النقاشات والحوارات والتحاور والخلاف هو حالة قائمة في حياتنا اليومية في الأسرة والقرية وفي مواقع العمل، وكل قضية لا تكون قضية إلا من الخلافات حتى حين خلاف فردين في أسرة أو خلاف أسرتين. من حق كل طرف في أصغر قضية في وطن ومجتمع إلى أكبر قضية تهم الوطن والمجتمع، أن يدخل أي حوار أو نقاش بثقة امتلاكه الحق المقنع، وكل حقائق الإقناع ولكن مع استعداد مفترض للاقتناع بما يثبته الآخر كحق له أو حقائق في صفه. إذا طرف لديه الحق المقنع وحقائق أو استحقاقات تقنع كما لديه استعداد للاقتناع بأي حق للآخر وبحقائقه، فيما تطرف وتشدد الطرف الآخر بات فوق استحقاقات الواقع والشرائع والمعايير المعروفة والمتعارف عليها على مستوى مجتمع محلي أو دولي، فهذا الطرف لا بد أن يقف حائراً حتى لو لم يكن خائفاً . الرئيس الأميركي أوباما قال "إن على الرئيس احترام التزاماته بتسليم السلطة"، ولا حرج في نقل هذا التصريح أو إعادة طرحه للتناول لأي بعد من أبعاده. شيء طيب حديث "أوباما" عن التزامات للرئيس وليس عن الشرعية الثورية التي انتقلت أميركياً من الازدواجية إلى المزاوجة. إنني أسأل الرئيس "أوباما" متى كان يفترض أن تلغي الولاياتالمتحدة التمييز العنصري والذي تأخر إلى نصف القرن الماضي؟!!.. ماذا فعل الرئيس أوباما لمنع الاقتتال والدماء والدمار في ليبيا؟!!.. سيقول إنه يعمل أقصى مستطاع وإن القذافي هو من يتحمل المسؤولية!!. إذا الثورة والثوار في ليبيا هي طرف مستقل ولا يوجد مؤثر خارجي يصل تأثيره إلى شراكة في طرف ثورة وتطرفها، فكانت تستطيع تأخير الثورة لنصف عام أو أكثر للوصول إلى انتصار الثورة دون نسف أو تدمير للسلم الاجتماعي. في الحالة اليمنية فالرئيس صالح دعا لنظام برلماني وانتخابات مبكرة خلال هذا العام، وقبل بالمبادرة الخليجية التي تتبنى رحيلاً خلال شهر أو اثنين، وهذا ربما يقصده "أوباما" من إشارته إلى التزامات الرئيس صالح. لا أدري إن كان أوباما لحق معاناة التمييز العنصري كما معاناة والده أو جده، ولكن البيض ظلوا يبررون للتمييز العنصري بالسلم الاجتماعي، ولذلك فالرئيس أوباما معني بألاَّ ينظر إلى شعوب المنطقة نظرة الولاياتالمتحدة للسود قبل إلغاء نظام التمييز العنصري، كما عليه ألاَّ يجعل السلم الاجتماعي لأوطان ومجتمعات المنطقة كمسرح لألعاب وعبثيات صراعات ومصالح الكبار، كما تعاملت الولاياتالمتحدة مع مجتمعاتنا في ثورة الجهاد الإسلامي بأفغانستان على سبيل المثال حتى الحرب ضد الإرهاب. علي عبدالله صالح ليس المتشبث بالسلطة ونحن نكفي الرئيس أوباما مطالبته بالتزام احتراماته، إذا الرئيس أوباما سيقدم التزاماً وضمانات بالاستقرار والأمن والسلم الاجتماعي في اليمن، فهل يستطيع أوباما ضمان أو تقديم مثل ذلك؟!!.. بالتأكيد لا يقبل أوباما ولا يستطيع، ولهذا فالسلم الاجتماعي هو قضية وطن ومجتمع كأولوية في اليمن، لا يمكن حدوث تطور تنموي وديمقراطي وحضاري وبناء دولة مدنية إلا من أرضيتها، وإذا لم تراع الثورات والحروب الأميركية الناعمة هذه المسألة فبروز تيار الواقعية والوعي في اليمن للدفاع عنها وتأمينها، هو بمثابة الجهاد الوطني والديني والإنساني للدفاع عن حق واستحقاق هو فوق وأساس كل الحقائق. الولاياتالمتحدة الدولة الأعظم في العالم وذات الهيمنة عالمياً باتت منذ عهد بوش الابن تتعامل حتى مع أهم قضايا شعوب المنطقة كالسلم الاجتماعي بمعايير أبشع وأشنع من الاستعمار القديم، مهما أكستها من لبوس براقة ولمعان حداثة. خلال أحداث مصر أكدت منظمات غربية أنه خلال ستة شهور لن يظل حاكماً واحداً في مكانه من الموجودين على رأس الأنظمة العربية، وهذه الثورات المتلاحقة ليست متلاقحة عربيا إلا من تأصيل اللقاح الغربي، ولا ننكر حقائق ولا استحقاقات هذه الثورات داخلياً، ولكن براءة البيت البيض منها كما تبرؤه من ثورة جهاد الأسلمة في أفغانستان، وحيث ليس لنا هدف أن نمنع أو نمانع تجاه تغيير إيجابي ولصالح الأوطان والمجتمعات، ولا أن نتقاطع مع مصالح حيوية وواقعية للدولة الأعظم هو الذود والدفاع عن السلم الاجتماعي، فالولاياتالمتحدة بعد تصفية "بن لادن" خلال تفجر هذه الثورات العربية تريد بلداً أو أكثر موازياً للحالة الباكستانية في ظل الحرب ضد الإرهاب، واليمن كانت الموازية لأفغانستان في حرب وجهاد الأسلمة ضد الشيوعية. مازالت حاجية أميركا لأنظمة إرهابية في المنطقة في ظل الحرب ضد الإرهاب هي أكثر من حاجيتها لأنظمة ديمقراطية كما تزعم. تمرد الحوثي في صعدة أكد أنه بقدر ما يمس أو ينسف السلم الاجتماعي ستكون انعكاساته الأسرة وبعيدة وواسعة التأثير على الشقيقة السعودية، ولهذا فأمن إسرائيل استهلك في الانتخابات الأميركية وباتت ثورات نسف السلم الاجتماعي وتفكيك النسيج الاجتماعي والوطني للبلدان العربية، وإن بعناوين أخرى كنشر الديمقراطية وإعلاء حقوق الإنسان ونحوه. أميركا صدَّرت خطر الثورة الإسلامية الإيرانية وواجهت هذا الخطر بالأنظمة، فيما نمَّت ثورة أسلمة في أوساط الشعوب ووجهتها لمواجهة السوفيتي والحليف النظام التقدمي في أفغانستان. السلمية والشرعية الثورية تمثل تقدم المعايير المزدوجة إلى زواجية إلى أعماق الشعوب العربية بعد إنهاك واستهلاك الأنظمة والضغط الكابوسي الغربي المكمل للضغط العنفواني الثوري لإجهاظ ما تبقى من أنظمة حية أو من حياة في أنظمة، فالبيت الأبيض أعد الدليل ولم يعد يعني بإعداد البديل كما الخميني لأفضلية الوضع المفتوح والصراعات المفتوحة. في حواراتنا الداخلية حين يأتي المتغير من ثورة عبدالناصر أو الكرملين أو البيت الأبيض "جهاد الأسلمة"، فلا يستطاع إقناع الصوت الطاغي للأقنعة أما في وضع البيت الأبيض القائم والثورات السلمية فالإقناع يصبح هو المستحيل. ولذلك فمجرد احترامي لفهمي وعقلي وتفكيري يجعلني أصمم على طرح كهذا، حتى وإن من باب "الفطفطة" التي تتيحها زعيمة الحريات أميركا، مع يقيني المسبق أن كل طرف يخاف أن يحسب مثل هذا الطرح عليه، وكلها في هذا تخطئ إلى مستوى من فقدان الصواب.