بعد انتهاء الحرب الباردة فالقوة الأعظم كأنما سارت في خيار التدخل المباشر كما غزو أفغانستان والعراق بالشرعية الدولية وخارجها، ويبدو أن خيارات التدخل المباشر كانت عالية الكلفة ومن عوامل استمرار تدهور الاقتصاد الأميركي. أميركا حافظت على التدخل غير المباشر والحروب عبر الوكلاء بشيء مما عرف في الحرب الباردة تحت وضع "توازن الرعب" لأسلحة الدمار الشامل. وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون اعترفت في مؤتمر صحفي بأن أميركا لا تستطيع أن تقف ضد مصالحها في حالة البحرين مقارنة بسوريا، وهي تظل تمارس التوافق بين مصالحها والوقوف مع الديمقراطية. من جانب آخر فأزمة 2011م هي تحت سقف الخيارات غير المباشرة بالنسبة لأميركا، وذلك يعني أن أميركا تحتاج إلى وكلاء لحروب في الداخل أو لحروب بالوكالة في إطار المنطقة بصراعاتها أو اصطفافها المواقفي "مع أو ضد أميركا". حاجية أميركا لوكلاء حروب أو لحروب بالوكالة يمثل تكبيلاً آخر لإطلاقها للديمقراطية أو للدعم المفتوح للديمقراطية خلال أزمة 2011م. فالأنظمة التي أعطت الغطاء العربي من خلال الجامعة العربية لتدخل النيتو في ليبيا لا تنتمي لديمقراطية ولا تسمح بحريات ولا تراعي حقوق إنسان، فيما الغطاء هو مطالبة لآخرين بتفعيل وممارسة ومراعاة ذلك. هذا وجه من مفهوم الحروب بالوكالة وما يتطلبه من تنازلات في كل محطة، والقائم في المنطقة هو أن إسرائيل منذ 2010م تحاول جر أو استدراج أميركا لحرب مع إيران، وتركيا منذ 2011م حاولت وتحاول جر أميركا والغرب لتدخل في سوريا. أميركا بعد انتخاب "أوباما" لفترة رئاسية ثانية تريد الابتعاد ما أمكن عن خيار الحرب مع إيران والتشديد والتشدد في الخيارات الأخرى، وهي تسعى لأن تلزم إسرائيل بحقيقة أن خيار الحرب مع إيران هو قرار أميركي، لأنه إن سارت إسرائيل في تهور وإن بشكل انفرادي فأميركا تصبح شريكة لا محالة في هذه الحرب، لأن أمن إسرائيل هو قضية أميركية في الأساس. أميركا قد تكون بالمقابل مع إقحام تركيا "أوردغان" لحرب مباشرة مع سوريا ضمن الحروب بالوكالة وبتقدير أنه سيوفر لها قدرات وعوامل حسم من الغرب، وأنها حرب يستطاع السيطرة على سقفها ومحدوديتها في إطار التموضع الأقليمي والإيراني تحديدا وبحيث لن تتسع أو يسمح بتوسعها. أميركا ليس اعتراضها كما تطرح على استعمال وتسليح الإرهابيين للقتال في سوريا ولا الخوف من تنامي الإرهاب، ولكن الاعتراض هو على كون هذه الوسيلة غير حاسمة وآلت أكثر إلى الإخفاق وفي ذات الوقت فذلك ما أعاد النظام ورأسه بشار الأسد إلى شعبية عالية ووضع شعبي. تركيا ستكون بين المحطات الأهم لزيارات أو رحلات الرئيس الأميركي "أوباما" بعد انتخابه.. والحكومة التركية إما مطالبة بدور حسم في واقع سوريا وإن من خلال حرب مع النظام السوري ومن السهل افتعال الأسباب إن وصل إلى إرادة تركيا مع استعداد غربي لأعلى دعم ولكن بشكل غير مباشر، أو هي- أي الحكومة التركية- مطالبة بعمل وتفعيل في واقع سوريا بما يحسن تموضع أميركا والمعارضة في معادلة حل سياسي بين التوقعات بتفاهم أميركي روسي في الأساس. فبقدر ما يحقق أفضل تموضع للمعارضة في تطبيق الحل السياسي فذلك يمثل إضعافا لحزب الله وجزء من الحرب ضد إيران، وذلك ما سيصعد من وضع سوريا الجديد افتراضا.. ففي ظل الموقف الروسي الصيني والتموضع الإيراني عالي الحساسية صراعياً فإن أميركا والغرب يفضلان رمي الكرة إلى ملعب الحكومة التركية، على أن يصبح دور أميركا والغرب هو الحفاظ على السلم العالمي والإقليمي في ضغط ممكن وناجح يمنع إيران من الدخول المباشر في حرب بين جارين (سورياوتركيا). هيلاري كلينتون كررت خلال وبعد مداولات مجلس الأمن تصريحات أن أميركا ستتعامل مع الحالة السورية خارج مجلس الأمن، وما حدث في واقع سوريا هو هذا التعامل الأميركي أيا كانت شراكة ومشاركة أطرافه، وأميركا والغرب يحتاجان إلى سقف أقل من التدخل في الحالة الليبية لينجحا إما في إسقاط النظام بحرب خاطفة أو ضربة قاضية- وربما بات ذلك الأصعب أو المستبعد- أو يحتاجان إلى خلق تغيير ومتغيرات في واقع الصراع ومعطياته في واقع سوريا بعد فشل السيطرة على حلب ليفرض من خلال أي حل سياسي متوقع تموضع للقوى الموالية للغرب، له قدرة تأثير إزاء ما يتصل بلبنان وحزب الله أو إيران، ويكون التوغل من خلال ذلك جزءاً من الصراع والحروب غير المباشرة مع إيران. ليس من أحد يحس ولا يمكن لأحد أن يقتنع أن النظام السوري أو إيران تمارس حرباً بالوكالة مع أي طرف في الوضع والتموضع العالي كما تركيا أوردغان، ولذلك فالنظامان السوري والإيراني ومعهما حزب الله يؤكدون وبإلحاح في الخطاب السياسي الإعلامي عدم قبول الاستفراد بطرف ثم ما يليه ثم الذي يليه، وبالتالي فتوسيع الحرب ضد سوريا حتى من خلال تركيا قد يفجر الأوضاع ويوسع الحرب فوق القراءات والتقديرات الأميركية الغربية. هل مثل ذلك يتوافق مع هوى نتنياهو وإسرائيل التي تسعى لحرب على ومع إيران بأميركا، ولا يعنيها تبعات ذلك على اقتصاد أميركا المتدهور وأزمات الاقتصاد الأوربي والعالمي؟!!.. الحاكم الأساس للعبة وتصعيد الصراعات هو "أوباما" خلال أدائه فترة رئاسته الثانية، ووضع الواقع الأميركي اقتصادياً وشعبياً يعطي المصداقية لما طرحه بعد انتخابه بعدم الحاجة لتدخلات عسكرية أميركية مباشرة والحاجة إلى تخفيف الصراعات التي تجر أو تدفع لذلك. واقع الأزمة والصراع في سوريا وتهديد نتنياهو بضرب البرنامج النووي الإيراني مرتبط ومتشابك من خلال من يلعب به ومن يمارس ألعاباً بالوكالة.. فهل مثل ذلك سيدفع "أوباما" إلى ما لا يريده افتراضاً، أم أن ذلك ما يريده وما استعمل ظاهرياً هو لتكتيك تمويه أو مفاجأة؟!!!.