بصورة مفاجئة ومثيرة للتساؤل والشكوك، أصبح الموضوع اليمني يُمثِّل مساحة واسعة من اهتمامات (قناة الجزيرة) القطرية وبث معظم برامجها (تقريباً).. وكان الأمر جيداً ومقبولاً لو التزمت (الجزيرة) وبعض العاملين فيها بالحيادية والمهنية والنزاهة في تغطيتها للتطورات في اليمن، والتي يتم تضخيمها عبر شاشة "الجزيرة" وتأجيجها، بشكل مبالغ فيه ومفضوح ولغرض في نفس يعقوب!. المشاهد اليمني الذي ظلت تربطه ب (الجزيرة) علاقة استثنائية ومتميزة ترتكز على الثقة المطلقة في رسالتها الإعلامية، واهتمام بمتابعة كافة التطورات الإقليمية والدولية عبر شاشتها المشاغبة.. ولكن شيئاً فشيئاً بدأ المشاهد اليمني يدرك بأن قناة (الجزيرة) تندفع ودون رويّة في ممارسة دور غير مفهوم أو مبرّر إزاء قضية حساسة وهامة لدى كافة أبناء الشعب اليمني، وهي قضية الوحدة التي تحاول "الجزيرة" تصوير الأمر حولها على غير حقيقته سواءً من حيث تناولها لممارسات تلك العناصر الانفصالية الخارجة على الدستور والقانون، والتي تجاهر بعدائها للوحدة وتتبنى خطاباً فوضوياً يستند على إثارة ثقافة الكراهية والبغضاء بين أبناء الشعب اليمني الواحد، أو ممارسة أعمال التخريب والعنف.. بل ان تلك العناصر قد تجاوزت في أطروحاتها الغريبة وشططها إلى درجة إنكار هويتها الوطنية والانسلاخ منها وهي عناصر معزولة ومتهمة بتنفيذ أجندات خاصة ومشاريع صغيرة للتمزيق والتجزئة. (الجزيرة) كوسيلة إعلامية تغامر كثيراً بسمعتها ومهنيتها وحياديتها وبدأت تنال العزوف عنها من قبل قطاعات واسعة من أبناء الشعب اليمني، وخاصة النخب السياسية والثقافية التي ظلت مرتبطة بالخطاب الإعلامي ل (الجزيرة) الرسالة.. والموقف حينذاك. واليوم لا يجد البعض في اليمن عدم تفاوت كبير في خطاب (الجزيرة) حول قضية الوحدة اليمنية وخطاب قناة ال "بي.بي. سي" البريطانية، التي انتمى إليها كثير من المنتسبين إلى "الجزيرة" وكانت محطة انطلاقتهم وتكوينهم الايديولوجي والمهني. وإذا كان البعض يفسِّر بأن سر التحوّل المفاجئ من (الجزيرة) تجاه اليمن مرتبط بعتب قطري على القيادة اليمنية نتيجة الغياب اليمني عن مؤتمر (الدوحة) حول غزة، وقدمت اليمن حينها مبرراتها لهذا الغياب (الذي يبدو أن القيادة القطرية لم تتفهمه حتى الآن).. بالإضافة إلى ما أثير من لبس حول تصريحات الرئيس علي عبدالله صالح في جريدة "الحياة" اللندنية حول الوساطة القطرية في صعدة، والتي أشار فيها الرئيس بأن تلك الوساطة قد شجعت جماعة الحوثي على التعامل بنديِّة مع السلطة في الوقت الذي نوَّه فيه الرئيس بتلك الوساطة وبمواقف قطر ونواياها المخلصة تجاه اليمن واستقراره. إلاَّ أن ما تقوم به (الجزيرة) بقصد أو بدون قصد، من تناول إعلامي فيه قدر كبير من الانحياز والتشويه لحقيقة الأوضاع في اليمن، وحيث يرى كثيرون في اليمن بأن إصرار بعض العاملين في (الجزيرة) على استضافة عناصر انفصالية محروقة مقيمة في الخارج وتدعي النضال (من فنادق الخمسة نجوم التي تقيم فيها وخاصة في لندن) في الوقت الذي ليس لديها قضية أو مشروع غير الدعوة إلى تمزيق اليمن شعباً وأرضاً يمثل استفزازاً واضحاً لمشاعر اليمنيين ومساساً بما يعتبرونه إحدى أهم ثوابتهم الوطنية ومقدساتهم السياسية والاجتماعية، إلى جانب أنه يشوِّش كثيراً على ذلك الموقف القطري المشرِّف المساند لليمن ووحدته (والذي لا ينساه اليمنيونلقطر وأميرها) وخاصة خلال فتنة صيف عام 1994م، وحيث كان الصوت القطري مميزاً وشجاعاً ويحظى بالكثير من الاحترام والتقدير من اليمنيين وغيرهم من الوحدويين من أبناء الأمة العربية والاسلامية وغيرهم من الشرفاء في العالم. وبالتالي فإن على قطر ألاَّ تفرط في ذلك الرصيد الكبير والجيد المتوفر لها لدى قطاع كبير من اليمنيين وألاَّ يتغلب العتب أو حتى الغضب المعبَّر عنه من خلال (الجزيرة) التي لا تستطيع القيادة القطرية التنصل منها وما تقدمه من خطاب مُشوَّش وغير منطقي تجاه اليمن ووحدته واستقراره.