ابحث في اسم الكاتب تاريخ النشر: 28/06/2014 حين كتب محمود درويش: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" . كان يدرك أن عليها أيضاً ما يستحق الممات، فهي كالنار التي تدفئ وتحرق وكالماء الذي يروي ويغرق، وعلينا أن نختار . فهل يجرؤ أحدنا الآن أن يقول إن على هذه الأرض العربية ما يستحق الحياة؟ إذا كانت محاصرة بالموت من الجهات الخمس، لأن الفضاء أيضاً يمطرنا بوابل نيرانه . ما من وطن في هذا الكوكب حظي بأناشيد ومدائح كالوطن العربي، فهل كان الشعراء يكذبون أم أن ما سال من لعاب الغزاة والطامعين أصابنا بالنفور حتى من العناقيد؟ ينقصنا الآن عربي واحد على الأقل يرفع يده احتجاجاً ويقول عكس ما يقال ويرى في كثافة هذا السواد وميضاً حتى لو كان قادماً على استحياء من قبر أو كتاب أو بندقية خرساء . سيظل على هذه الأرض ما يستحق الحياة لأنها مهد الحياة إن لم تكن رحمها ولأنها علمت البشر أن يقرأوا ويكتبوا ويشهدوا ويستشهدوا وما نراه ويملأ الشاشات أمامنا ليس المشهد كله، فهو غلالة سوداء تحجب أطلالاً لا تكف عن الكلام وشجراً لا يكل من الحفيف، ومقابر حافلة بالعائدين . المطلوب منا عرباً في هذه القيلولة التاريخية أن نصدق بأننا فائضون عن الحاجة، ونصلح فقط للازدحام على إشارات المرور أو في تظاهرات عمياء . منذ قرنين والاستشراق متخصص في هجاء عقولنا، وثمة من قال كالسيد طومسون إن دماغنا أشبه بثمرة الصبير، وهناك من خدع شعبه ونفسه حين قال إذا طبخ الدماغ العربي مع الدماغ الأوروبي في إناء واحد فإن الحساء سوف يتجمع حول كل منهما بطريقة مختلفة، والظاهر أن هناك من صدقوا فقرروا خلع جلودهم والرطانة بلغة لا تفهمها أمهاتهم، ونسوا عربياً مثل مالك حداد وهو من سادة التعبير في اللغة الفرنسية كما شهد بذلك الناطقون بها قرر أن يتعامل مع اللغة الفرنسية كمنفى وأن الأبجدية هي الوطن ومسقط الرأس، وصاح ذات يوم قائلاً: لا أستطيع أن أقبل يد أمي بفم آخر، أو أناديها بلسان آخر . ورغم وفرة كل شيء في أسواقنا من حليب العصافير إلى عصير الحجر فإن ما ينقصنا الآن هو عربي يردد ما قاله المتنبي في شعب بوان، لأننا مثله صرنا غرباء اليد واللسان . سيبقى على أرضنا ما يستحق الحياة، لأننا حاملون لعبئها وأسرارها وشهود ولادتها في جغرافيا رسولية كل شجرة فيها وشم وكل حجر حجل . إن من صدق قاتله الذي أخطأه بأنه قد مات ليس من حقه أن ينشر نعينا كأمة على شهادة موته . خيري منصور الخليج الامارتية