ثمّة من سيرى هذه المقالة ساخرة والعكس، وفي الحالتين معه الحق بالضرورة؛ كلما ارتفع صوت الماطور سطعت الحقيقة أكثر، والحاصل هو أن الماطور صار الرابط المشترك بين مختلف الطبقات في المجتمع؛ ذلك أن اقتناءه غاية كل مواطن لكأنما تتجلّى فيه حالة الانسجام الوطني كما ينبغي..!!. ولقد شجّعنا الماطور على التشبُّث بالأمل بدلاً من الانغماس في اليأس، ولولا الماطور لأشرفت حياة اليمنيين على الهلاك، بل إنه جعلنا نستكشف أنفسنا بوضوح، كما سرعان ما تبيّن لنا أن للماطور دلالات سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية وفلسفية عميقة. غير أن الماطور بين الحلم والواقع لايزال هو الشخصية الوطنية الأكثر إنتاجاً وإبهاجاً وإجلالاً، ويقول عامل البوفيه إن صوت الماطور يمثّل بالنسبة له عودة الروح، ويقول صاحب المصنع إن الماطور ينقذ أعصابهم من التلف، ويقول الثوار إن الماطور هو الطريق الثالث الذي سلكناه، ويقول الطالب إن الماطور ينجّيه من الاضطهاد قليلاً، ويقول المواطن الذي في المنطقة أو الحارة إن الماطور وحده من فهم قيمتهم كبشر معذبين، ويقول فنان تشكيلي إن الماطور هو الكيان الثقافي المتفرّد الآن فوق الأرض اليمنية المباركة، ويقول صاحب المطعم إنه عبر الماطور الباهر يسارع في إنقاذ الزبائن من الجوع، ويقول حارس الحزب إن المواطنة المتساوية بالنسبة له تعني ماطوراً لكل مواطن، ويقول أحد المجانين إن ضجيج المواطير هو الأكثر صدقاً ونقاءً في بلد كاليمن، ويقول طبيب إن المستشفى الذي بلا ماطور هو عبارة عن وحش أعمى بلا قلب بالنسبة للمرضى، على أن الماطور فوق كل القضايا والأحزاب والجماعات..!!. وإذا ما ركّزنا حواسنا على صوت المواطير؛ سنكتشف تلك التأملات الخصوصية التي تجعلنا نلتقي بشكل مباشر بما افتقدناه منا، ثم إن الماطور عالم داخل عالم بحسب ما يقصده المتصوّفة. ويبدو من الواضح تحديداً أن كل ماطور يبرهن على عشقنا للحياة سواء أدرك الماطور ذلك أم لم يدركه مثلاً، في حين أن الماطورات تؤكد لنا أننا خدعنا أنفسنا، وفي نفس الوقت أننا لم نخدع أنفسنا على الإطلاق، فالثابت هو أن الماطور قد احتل مكان الصدارة بالنسبة لليمنيين، بل لطالما أسهم الماطور معنا في النضال ضد الطغيان حتى لم يعد هناك أي انفصال بين الماطورات بمختلف أيديولوجياتها كما تلاحظون..!!. ولقد صار اليمنيون يتّبعون غريزة الماطور الذي غدا رمزاً موحّداً لهم ولهمومهم الجمعية بلغة أخرى المجد للماطور كصيغة تعبير تبعث على مقاومة المأزق العام، والمجد للماطور كشرط يقف خلف كل مظاهر المعيشة ولا يخدع الجمهور أبداً، على أن صوت الماطورات الحميمة هي سيمفونية الشعب وبهجته العظمى، وفي السياق لا صوت يتفوّق على كل هذا الضجيج المشرق للماطورات.