«من حقنا أن نتنفس هواء ربنا النقي وليس دخاناً كريهاً».. هكذا بدأ محمد عزيز- أحد أهالي منطقة حذران التابعة لمديرية التعزية بمحافظة تعز بحديثه ل «الخبر»- حين انتقلنا معه في جولة داخل منطقة حذران والتي يبلغ تعداد سكانها 10451 نسمة حسب التعداد السكاني في اليمن لعام2004م. شاهدنا دخانًا كثيفًا وكأنه حريق هائل، وفاجأنا محمد ، قائلاً: «هذه الأدخنة منبعثة من مكان حرق المخلفات من جميع أنحاء منطقة حذران, بالإضافة إلى نفايات المستشفيات، والتي تصب جميعها في هذه المنطقة». وصلنا إلى مقلب قمامة حذران وهنا تبدأ مرحلة العزلة عن العالم من الهواء النقي، الذي تتنفسه البشرية، ومن النعم التي أنعم الله بها علينا إلى دخان كثيف وروائح لا توصف من بقايا أكل خارج من المنازل وحيوانات نافقة، بجانب مخلفات المستشفيات من ملابس قديمة وزجاجات أدوية ومحاليل و«شرنقات» حقن . تابعنا السير في الطريق، وعلى جانبينا أكوام القمامة التي مر عليها وقت طويل، وأكوام أخرى ملقاه حديثا، وانتهت رحلة السير على الأقدام بعد ربع ساعة، وسط دخان لا يجعلك ترى شيئًا أمامك، ولا تستطيع التنفس وإذا تنفست فمصيرك خليط من الروائح التي لا توصف. اقتربنا من الموقع الرئيسي لخروج الأدخنة، فإذ بتلال من القمامة مشتعلة فيها النيران ووسطها زجاجات فارغة تنفجر بين الحين والآخر، وشاهدنا عددًا من سيارات نقل القمامة تقوم بتفريغ حمولتها بالقرب من تلك التلال ليكون مصيرها الحرق. وفي هذا الصدد أكد المواطن محمد ل «الخبر» أن «سيارات نقل القمامة التابعة لمجلس محلي محافظة تعز تقوم بتجميع القمامة في ذلك المكان، ويأتي بعدها عدد من الصبية في منتصف الليل الذين يقومون بجمع الخردوات والزجاجات الفارغة من داخل تلك الأكوام لبيعها، ثم يقومون بإشعال النيران فيها». ويضيف المواطن محمد عزيز إن «الرياح الشديدة تقوم بنقل تلك الأدخنة المنبعثة من الحرائق وما تحمله من روائح لتنزل به على منازل منطقة حذران، مما تسبب في حدوث أمراض مزمنة كالحساسية وأمراض الصدر وضعف البصر، جراء الأدخنة اليومية والتي لا تنقطع ليلاً ونهارًا». انضم إلينا في جولتنا والتي يحيطها جو من الأدخنة، عدد من أهالي منطقة حذران لكنك لا تستطيع رؤية وجوههم جيدًا بسبب كثافة الدخان، فتناولوا أطراف الحديث صوتًا بدون صورة، ليسردوا لنا معاناتهم المختلفة مع محارق الموت البطيء يشير المواطن عبد السلام إلى أنه «بجانب أكوام القمامة اليومية التي تعودنا عليها وروائحها الكريهة بعد حرقها، والتي باتت تملأ صدورنا توجد مشكلة أكبر وهى نزول الكلاب المفترسة والضالة إلى تلك المنطقة لتأكل الحيوانات النافقة، وهو ما نخشى فيه على أطفالنا الذين يخرجون من المدرسة والموجودة بالقرب من تلك المحرقة، حيث تدخل إليهم الأدخنة في الفصول أثناء الدراسة وإن لم يكون مصيرهم الموت من تلك الروائح فنخشى عليهم من تلك الحيوانات المفترسة والضالة». فيما تساءل المواطن أحمد الشرعبي بالقول : «لماذا لا يستمع المسئولون بالمحافظة إلى شكوانا اليومية، فهل نحن نطلب المستحيل؟ كل ما نرجوه هو أن يتم نقل مقلب القمامة هذا من تلك المنطقة إلى مناطق صحراوية والتي لا يسكنها أحد». واستنكر الشرعبي كلام المسئولين الذين وعدوهم عدة مرات، أنه سيتم ترحيل مقالب القمامة إلى منطقة لكن مسافة تبعد قليلاً، قائلاً: «وهل يعقل من الطبيعة الجغرافية للمنطقة أن بعد المسافة سيحل الأزمة فمهما بعدت المسافة فإن الأزمة لن تحل، فحلها الوحيد نقلها من المنطقة تمامًا». وفى نهاية جولتنا بمنطقة حذران ، أكد عدد من الأهالي أنهم استخدموا كل الطرق السلمية حتى يسمع المسئولون صوتهم في إنهاء تلك الكارثة، والتي تهدد حياة الأطفال والشيوخ بالقرية، وأنهم هددوا باللجوء لقطع الطرق السريعة ولم يستجب لمطالبهم. وعلى الجانب الطبي، أكد الدكتور وليد الوتيري رئيس المنظمة الطبية بتعز ل «الخبر» أن «حرق النفايات ضار جدًا على الإنسان، حيث أن الدخان المنبعث من حرق النفايات يحمل غازات مختلفة وجُزيئات قابلة للاستنشاق، وتحتوي هذه على مواد سامة وتضّر بصحة الإنسان، ويُسبب الدخان أيضًا حرقة في العينين والأنف وفي الحلق، بالإضافة إلى السُعال والصُداع وضيق التنفس ومرات أيضًا يسبب الربو وأيضًا الإصابة بالفشل الكلوي ومنه إلى الوفاة». وقال إن «الدخان المنبعث من مرادم النفايات محمل بالكثير من الغازات السامة التي تسبب الأورام السرطانية وتقود إلى إجهاض الحوامل وتؤثر سلباً على مرضى الكلى والربو وهناك العديد من الأمراض المستعصية التي ظهرت مؤخراً كانت من الآثار السلبية لحرائق النفايات».