قبل الوحدة ظلت مظلة السوفيت تحمي الصراعات على الحكم في عدن من أي تدخل أو مؤثر خارجي بما فيها الشطري، وبالتالي فمؤثر أو صراعات الخارج كانت تحمي صراعات الداخل ما دامت تجرى تحت سقف وخيار الشيوعية، ولهذا فالصراعات على الحكم في عدن ظلت داخلية بحتة، ليس على مستوى البلد كجزء من اليمن ولكن على مستوى طرف وحزب سياسي هو "الاشتراكي". الانقلاب في صنعاء على السلال جاء من تطورات الصراعات الخارجية، كما أن تصفية الرئيسين الحمدي والغشمي في عام واحد قد مثلت انتقاماً متبادلاً بين الصراع الخارجي والشطري، ولذلك فالانقلاب "الأبيض" للحمدي هو الذي تغلب فيه تفاعلات وإرادة الداخل أكثر من الخارج. ما دام النظام في صنعاء رفض خيار الشيوعية للوحدة فهو غير وحدوي ويرفض الوحدة، ولذلك استعملت الوحدة لاقصائه والانقلاب عليه، وبعد تحقق الوحدة بات الانقلاب على الوحدة هو انقلاب على النظام أو الوسيلة الكفيلة بإقصائه. لكل حاكم ولكل نظام بالتأكيد أخطاء، ولكن الصراع على الحكم ظل قبل وبعد وفوق أي أخطاء، وبالتالي فالتبرير في ولثقافة إقصاء الآخر هو سياق فلسفي نظري وتنظيري، كما طرح اليسار الطفولي واليمين الطفيلي، أو اصلاح أحوال أمة بما أصلح أولها، فقط إذا مثل هذه السياقات فقدت تأثيرها في ظل التطورات تستدعي سياقات تناسب هذه التطورات كديكتاتورية النظام أو عدم ديمقراطيته أو ربطه بالنظام العراقي أو بالإرهاب، وكل ما يسهل اقصاء النظام والوصول إلى حكم ولو بتمزيق اليمن ووحدته. المحورية التي تعنى بها الديمقراطية في إطار ما يعرف التبادل السلمي للسلطة، هي إلغاء حالة وواقع الصراع الانقلابي الاقصائي على الحكم والاستغناء أو التخلي عن ثقافة هذا الصراع، ولكن المعارضة لا تفهم في إجمال أو جمال الديمقراطية غير إقصاء النظام ووصولها للحكم لتصبح النظام. فالنظام يلعب في الواقع بمؤثراته الديمقراطية والمعارضة بتثويرها الديمقراطي، حتى الوصول إلى مأزق تأجيل الانتخابات بطلب وضغط المعارضة "المشترك" وابتهال وتزكية النظام. النظام في صنعاء الذي لم يكن تحت حماية مظلة سوفيتية أو أميركية في الحرب الباردة، عكف بشكل أساسي على معالجة مشكلة الانقلابات بكل أساليب العمل والاحتواء السياسي ومن خلال عمل المؤسسة العسكرية والتعامل معها، وهو بالتالي ترك الصراعات الأخرى تحت هذا السقف لتعبر عن نفسها بما يمثله ذلك من استنزاف لمخزونها من الصراع من ناحية والاعتماد على الأساليب غير المباشرة لحلحلتها أو تخفيفها، كون التوسع في المباشرة في تلك الطرف يستنزف النظام وينهكه وقد يهزمه. هذه المسارات التي اختارها النظام أو اضطر لها قبل الوحدة كانت الأنسب للتعامل مع واقع ما بعد الوحدة كديمقراطية وكصراعات متعددة، فالنظام في العقد الأول للوحدة تعامل مع الأشكال المباشرة الداخلية والخارجية للانقلاب على النظام والوحدة، ولم يكن يهمه أن يقال عن تبعيته لنظام عراقي أو علاقته بالإرهاب، فأميركا لم تحم النظام في ظل الحرب الباردة لا من إرهاب آخرين ولا من الإرهاب الذي كان يترعرع في المنطقة امتداداً لليمن، وهي من يرعاه.. فالنظام في اليمن أولويته الخوف على الوحدة وليس الخوف من أميركا، وهو معني بالحفاظ على النظام في اليمن أولاً ومن خلال ذلك يستطيع الشراكة في الحرب ضد الإرهاب. لولا الشيوعية "الإلحاد" في افغانستان ما كان مؤثر أكانت امريكا أو غيرها يستطيع دفع الاسلاميين لحروب الجهاد في ذلك البلد، وإذاً فالشيوعية هي التي استدعت الإرهاب في اليمن وتتحمل المسؤولية، والأطراف التي قررت محاربة الشيوعية بالاسلاميين في افغانستان عبر المنطقة هي الشريك الآخر في نماء وتنمية الإرهاب في اليمن، فيما النظام ظلت أولويته حماية النظام من الانقلاب عليه من التطرف الشيوعي أو الأصولي، فإذا هو مارس الاحتواء واحتضن الشيوعيين تحت مظلة المؤتمر الشعبي، فهل ذلك يدينه انه من جاء بالشيوعية واحتضنها في اليمن؟. من الجائز ان يكون الرئيس "الحمدي" نسق مع عدن "الاشتراكي" قبل انقلابه ووصوله للحكم، ومن الجائز ان الرياض كانت مع البديل "الغشمي" قبل تصفية الحمدي، ولكن عدن اكتفت بارسال الحقيبة الناسفة والرسول الانتحاري دون ان تنسق وبالطبع الرياض للبديل. مقتل رئيسين في عام واحد هو الذي مهد الطريق لعلي عبدالله صالح للوصول للرئاسة، فهو لم ينقلب على "الغشمي"، ولم يكن حتى بين الأثقال المتوقع وصولها للرئاسة، وإحجام الآخرين وعزوفهم عن المنصب هو الذي أوصل صالح عبر "البرلمان". ولهذا فالرياضوعدن توافقا صراعياً في اختيار صالح بدون وعي رئيسا ومن ثم زعيماً للوحدة، والرياض والاشتراكي حاولا الانقلاب عليه وعلى الوحدة بعد تحقق الوحدة كامتداد للصراعات وتوافق عمدي وكامل الوعي صراعياً. لنا التأمل في كيفية استعمال الصراع المرحل منذ حرب 1934م واتفاق الطائف بشأن الحدود مع السعودية حتى تحقق الوحدة 1990م وكيف استعمل بعد ذلك، ففي المرحلة الأولى كان النظام في صنعاء هو العميل الرجعي الامبريالي، وفي الثانية بات الاشتراكي الذي كان يدين بالتخوين والعمالة للرجعية والامبريالية هو الرجعي والامبريالي، والنظام في صنعاء تابع للنظام العراقي وللارهاب. إذا المسألة باتت آخر تقييم وربما تقديم للبيض كما قال في فضائية (B.B.C) بأن اليمن لا ينفع فيها ديمقراطية ولا تعددية وحزبية ولا تبادل سلمي للسلطة، فما هو الذي ينفع؟. وإذا المسألة كما في حملات المشترك قرابة خمس سنوات عن انهيار نظام وانتهاء صلاحيته، فهل كان الحل هو في الحوار مع النظام موديل 2009م ثم 2010م؟. حين خروج الاستعمار من عدن والحصول على الاستقلال التقت قيادات الجبهة القومية مندوباً أو طرفاً من السوفيت، وكان الحل في خيار الشيوعي للاشتراكي والواقع. وحين جلست قيادات من الاشتراكي مع اطراف من المنطقة بعد تحقق الوحدة، وصلت إلى كون الحل هو اقصاء النظام وتمزيق الوحدة. أي حل لا يقصي النظام وتحت سقف الوحدة فالمعارضة ان قبلت به مضطرة، وصعب عليها اقناع الشراكة في تطرف تعبوي وتطرف لعبوي في أوساط قيادات الداخل ووسائط الاقامة في الخارج كمعارضة. استمرار المعارضة بأخطاء الوعي تحت سقف الاضطرارات لم يعد ينسف المعارضة في واقعيتها فقط ولكن في واقعها كمعارضة من منظور واعٍ ومنظور وعي أبعد من الآني إلى المتوسط والبعيد، وبالتالي هذا الوضع للوعي بات يموضع المعارضة خارج العقلية والأهلية المفترضة بالحد الأدنى، وبات ضرره عليها يزداد تأثيره مع التطورات، فيما ضرره على النظام شكليا كيفما تشكل أو أعيد تشكيله. حوار 2010م ليس مغلقاً بين النظام والمشترك كما 2009م، والمشترك معني بالوعي والواقعية التي هي لصالحه كطرف أو ثقل سياسي قبل ان يكون من أجل النظام، وإذا سار في تفكير واع وواقعي من هذا القبيل فستكون المصالح العليا للوطن، وغيرها من المرادفات المعتادة أغطية بأية نسبة يتجسد منها أو أغطية مناسبة.