشاعر ذات يوم:
لولا دمشق لما كانت طليطلة ولا زهت ببني العباس بغدان
تاج


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.