ما يلوح في الأفق السياسي الداخلي من مؤشرات إيجابية باتجاه الحوار بين الأحزاب مصدره إدراك الكل أن مصلحة الجميع في مغادرة حالة التنافر وتحويل الاختلافات إلى خصومات والتقاطع إلى قطيعة بنيت على حسابات خارج سياقات الحرص على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره ونهجه الديمقراطي مع ذلك هذا غير كافي وينبغي أن تصبح هذه المؤشرات واقعاً عملياً بالانتقال إلى الحوار الذي باتت أولوياته وقضاياه معروفة والنقاش حولها لا يحتاج إلى وقت طويل، إذا ما توافرت النية والإرادة في مناقشتها بجدية ومصداقية وشفافية تغلب في معالجتها وإيجاد الحلول لها المصلحة الوطنية ثم الأطراف المتحاورة وهذا بطبيعة الحال يفترض تنازلات متبادلة للالتقاء عند قواسم مشتركة تعزز الثقة وتؤسس لتوجه جديد يرتكز على الوعي، ويجب أن يكون هناك خط فاصل محدد للمدى الذي تجري فيه الممارسة السياسية في إطار المصالح الحزبية المشروعة بكل تأكيد والمدى الذي تعمل كل الأطراف فيه من أجل المصالح الوطنية، مكتسبة الأحزاب بذلك قدرة تجسيد وظيفتها في ظل النظام الديمقراطي التعددي. نحن بانتظار اكتمال الملامح وظهور الصورة التي سيأخذها المشهد السياسي وحتى تبلوره في المسار الصحيح بجلوس الجميع على طاولة الحوار لا نملك إلا أن نتفاءل ونعمل كسياسيين وإعلاميين ومنظمات مجتمع مدني وعلماء وشخصيات اجتماعية واعتبارية على دعم هذا التوجه والدفع به لتتسارع حركته صوب الحوار والبدء فيه من القضايا التي لا تحتمل شداً وجدلاً لأن الوقت لا يسمح بهذا وأعني هنا موضوع الاستحقاق الانتخابي النيابي، فلم يبق الكثير على إجرائه في موعده ..لذلك لا بد من تحديد القضايا التي يفترض أن يتم التحاور عليها فيما يخص الجوانب المتعلقة بإجراء انتخابات تنافسية حرة ونزيهة وشفافة وعلى نحو يضمن إجراءها في 27 إبريل 2011م، أما القضايا التي تتطلب عملية الحوار حولها فترة أطول ستكون مطروحة للنقاش والتحاور حولها بعد إنجاز هذا الاستحقاق، فالحوار ليس مرتبطاً بالانتخابات والتعاطي معه على هذا الأساس يعني اختزال كل قضايا الوطن في موضوع الانتخابات وهذه رؤية غير صحيحة وضيقة أفقاً والصحيح أن حصر الحوار في هذا الجانب ينم عن قصور في استيعاب مفهوم الحوار وتسطيح للديمقراطية وأية محاولة جديدة لتأجيل الانتخابات البرلمانية سوف تكون تراجعاً ديمقراطياً وخطيئة ترتكبها القوى السياسية والمعارضة قبل السلطة وسوف تلحق بها أضراراً لأن الديمقراطية قضية إستراتيجية بالنسبة لها وليست تكتيكية الغاية منها الوصول إلى السلطة.. ولا يهم إن كان ذلك على حساب مبدأ التداول السلمي للسلطة وتعبير الشعب عن إرادته عبر صناديق الاقتراع .. فلا يوجد تلازم بين إجراء الانتخابات في موعدها كاستحقاق ديمقراطي ودستوري وليواصل الحوار مساره فقضاياه لا تقتصر على الديمقراطية أو الانتخابات بل تشمل كافة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية وهي لا تتحدد بزمن معين في إطار ما هو راهن ولكن أيضاً بما هو مستقبلي.