مواضيع ذات صلة د.خالد عايد الجنفاوي حوارات "لا تذهبنَّ في الأمور فَرَطَا...لا تسأَلنَّ إن سألت شططا...وكُنْ من الناس جميعاً وسطا" (بيادر العمر). أعتقد أن ثمة معضلة تفكيرية أساسية تمنع التطور الحضاري والثقافي في بعض البيئات الانسانية, فحين تروج المبالغة ويتم تضخيم الأحداث والأقوال في أي بيئة اجتماعية بغية الزهو أو بهدف تجاهل الحقائق الفعلية فسيؤدي ذلك إلى ترسيخ ظاهرة الانفصال عن الواقع, فكيف لمن يبالغ في ردود فعله وفي أقواله وفي تفسيره لما يحدث حوله أن لا يعيش سوى في عالم خيالي لونه ذهنه المليء بالسيناريوهات الميلودرامية والأماني اللاواقعية والغلو في المواقف الشخصانية؟ بيننا عقول أدمنت المبالغة في كل شيء يجري في الحياة اليومية, وهي بالطبع عقول وقلوب مختلطة لا يُفرِّق فيها الشخص بين ما هو واقعي, وما لا يمكن تحقيقيه استناداً الى المعطيات الفعلية للواقع اليومي ! على سبيل المثال, ثمة فرق واضح بين الاحتفاظ بنوع ما من التفاؤل المنطقي حول ما يمكن ان يتحقق في الحياة الإنسانية وبين المبالغة في تصوير وتفسير ما يجري فعلاً. بمعنى آخر, لا ضرر في أن يحاول الفرد أحياناً إنقاذ ما يمكن إنقاذه من العقلانية والاعتدال والمنطق في بيئته الانسانية عبر حفاظه وحتى آخر لحظة على تفاؤل حذر, ولكن ليس منطقياً المبالغة في تكريس تفاؤل مبالغ فيه لا علاقة له بما يحصل فعلاً في الواقع اليومي. هناك شعرة تفرق بين التفاؤل والتشاؤم المبالغ فيهما, فالتفاؤل بما يمكن أن يحققه الفرد في مجتمعه تشرعنه الرغبة الشخصية الصادقة في نيل النجاح وتحقيق التطور في غالبية جوانب الحياة الانسانية. ولكن يصعب على العقلاء والحكماء المبالغة في تفاؤلهم حين تشير كل المعطيات والأدلة والبراهين الى ان ليس هناك مؤشر واضح على إمكانية النجاح. وبالنسبة الى بعض المتشائمين, فلا يمكن كذلك أن يبالغوا في تشاؤمهم ما دام ثمة بصيص أمل في تحقق نوع ما من النجاح النسبي وفقاً لما يتوافر من مقومات النجاح في البيئة الاجتماعية. عالمنا المعاصر يميل الى تكريس واقعية اقتصادية وثقافية وحضارية تمكن الإنسان الفرد من ربط آماله وتطلعاته العقلانية والمعتدلة بما يمكنه تحقيقه فعلاً في مجتمعه: فالمبالغة والادمان على الانفصال القسري عن الواقع اليومي وتوقع حدوث ما لا يمكن أن يحدث أو يتحقق هي معضلات حضارية تمنع التطور, وتشوه الأولويات الشخصية وتؤخر النجاح الحقيقي. فلعل وعسى. * كاتب كويتي [email protected]