الغرب لم يقدم لنا السلمية مع الأسلمة كما إيران والتأخر لم يكن لخير سلمية الثوة يقدمها تفضيل الإرهاب على الحل الديمقراطي! غالب القمش رئيس جهاز الأمن السياسي في اليمن منذ أكثر من 30 عاماً، ومن السهل المدح أو القدح بأكثر مما فيه أو له وعليه. ومع ذلك فحين تعاطي حقيقة عامة تكرست في الواقع وفي حياة الناس، نقول أنه منذ مجيئه خف القمع تدريجياً الذي عرف واقترن بهذا الجهاز، وفي ظل مقارنة بسلفه أو بالأجهزة الموازية كما كان جهاز أمن الدولة بعدن أو غيره. مثل هذا التوجه وتفعيله لا يمكن إلا أن يكون توجه دولة ونظام، وذلك لا يمكن أن يقلل من أهمية التأثير الشخصي للقيادات على مستوى كهذا أو أعلى أو أدنى. إذا المضاد ل"الحرية" بداهة هو "القمع" فتخفيف أو تجفيف القمع بقدر ارتفاق درجة وسقف تحققه، فهو يعني تحسن وتطور لوضع الحريات، ولهذا ولعدة سنوات قبل تحقق الوحدة كنا نحس بأعلى قمع للحريات من شريك الحكم "الإخوان" أكثر من أية أجهزة أمنية، وبما وصل في حالات إلى النفي والتكفير وإهدار الدم وتهديد بالتصفية في أوساط الإعلام والصحافة. الرئيس صالح جاء في مفترق الطرق بين ثورات الشرق بمباشرتها وطاله منها محاولة الانقلاب الناصري 1979م، وبين ثورات الغرب غير المباشرة أو الملونة، ومثلت حروب المناطق الوسطى المواجهة والتجريب بين ثورات المد الأممي كرحيل وثورات الأسلمة كقادم إلى ما تسمى "السلمية"، وفيها بوضوح بصمات الغرب. إذا ثورات الأسلمة كفكر كانت الدور الفاعل لوقف زحف التوحيد شيوعياً بالقوة، فاندثار ثقل الشيوعية "السوفيت" مهد لتحقق الوحدة سلمياً وديمقراطياً. الاتفاق على فترة انتقالية بالمناصفة بعد تحقق الوحدة تجعل فترة الرئيس الواقعية والسياسية الديمقراطية تبدأ بنتيجة انتخابات 1993م، كما لم يسمح لها بالتفعيل والنفاذ إلا بعد حرب 1994م، والحاجية الأهم لليمن ظلت قبل ذلك حاكماً أو رئيساً يستمر ويستقر، فذلك بكثير من الصراعات الدامية المدمرة على الحكم وباسم التطوير والتغيير. القضية الواقعية للقياس في واقع بلد كالولايات المتحدة هي قضية السود والملونين، وإلى متى ظل يعمل بنظام الفصل العنصري أو حتى تصويت المرأة وغيره، قياساً بما بلغه هذا البلد من تطورات في ظل تعامل بهذه العقلية والآلية؟!!. إذا قائد عاصفة الصحراء لتحرير الكويت 1991م هو أول أسود يصل لمنصب وزير الخارجية، والرئيس الحالي أوباما هو أول رئيس من غير البيض، فلذلك مدلولاته أو علاقته بما ظل به يتعامل معه هذه الشريحة أو اللونية لوقت طويل. إذا بلدان المنطقة ظلت تحكم لقرون طويلة بالأنظمة الأسرية أو الحكم الفردي، فاستقراء المشكلة يبدأ أصلاً بما لدى الحاكم من نفس ومرونات ديمقراطية، تتطور إلى ديمقراطية بأي قدر ومن ثم باستعداده لأية نقلة ديمقراطياً أو التنحي ديمقراطياً. ولهذا فاقتران تحقق الوحدة بالديمقراطية والتعددية السياسية جاء والرئيس صالح أكثر الأطراف استعداداً للنقلة، كما أن مجيء الثورات السلمية وكأنما الرئيس صالح استعد وعلى استعداد للتنحي ديمقراطياً، فهو أول حاكم عربي يصدر تشريع تحديد فترة الرئاسة بدورتين انتخابيتين متتاليتين. المعارضة لم تطرح قضية التوريث حين صدور مثل ذلك التشريع، ولا في حواراتها الطويلة مع النظام، بما في ذلك 2008م الذي أجل باتفاق المعارضة الانتخابات ومارست التمديد للنظام والحاكم. وبالتالي فالتأبيد والتوريث هي قضايا أعم طرحتها ما تسمى الثورات السلمية، فهي تنصيص على أي واقع أكثر منها تنصيصاً من واقع. المواطن أو السياسي الأميركي أو الغربي لا يفهم في واقع كل بلد، ولهذا فهو يتعاطى مع طرح استمرار حاكم ثلاثة عقود بما استقر في الغرب، كما لا يسترجع تأخر إلغاء الفصل العنصري لقرن أو أكثر في بلد كالولايات المتحدة. لنقرأ التطور باستحقاقات الديمقراطية من حقائق سلوك ومسلك المعارضة، فالشيخ المرحوم عبدالله الأحمر كرئيس لحزب الإصلاح "الإخوان" لم يرشح نفسه في دورتين انتخابيتين مباشرتين، وفي انتخابات 2006م زكى ترشيح صالح وليس مرشح حزبه وأعضاء المشترك "بن شملان". أحزاب المعارضة "المشترك" أحجمت عن ترشيح تنافسي حقيقي في انتخابات الرئاسة، والإصلاح رشح صالح قبل المؤتمر 1999م، فيما دفعت "بن شملان" كمرشح لعدة أطراف لإسقاط واجب وأداء دور في الديمقراطية، فأحزاب المشترك توافقت على مرشح يؤدي دوراً ولم تتفق عليه كرئيس ليحكم، ولو نجح- افتراضا- لاختلف فرقاء "المشترك". فإذا ثقل المعارضة لم يقدم خلال دورتين انتخابيتين مرشحين لمنافسة وجدية تنافس، فالمعارضة هذه تتحمل المسؤولية الأكبر في بقاء واستمرار رئيس. الرئيس أصدر تشريع تحديد الرئاسة بفترتين قبل وصول المعارضة إلى وعي أو ثقة التنافس. إذا الثورات السلمية هي بكل تأكيد امتداد لثورات الأسلمة التي هي مستهل ثورات بصمات الغرب بعد ثورات الشرق، وإذا الثورات السلمية تتداخل بالديمقراطي والحريات ونحوها، فهذا الامتداد والتداخل هو أهم في الواقع والوعي العام الداخلي وليس الخارجي أو المصدر أو المستورد للداخلي. هاهي الثورة المصرية تواصل الاعتصامات ضد حكومة ما بعد مبارك، فيما المفترض إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سبتمبر القادم. إذا هذه الانتخابات تمت "افتراضاً" فالمتوقع استمرار هذه المظاهر ضد نظام وحكومة منتخبة ديمقراطياً، وتلك هي فوضى تدمير وأن سميت "فوضى خلاقه". المسافة بين الأحلام والأماني وبين الممكنات والإمكانيات تستعمل للمزايدة ودغدغة المشاعر بما ينافي الواقعية ويحدث في الواقع انتفاءات والتفافات بأي قدر. إذا نظام يقبل بالاحتكام لانتخابات نزيهة بإشراف دولي ودون تأبيد أو توريث، فتلك ثورة لعامة الناس ومن خلال صناديق الانتخابات، وبذلك يكون تحقق رحيل نظام أو حاكم والناس يسقطون ويصعدون من يريدون من خلال الصناديق. مثل هذا يجسد سلمية وديمقراطية التغيير أو الثورات أو نحوه، فيما رفض هذه المعيارية هو التفاف لأهداف التفافية وغير واضحة حتى مع ما هو واضح داخلياً وخارجياً. أكثر ما تميز به الرئيس صالح الواقعية والانطلاق بها ومنها مع قضايا الواقع داخلياً وخارجياً، فهو لم يأت بمزايدة تثويرية أو ثورية، ولم يسع أو يمارس ارتهاناً لأي طرف خارجي، وإن مارس الواقعية للتعامل أو التحرر من الخارج وفق سقف الاستقلالية المتاح لكل مرحلة. محاولة الانقلاب الناصرية الفاشلة عام 1979م هي التي جاءت بغالب القمش رئيساً لجهاز الأمن السياسي، بما مثله ذلك من تخفيف وضع قامع أو تخفيف القمع إلى الحد الأدنى. الحريات أو الديمقراطية هي خطوات متدرجة وفق أوضاع كل واقع، وإذا معارضو الرئيس صالح يحتاجون سياسياً لغلو وتطرف وكذب واضح فاضح لإسقاط الرئيس صالح أو للوصول إلى الحكم، فذلك شأنهم وخيارهم بأي قدر يستطيع التضليل أو التأثير أو لا يستطيع. إذا كل نظام يخطئ ويصيب فمن الخطأ تقييمه من الأخطاء كما الخطأ تقييمه من الصواب، والأصوب التقييم بالإجمال والإجمالي وبالمقارنة مع أنظمة سبقته أو وازته. الأنظمة العربية لم تستهدف بالإجمال كما في حزمة ما تسمى ثورات سلمية، وذلك ما يصيغ بيئة أو يصنع أجواء لنجاح التضليل بأي قدر خلال وجود حاكم، وذلك ما سيتحول إلى شهادة أقوى له بعد رحيله بكل تأكيد. إذا أميركا بقوتها العملاقة وبقدرات مالية هي أكثر من ميزانية اليمن في قرن لم تستطع خلال عقد في أفغانستان صنع ديمقراطية أو توفير أمن، فكان الأفضل أن يحكمها حاكم لقرن ليجنبها ما عانته من ويلات ويوصلها إلى مستوى الحريات والديمقراطية في اليمن. الثورات السلمية فيها تطرف في الحبكة والإخراج والهدف والسقف يجعل المستبعد أنها صممت وجاءت من أجل أهداف نهضوية وتطورية، كما في شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان والدولة المدنية ونحوها، وهي في ثقل التوجه والتوجيه مخارج وتخريجات استعمال الصراعات أكبر. إذاً فمسألة ما هي أخطاء النظام أو تخطيئه تضليلاً وتهويلاً هي الحاجية الحتمية كأرضية داخلية لهذه الثورات، وبقدر ما تحتاجه الثورة لتنتصر يصبح التهويل والتضليل والافتراء والكذب المحض هو حاجية حتمية. ولهذا فليس عجيباً ولم يعد مستغرباً أن يكون أول حاكم مارس الحوار وأشرك الأطراف السياسية في الحكم، وأول من سار في خيار التعددية والانتخابات المباشرة، وأول حاكم يصدر تشريع تحديد الرئاسة بفترتين متواليتين، وأول حاكم سيترك السلطة اختيارياً، هو شيء غير ذلك ونقيضه كسمة لثورات الأسلمة أو سنة الثورات السلمية بين سمات وسنن ثورات هي من مطابخ الغرب كتنظير للشرق من منظور صراعاته ومصالحه. في ظل حملة محمومة وحرب هوجاء من الفضائيات على واقع بلد فقير ومحدود الإمكانيات ومتخلف كاليمن، فهذه الحرب هي فوق قدرة واقع في ظل إسنادها المواقفي والسياسي، وبالتالي لا أحد يحس بثقة أي نجاح في الدفاع عن الواقع وليس النظام. غير المهتم بالمصالح والتمصلحات في مثل هذه المحطات قد يطرح أو يكتب ليسجل موقفاً مع أو للتاريخ. فالذي لا يهتم بالمصالح والتمصلحات من أي طرف كان لا يعيش رعب الحكايات ولا ترهبه تهديدات محاكمات، ويكون في رضا أكثر عن ذاته وضميره بتسجيل ما هي قناعات ويقينيات وطنه ووطنيته. إنني لا أستطيع فهم ولا تفسير أن الثورات السلمية تنظيرها من الغرب، فيما ترفض الحلول ديمقراطياً حتى حين توفر هذه الحلول الانتصار للثورة من خلال إلغاء التأبيد والتوريث. إذا الثورات هي التي تتطرف ضد الديمقراطية وحلولها فهل الغرب من خلال الضغط على أية أنظمة قامعة لعدم قمع معتصمين سلميين أو مظاهرات سلمية كتطرف إنما ليأتي تطرف آخر أو بتطرف آخر؟!!.. إذا نظام سمح باعتصامات ومظاهرات سلمية فكيف يؤيد الغرب وديمقراطياته العريقة شمولية إقصائه إلى مستوى من التواطؤ لإقصائه بأفعال وتفجيرات الإرهاب؟!!.. لماذا الغرب غير متحمس بل يبدو المراوغ والمتواطئ للهروب من الحلول الديمقراطية؟!!.. تناقض الغرب في اغتيال مصدقي المنتخب كرئيس للحكومة الإيرانية ودعم الخميني للتثوير والثورة الإسلامية من الغرب ليس كوضوح ثورات الأسلمة للجهاد في أفغانستان. هذا التناقض في غموضه ها هو يأتينا في ثورات السلمية كامتداد للأسلمة.