إذا استعدنا أجواء اتفاق 2008م لتأجيل الانتخابات وما بعد فإنه يمكن القول بأن النظام أو المؤتمر كان على استعداد للسير في شراكة مع الاشتراكي أو المشترك ولكنه لم يكن على استعداد لتقديم التنازلات التي قدمها من خلال محطة 2011م كشراكة على الأقل بتسليم رئاسة الحكومة و 50% من الحقائب للمعارضة... ما رفعته المحطة في سقف التنازلات يمثل نسبة الاضطرار من وضع هذه المحطة أو الأزمة، وربما كان الأفضل للمؤتمر أو النظام رفع سقف التنازلات اختيارياً ووعياً أو حتى السير في مشروع الحل السياسي الذي أوصلت إليه أزمة 2011م. المعارضات العربية لم تكن تأمل أو حتى تحلم بهذا المستوى من خروج الشارع في محطة 2011م وبالتالي فهذه المحطة كانت بمثابة تحقيق أحلام معارضات، وأصبح خروج نضع آلاف أو عشرة ألف سقف مطالبة الرحيل فإذا المعارضة في اليمن شاركت في الحكم وعرض عليها المشاركة بعد 2008م فذلك يجعلها تحس أنها الأحق لتقصي الحاكم ولتحكم بالمباشرة ومن ثم فهي الطرف الذي له حق واستحقاق تنظم وإدارة الانتخابات وهي في اليمن لا تحتاج لأن تصل للحكم عبر صندوق الانتخابات كما تونس ومصر. إذا في الحل السلمي مستوى أو نسبة من الاضطرار بالنسبة للنظام أو المؤتمر فرضته محطة 2011م فالحل السلمي بمجمله هو بمثابة اضطرار بمجمله من طرف المشترك. إذاً ومن كينونة 2008م إلى صيرورة 2011م فالمؤتمر يرى أن ما قدمه من تنازلات كثيرة وكبيرة إنما لسرعة الخروج من الأزمة وسرعة إنهاء الأزمة، وحقيقة فالمؤتمر كطرف كان يستطيع رفض إجراء الانتخابات حتى يلتزم واقعيا بتنفيذ التزامات ما قبله خاصة ما يتصل بإزالة المظاهر المسلحة وإنهاء مظاهر التوتر، ولكن علي عبدالله صالح شخصياً كان يستعجل الرحيل من خلال البديل ولو من مثل هذا الوضع وبغض النظر عن تجاوزات أو عدم الوفاء بالتزامات. محطة 2011م جعلته يحس بالندم لاضطراره التراجع عن قرار عدم ترشيح نفسه في انتخابات 2006م ولذلك فهو يفضل الرحيل على أساس البديل التوافقي دون اكتراث بأي أخطاء للأطراف المناوئة في الصراع. الذي جرى في تونس هو حل سلمي محوره قرار الحاكم بن علي الهروب وسلمية راسخة في واقع تونس والذي جرى في مصر هو حل سلمي محوريته دور القوات المسلحة كطرف ثالث ومستقل وهي من ينحي الحاكم مبارك ويتموضع كبديل للفترة الانتقالية، والحسم الثوري لم يتحقق في حالتي تونس ومصر. المعارضة في اليمن رفعت شعار الحسم الثوري وبإصرار وتشدد إلى حد التطرف ولكن على أساس أن الحسم الثوري مضمون من الأرضية الخارجية للمحطة وبغض النظر عن معيار الشعبية واقعياً، فيما المحطة الخارجية ضغطت بقوة للرحيل الفوري من ثقة في الحسم الثوري من الداخل وقدرة المعارضة في موازاة ذلك على تصعيد شعبيته. الواقع في اليمن صراعياً وشعبياً كان يتطلب حلاً سياسياً ولكن غير حالة تونس في الهروب، والمشترك استنزف كل جهوده ونشاطه في التواصل مع الخارج لدعم وإسناد الحسم الثوري، وكان المفترض – على الأقل- ربط الحسم الثوري كطرح بحل سياسي أو ترتيبات سياسية للحل. لو أنه فكر كذلك واستثمر جهوده واتصالات مع الخارج لذلك لكان أمسك بزمام المبادرة واستبق لترتيبات حل سياسي له أن يسميه حسما ثوريا أو نحوه. الحاكم أو الرئيس مبارك تخلف أو تأخر عن ترتيبات أطراف أخرى للحل السياسي بما في ذلك قواته المسلحة وهو قائدها الأعلى ولذلك فالقوات المسلحة كانت سبقت إعلان الرحيل بإعلان الترحيل وبات الأفضل أن يلحق إعلان الرحيل. المعارضة المشترك في اليمن لم تتأخر أو تتحلف في التعامل مع الحل السياسي بل ظلت رافضة إلى درجة عدم التفكير، وبالتالي فهي تركت للنظام أن يمسك زمام المبادرة بشكل كلي وكامل وفي ظل تغير الشعبية واقعياً لصالح النظام بوضوح لافت فذلك يعزز قبول حل يطرحه أي طرف يرتكز على قاعدة الرحيل والبديل الديمقراطي التوافقي. المشترك منذ بدأ إن وقعت المبادرة في الخارج حضور الرئيس شخصيا للتوقيع وإن تمت في الداخل عدم حضور المشترك إلى دار الرئاسة فمن مفاجأة صدمته بأن يصبح الحل السياسي هو المخرج الاضطراري حتى للخارج الذي اعتمد عليه ليحقق له الحسم الثوري. فالمشترك حاول ملاحقة الحل السياسي تفعيل من طرفه بطريقة مبارك مصرحين عيِّن عمر سليمان نائباً له. حيث المشترك لم يتكتل أو يتماهى إلا لهدف واحد ووحيد وهو إقصاء علي عبدالله صالح فحتى حين يلاحق الحل السياسي أو يلحق به والمشترك بقدر ما ظل يظن أو يؤمن أنه يحاصر هذه المحورية فهو لم يدرك أو يعي أنه بات يحاصر نفسه فيها إلى درجة أنها باتت تحاصره. فبتلقائية تموضع ووقع المحطة فالمؤتمر يدخل الوفاق بخيار التهدئة والمهادنة بأعلى مستطاع وبهدف الخروج من الأزمة وإنهائها كأزمة، فيما المشترك يدخل الوفاق بخيار المناكفة والمداهنة وبهدف بقاء وإبقاء الأزمة ليظل يحاصر محورية وهو يحاصر ذاته فيها. منذ توقيع المبادرة وتشكيل حكومة فإننا كنا نحتاج لأن نتفاءل بأكثر من بواعث التفاؤل في الواقع أو التوقعات، وكنا نجد في تصريحات ومقابلات ممثل الأممالمتحدة جمال بن عمر ما يعزز هذا التفاؤلات ويعطيها وقع أو إقناع الواقعية. مع الاقتراب من إنهاء ربع الفترة الانتقالية كوفاق فالتفاؤل يصبح من قياس ما أنجز وما لم ينجز كقضايا سياسية وأساسية للواقع وفي الواقع. فإذا هذا الوفاق أعجز عن إنجاز أي قضايا، أهم سياسياً وواقعياً غير تلقائية تشكيل حكومة وفاق وانتخاب رئيس توافقي فمن أين أو كيف لنا أن نتفاءل؟ إذا المشترك مع بقاء الخيام في وسط شوارع وحارات من العاصمة ومع بقاء الانشقاق العسكري حتى انتهاء الفترة الانتقالية فذلك يعني إبقاء واقع ووقع الأزمة وكل ما يجري هو أي قدر من تخفيف التأزم لحاجية وجود وفاق في الظاهر أو للظاهر. حين التأمل في سير ومسار الوفاق وحكومته حتى الآن فلنا استرجاع موقف رفض الرئيس السابق علي عبدالله صالح التوقيع إلا بشرط التزمين والآلية المزمنة وحقيقة توقيع المشترك على الاتفاق بتلك الصورة أو النسخة. هذه الأحداث تؤكد أن علي عبدالله صالح اشترط لأنه يريد الحل وهو جاء وصادق مع الحل ولو كان مع الصراع وتفجير الأوضاع فكان كل ما عليه التوقيع على تلك الصيغة لنكن الآن في ذروة عنف وعنفوان الصراع المدمر والأوسع. أذكر أنه بعد مجيء الرئيس السابق علي عبدالله صالح وفي وضع حروب وصراعات شطرية عين الأستاذ محمد سالم باسندوه وزيراً للإعلام فهو لم ينجح في الخطاب الإعلامي كما يعرف الاشتراكي ولا في إدارة أو قيادة الإعلام بمعيار الممكن في ذلك الزمن. باسندوه الذي تعامل مع المواقع والمناصب في ظل الاستعمار البريطاني قبل أكثر من نصف قرن وكان وزيراً للإعلام بعد مجيء الرئيس السابق صالح 1979م كما اعتقد يصبح الثوري في محطة 2011م بل ورئيس المجلس الوطني الثوري. إذا محطة 2011م هي ثورات شباب كما يطرح فأين الشاب باسندوه من ثوار ضد الاستعمار البريطاني؟ هاهوباسندوه بقدر ما يحس الإصفاق للوفاق أو حكومة الوفاق التي يرأسها ليستعيد تموضعه لرئيس للمجلس الوطني للثورة ويمارس الخطاب الثوري هجاء وهجوما على الرئيس الذي ترجل اختياريا ورحل!. إذا أميركا كما يطرح وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي تحتاج لعداء أو أعداء وإن ضعاف يتم تضخيمهم حتى يظل الحافز للتطور في المجتمع الأميركي. من استفزاء العداء والأعداء- إذا أميركا كذلك- فالعداء والإعداء حاجية حياة للمشترك وأطرافه وأثقاله الأهم. وحيث لم يعد لهؤلاء من عداء أو أعداء من الرجعية أو الامبريالية أو حتى إسرائيل أو الصهيونية والربيع هو ربيع الإخوان العرب في التحام وملحمة جديدة مع أميركا والغرب فإنه لا يستغنى عن العداء لعلي عبدالله صالح وهو رئيس أو بعد أن يرحل. لا يمكن للمشترك أن يمارس العداء تجاه عبد ربه منصور هادي ثم يتحمس لانتخابه كرئيس توافقي ولا أن ينتخبه ليعاديه، وفي تلقائية تهدئة ومهادنة مع الرئيس عبد ربه منصور هادي فالمشترك لا غنى له عن عداء وعدو وليس أنسب من الرئيس السابق الذي كان المحورية ليظل حتى بعد رحيله. ولهذا فعلي عبدالله صالح حتى لو لم يعد يؤدي عملا كرئيس للمؤتمر فالمفترض أن يظل رئيس المؤتمر ليظل يسحب خطاب العداء والاستعداء من قبل المشترك كتخفيف على الرئيس عبد ربه منصور هادي. في مسألة الحاجية للعداء والعدو فإن من يدرك حيويتها كحاجية للمشاركة قد يتفهمه أو يشفق عليه، فإذا أميركا خرجت من العداء للسوفيت إلى العداء لإيران أو للإرهاب والقاعدة فالذي يستغني عن العداء للرجعية والامبريالية من أيديولوجيا أممية وقومية وأسلمة لم يعد له من بديل عداء إلا الداخل وفي الداخل. الديمقراطية بدون مهاجمة علي عبدالله صالح الحاكم أو بعد الرحيل لا نكهة لها ولا مذاق فدعوا باسندوه بعد الرحيل كثوري يجرب النكهة ويتلذذ بالمذاق ويعيش الكيف والأريحية ديمقراطياً.