ما إن أطل العيد الكبير- عيد الأضحى المبارك- إلا وارتفعت معه أسعار القات وبشكل أرهق ميزانية الأسرة خصوصاً وقد استلم كل الموظفين رواتبهم لشهر اكتوبر قبل العيد، مما يعني ان الجميع خاصة متعاطي القات قد أفنوا دخلهم الشهري حتى آخره، وبما ان شهر نوفمبر لا يزال في مطلعه فما على الأسر سوى تقبل العصيد مع مرق ماجي كوجبة رئيسية على الغداء حتى نهاية الشهر، وفي ذلك ظلم كبير من رب الأسرة يلحقه بحق من يعول، كونه قد سخَّر جُل راتبه لشراء القات على حساب قوت أولاده، ناهيك عن متطلبات دراستهم لا سيما ونحن في بداية العام الدراسي الجديد 2012- 2013م الأمر الذي يستوجب من الجهات ذات العلاقة في الدولة إعادة النظر في السياسات المتخذة للحد من تعاطي القات، هذه النبتة الساحرة التي أكلت الأخضر واليابس وتكاد تقضي على مستقبل الوطن وتقدمه وازدهاره. فطالما أضحت بلادنا موقعة على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان كالحد من عمالة الأطفال ومحو الأمية وحث الإناث على التعليم وعدم استغلال المرأة والرعاية الصحية للطفل والمرأة وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع اليمني فقد كان بإمكان الحكومات المتعاقبة منذ حكومة باجمال وحتى حكومة الوفاق الوطني ان توجد لتلك القضايا الحلول والمعالجات لو انها عملت بالنتائج والتوصيات التي خرجت بها مسودة الإستراتيجية الوطنية والبرنامج الاستثماري لقطاع المياه التي كانت قد أعدتها وزارة المياه والبيئة آنذاك والتي من أهمها ضرورة السماح للقطاع الخاص باستيراد القات من دول الجوار (اثيوبيا، الصومال، كينيا، جبوتي) وزراعته هناك ومن ثم بيعه في أسواقنا المحلية كونها الطريقة المثلى لكسر احتكاره ووضع حد لمعاناة آلاف الأطفال والنساء ممن يعملون بدون أجر في مزارع القات خصوصا وقد وجد المزارع ضالته في هذه الشريحة من البشر وقام بتسخيرها لخدمة ورعاية الشجرة الخبيثة منذ غرسها وحتى قطافها دون أي تكلفة، فعلى عاتقهم يقع السقي وإزالة الشوائب التي تعيق الشجرة طوال العام والقيام برشها بالمبيدات دون استخدام الواقيات التي تحمي أجسامهم من الملامسة المباشرة للمبيد مما يعرضهم لأمراض فتاكة كالسرطان والطفوحات الخطيرة والحساسية المزمنة والربو والعمى وموت الأجنة أو تشوهها دون اكتراث رب الأسرة الذي هو غالباً مالك المزرعة، بل لقد شجع ارتفاع الدخل من عائدات القات التي تقدر بحوالي 250 مليون ريال سنوياً لإجمالي المساحات المزروعة المقدرة بنحو 160 الف هكتار تملكها أكثر من 100 الف أسرة، على تعدد الزوجات لإنجاب المزيد من الأطفال واستغلالهم للعمل في مزارع القات وحرمانهم من حقهم في التمتع بسنوات الطفولة والتعليم والتطلع نحو مستقبل أفضل. من هنا كان ينبغي على الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني ان تركب موجة ما يسمى ب"الربيع العربي" وتظل أسيرة المطالب السياسية وان تخرج من تلك البوتقة وهو ما سيسفر عنه مؤتمر الحوار الوطني الذي تأجل موعد انعقاده شهراً كاملاً حتى نهاية ديسمبر المقبل حسب تأكيد الأخ صلاح مصلح عضو اللجنة الفنية للحوار، ناهيك عن رفع قوام أعضاء اللجنة الفنية الذي أخل بتوازنها السياسي، وعدم تأكيد مشاركة ممثلين عن الحراك الجنوبي في المؤتمر وعدم تحديد مكان انعقاد المؤتمر أو الإفصاح عن ميزانيته التي قد يسال لها اللعاب- حسب بعض التسريبات - وغيرها من المنغصات التي قد تنذر بإرباك المؤتمر وتستدعي الابتعاد قليلاً عن تلك الهموم والاتجاه نحو التطرق للمشاكل التي يعاني منها المجتمع وأهمها القات.. هذه الشجرة اللعينة التي بات الشباب يقبل على مضغها بشكل مفجع في جميع المحافظات، الأمر الذي يتطلب منا كصحافة ووسائل إعلام تسليط الأضواء على المضاعفات الخطيرة التي تحدثها هذه الشجرة في أوساط المجتمع وتستدعي سرعة الضغط على حكومة الوفاق الوطني كي تسارع لفتح المجال لاستيراد القات من دول الجوار، أما لماذا؟ فلكي نحد أولاً من استنزاف المياه التي تسخر لسقي أشجار القات، إذ يستهلك الهكتار الواحد حوالي 3672 متر مكعب من المياه في العام، كما تفيد وحدة الابحاث في الهيئة العامة للبحوث والإرشاد الزراعي، بالإضافة إلى ان فتح المجال للمنافسة بالقات المستورد من أثيوبيا أو كينيا العالي الجودة والأقل تكلفة سيجبر المزارع مع الوقت لأن يعدل عن زراعته وهو ما تسعى إليه الحكومة منذ سنوات والأهم من هذا وذاك ان الفرصة ستكون اكبر لأن يتجه الأبناء صباح كل يوم صوب المدارس للتعلم بدلا من التوجه لمزارع القات، اما من الناحية الاقتصادية وتحجج البعض من التسبب في البطالة وإهدار للعملة الصعبة فالعكس هو الصحيح، إذ ان استيراد القات من الخارج سيحسن الدخل الضريبي للقات من المنافذ البحرية والجوية وسيخلق تجار جملة وتجزئة ومفاوتين وأجور نقل وغيره ولن يتغير شيء سوى اننا سننجح في ابعاد المرأة والطفل من تلك الأجواء القاسية التي تدور في فلك القات وزراعته وسنحد من التسرب الدراسي في التعليم العام وستبور تجارة الاسمدة والمبيدات التي يرش بها هذه النبتة كما ان استيراد القات من الخارج سيوفر المياه ونسبة كبيرة من الديزل المدعوم وقطع غيار المضخات كما سيحد من حفر وتعميق الآبار الارتوازية وسيقلل القات المستورد الذي ينمو بشكل طبيعي من الأمراض التي تستدعي السفر للعلاج في الخارج وهدر مئات الآلاف من الدولارات سنويا واذا كانت أمانة العاصمة ومحافظة صنعاء موبوءتان بزراعة القات الذي يستنزف كمية كبيرة من المياه الشحيحة التي تكاد تنضب من حوض صنعاء فالمؤمل من أمين العاصمة الأستاذ عبدالقادر هلال ومحافظ صنعاء الأستاذ عبدالغني حفظ الله جميل إحياء تلك الإستراتيجية كخطوة أولى للقضاء على الشجرة اللعينة.