يفاجئ عدد من تجار الخضار والفاكهة في سوق ميناء زايد في أبوظبي المستهلكين، بقدرتهم على اختراع أساليب جديدة للغش والتدليس أثناء عرض بضائعهم في السوق، ومجازاً يمكن القول إن بعضهم يستحق براءة اختراع لاكتشافه طرقاً لم تخطر على بال أحد من قبل، بغية توريط المستهلكين في شراء بضائع قد لا تصلح للاستهلاك الآدمي . الاختراعات عبر التاريخ انقسمت إلى نوعين، نوع فيه الخير للبشرية، وآخر جلب لها الشقاء، ومن النوع الأخير تأتي اختراعات التدليس والغش عند بعض تجار الخضار والفاكهة بسوق الميناء في أبوظبي . فقد أصبح كل صندوق خضار أو فاكهة مغلفاً مشكوكاً بأمره حتى يثبت العكس، فالواجهة جميلة ونضرة أما أسفل الصندوق فلا يمكن التنبؤ به، إذ لا يسمح للمستهلك بفتح الغطاء واستكشاف كل البضاعة، كما أن ظاهرة البيع من دون السماح للمستهلك بتعبئة مشترياته بيده بحجة المحافظة على ترتيب البضاعة، أو عدم تكليف الزبون عناء التعبئة، لا يعدو كونه ستاراً لتمرير الطالح والصالح معاً . وبلغ التمادي أوّجه من قبل بعض تجار الخضار والفاكهة بسوق ميناء زايد في أبوظبي، حيث قام البعض بعرض منتجات أصاب التلف جزءاً كبيراً منها جهاراً نهاراً، وكما يقول المثل "على عينك يا تاجر"، وحجة هؤلاء أن لهذه البضائع زبائن يقصدونها بالذات نظراً لرخص ثمنها أذا ما قورنت بمثيلاتها من البضائع السليمة . ولإلقاء مزيد من الضوء على هذه الظاهرة قامت "الخليج" بجولة ميدانية في سوق ميناء زايد بأبوظبي، والتقت عدداً من المستهلكين لاستطلاع آرائهم حول عمليات الغش التي يمارسها بعض التجار بحقهم، وعادت بالآراء الآتية: ستار جميل يقول بدر صلاح: غالباً ما أكتشف أن الطبقة العليا لصناديق الخضار والفاكهة التي أشتريها من السوق هي عبارة عن ستار جميل يخبئ ما فسد من المنتجات، حتى بت أشعر بعدم الأمان على نفسي وعائلتي، لأن خلط المنتجات الصالحة مع الفاسدة قد يتسبب بنقل الأمراض لي ولهم . ودائماً يتبادر السؤال الى ذهني: على من تقع المسؤولية في ملاحقة هذه العينة من التجار التي باعت ضميرها ووجدانها وضربت عرض الحائط بكل الأنظمة والقوانين التي شرعت لحماية حياة وصحة المستهلك؟! ويشير ناصر علي حسن مستهلك إلى عدم سماح عدد من التجار للمستهلكين بانتقاء بضائعهم بأيديهم وذلك حتى يتسنى لهم تمرير بعض المنتجات التالفة ما بين البضاعة التي يبيعونها، لافتاً إلى أنه يضطر لابقاء نظره محدقاً بالتاجر أثناء تعبئته للبضاعة، ومع ذلك فإن محاولاته غالباً ما يكتب لها الفشل نظراً للسرعة الكبيرة التي يعبئ بها التجار البضاعة في الأكياس، كما أن تعبئة بعض المنتجات الصغيرة الحجم مثل الخوخ والكرز وغيرها تتم بطريق "الغرف" إذ يستحيل مراقبة كل حبة يضعها التاجر في الكيس . تالفة للعصير تحدث فراس عبيد عن ظاهرة بيع الفاكهة التالفة التي يعرضها التجار بشكل علني في بعض أروقة السوق، متسائلاً عن كيفية السماح لهؤلاء بممارسة عملهم من دون رقيب أو حسيب، مضيفاً أن عوز البعض لا يمكن أن يكون مبرراً للتغاضي عن هذه الفئة التي تروج لبضائع لا تصلح للاستهلاك الآدمي نظراً لشدة الضرر الذي لحق بها . وتابع: إن خطورة وجود هذه الفئة من التجار تكمن أن زبائنهم قد يكونون من أصحاب محال العصائر أو الكافتيريات، بالتالي فإن خطر انتقال الأمراض إلى شريحة واسعة من المستهلكين تصبح أكبر، فمن يرتاد مثل بعض هذه المحال لا يمكنه التأكد من أن ما يقدم إليه تم تحضيره من مواد صالحة أم العكس، لأن عمليات الطهي أو العصر وما يرافقها من إضافات لمواد منكهة سيخفي أعراض التلف لكنه لن يزيل أضرارها . البائع المتجول من جهته، ينصح إبراهيم حميد جميع المستهلكين بتوخي الحذر عند تبضعهم في ساعات المساء والليل من السوق، حيث يزداد عدد الباعة المتجولين في السوق، والذين يقومون بتجميع صناديق البضائع التالفة التي يتخلص منها التجار أو يقومون بشرائها بأثمان بخسة، ومن ثم يبحثون لها عن زبون قد يغريه رخص سعرها دون الالتفات إلى جودتها، مضيفاً أن أغلبية زبائن هذه الفئة من الباعة هم من ذوي الدخول المتدنية الذين يقومون باستقطاع الأجزاء الصالحة من هذه المنتجات وتناولها . وأشار يوسف الحمادي إلى قيام عدد من باعة الخضراوات، وخصوصاً الورقية منها، إلى رش منتجاتهم بالماء بشكل مستمر، لتبدو بحالة نضرة توحي للمستهلك بأنها طازجة، إلا أن هذه العملية غالباً ما تؤدي إلى تلف هذه الخضار بسرعة كبيرة بعد شرائها من قبل المستهلكين إذ يؤدي تعرضها للحرارة والرطوبة أثناء نقلها إلى المنزل لإصابتها بالذبول والتلف السريعين، مضيفاً أن الأمر نفسه ينطبق على منتجات الفاكهة التي تبدو عليها علامات التلف بمجرد انقضاء ساعات قليلة على وضعها في الثلاجة . وقال إن غش الباعة وخلطهم للمنتجات التالفة مع المنتجات الصحيحة ينطوي على نوعين من الأضرار، الضرر الأول مادي حيث يدفع المستهلك نقوداً في أشياء لن يستخدمها بل ستكون نهايتها في سلة المهملات وهذا أمر مرفوض في زمن زادت به المسؤوليات والأعباء المادية، أما الضرر الثاني فهو صحي يتعلق بسلامة الإنسان وهو الأخطر، لأن الخضار أو الفاكهة التالفة تحتوي على جراثيم وبكتيريا ضارة ومجرد تركها وعدم عزلها يعني نقل هذه البكتيريا إلى جميع المنتج الذي سيتناوله جميع أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال الذين لا تزال مناعتهم ضعيفة . وأوضح حامد سعد أن التجار يستغلون المناسبات التي يزداد فيها الإقبال على الخضار والفواكه ويقومون بزيادة الأسعار من دون رادع أو وازع، حيث تزداد إلى الضعف، وتزداد شروطهم في اختيار البضائع . تغليف وتدليس ويحذر كهلان العقيل من صناديق الخضار والفاكهة المغلفة التي يوهم الباعة فيها المستهلكين، بحيث تحتوي الطبقات السفلية من هذه الصناديق المغلفة على بضائع تالفة وغير صالحة للاستهلاك، مشيراً إلى أن التجار حولوا عملية التغليف من وسيلة لحفظ المنتج من عوامل الحرارة والرطوبة والحشرات إلى وسيلة لإخفاء الحبات المصابة والتالفة وحجبها عن نظر الزبون . وأضاف أن عدداً كبيراً من التجار يرفض السماح للزبائن بكشف أو نزع غطاء النايلون عن صناديق الخضار والفاكهة المغلفة حتى لا ينكشف أمرهم، واضعين حجة أن تعرض البضاعة للهواء قد يسرع بتلفها رغم أن العكس هو الصحيح خاصة في الأماكن المكشوفة غير المبردة حيث تتشكل طبقة من الماء مابين هذا الغطاء والبضاعة المحتجزة تحته بفعل التعرق وهذا بدوره يسهم في تلف البضاعة بشكل أسرع بعد شرائها وإفراغها من الصندوق حيث تتعرض للهواء الخارجي . جهود رقابية يقوم جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية بجهود كبيرة للقضاء على مثل هذه الظواهر عبر جملة من الإجراءات الرقابية الصارمة والمستمرة، إلا أن غياب الرقيب والوازع الذاتي لدى بعض الباعة يقف عائقاً أمام تلك الجهود الحثيثة التي تصطدم بالجشع . ويشير محمد جلال الريايسة مدير إدارة الاتصال وخدمة المجتمع جهاز الرقابة الغذائية في أبوظبي إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الأغذية الممنوع تداولها في الدولة وهي الأغذية الملوثة، الأغذية غير المطابقة للمواصفات والاشتراطات الصحية، إضافة إلى الأغذية غير المطابقة لقانون البطاقة الصحية . وأوضح أن تلوث الأغذية يحدث في المحال إما بسبب سوء التخزين أو سوء التعامل مع المادة الغذائية، وهنا من السهل معرفة سبب التلف والفساد وفي حالة ثبوت ذلك تتم مخالفة صاحب المحل الذي يبيع هذه المنتجات وليس المصنع أو التاجر الذي استوردها، لافتاً إلى أن قانون الغذاء يعرف المادة الغذائية الضارة بأنها المادة التي تحتوي على مخاطر خلال أية مرحلة من مراحل تداولها تجعلها غير مطابقة للمواصفات القياسية، وقد تؤثر سلباً في صحة الإنسان، سواء كانت محلية أو مستوردة، وذلك حسب ما ورد في قانون الغذاء الجديد الذي يعرف المادة الغذائية المغشوشة بأنها المادة التي لمكوناتها الأصلية مواد بهدف التقليل من جودتها وقيمتها الغذائية، أو التي يتم انتزاع بعض محتوياتها الغنية بقيمتها الغذائية علاوة على حظر القانون لغش المواد الغذائية أو تداول مواد غذائية فاسدة أو ضارة بصحة المستهلك . ويشدد جهاز أبوظبي للرقابة الغذائية على أنه يتعين على المؤسسة والمنشآت التي تتعامل مع المادة الغذائية ضمان اللياقة الصحية المهنية وفقاً للقواعد التي تحددها اللائحة التنفيذية الصادرة في هذا الشأن .