«1» لا يمكننا تفسير ظهور الحركات التطهيريّة في العالم العربي دون استحضار الأنظمة القمعية – تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» نظام المالكي وبشار الأسد – ولا يمكننا كذلك تفسير استمرارها في الزمن دون استحضار توالد حركات تطهيريّة مضادة مع استمرار غياب "الجميع" ولهذا فإن الحركات الطائفيّة تدرك – بحكم غريزتها الداخليّة – ضرورة وجود "النقيض الوجودي السلبي" الذي يؤكد "منطقيّة" وجودها وشرعيّته, ولهذا فهي تشارك فعليّاً بالخطاب والممارسة على تخليق حركات معادية لها، وتؤكد وجودها وعداوتها. وعليه, فإن أعظم الهدايا لأية حركة تطهيريّة هي تولّد حركة تطهيريّة أخرى تعاديها, ولكن هذه الفكرة لا تكون مهمة وحيويّة إذا لم توازِها عمليات تعريف لكيفيّة مجابهة الحركات التطهيريّة, لأنها بذلك تفسح المجال للحركات التطهيريّة المعادية – التي تحذّر منها – للخروج إلى الوجود والتي لا يمكن منع تكوّنها؛ لأنها تستمد كل شروط وجودها من غياب "الطريق الأفضل" بالإضافة إلى الشروط الإنسانيّة المتوافرة في حالات كهذه. «2» في اليمن هناك الحركة الحوثيّة, وهي حركة تطهيريّة، ولكن ما يميّز حالة هذه الحركة هو "بيئتها" المساعدة لها, وأهم تصديق على ما نقوله هو أداء القوى السياسيّة اليمنيّة وأهمها التجمُّع اليمني للإصلاح، هذا الحزب الذي قدّم نفسه منذ البداية ك«جبهوي وحيد» يصارع الحركة الحوثيّة, وبدأت عمليات "تماثل بنى الخطاب والفعل" بين حزب سياسي وحركة طائفيّة. استمر التوتر بين الحزب والحركة منذ 2011م حتى وصل ذروته قبل أيام في عمران, وما حدث في عمران وردود فعل الحزب عليه أثبت للجميع أن المسألة لم تكن فقط جيشاً يجابه حركة طائفيّة, بل اتضح أن الأمر أعقد من هذا بكثير, وأن الحزب متورّط حتى أذنيه في تلك الحرب بحلفائه المعروفين. من الواضح أن ما حدث شكّل صدمة لقيادات التجمُّع اليمني للإصلاح – وكذلك قواعده بالمناسبة – وردّة الفعل كانت غريزيّة أكثر مما ينبغي, ولكن خطورة ردّة الفعل لم تكن في الشتائم والتخوين فقط, فهذا أمر بالإمكان تفهُّمه بعد أي صدمة تصيب "قواعد" قوة سياسية كبرى, ولكن الإشكال كان في التكتيكات المتبعة من قبل قيادات الحزب. فمنذ عدة أيام, هناك تلميحات وإشارات واضحة لإمكانية عودة التحالف مع علي صالح المعبّر عنه بتهذيب في خطاب الإصلاح ب"حزب المؤتمر"وهذا لا يقع في خانة السياسة إطلاقاً, لأنه يعني انعدام المبدأ, وانعدام الاحترام تجاه القواعد العريضة لهذا الحزب والتي بالتأكيد ترفض أمراً كارثيّاً كهذا – وهنا نضطر إلى الإلماح لأمر آخر, وهو أن هذا التكتيك بالذات يؤكد لنا أكذوبة "الدفاع عن الجمهوريّة..!!". ثم أتى أخيراً منشور لمحمد اليدومي، رئيس الهيئة العليا للتجمُّع اليمني للإصلاح ليؤكد لنا كارثيّة هذه القيادة على الحزب ومستقبله, فالفكرة الأساسيّة في المنشور – بعيداً الآن عن بعض أجزائه المليئة بالغمز واللمز والشتائم التي لا تليق بقيادة جمعية تعاونية في قرية – هي أن الحركة التطهيريّة الحوثيّة ستُقابل بحركة تطهيريّة أخرى, وهذا حديث يمكن نقاشه إذا أتى من مثقف أو كاتب, فهي وجهة نظر – وهي وجهة نظر صحيحة كما أوردنا في المقطع الأول من المقال بشرط أن توازيها أفكار أخرى، ولكن أن تأتي من حزب سياسي, وذي صبغة دينيّة, وقدّم نفسه طوال الفترة الماضية على أنه "النقيض الوجودي السلبي" للحركة الحوثيّة, فهذا ليس وجهة نظر, بل إعلان عن نوايا, أو على الأقل تهديد ووعيد ل«الآخرين» الذين لم يقفوا مع الإصلاح في الدرجة الأولى, فالمقصود ليس الحركة الحوثيّة بالمناسبة, بالتوازي مع التكتيكات الجديدة التي تشير إلى الرغبة بإعادة التحالف مع قاطع طريق ومجرم ثار عليه الناس..!!. خطورة حديث اليدومي تكمن في أنّ المناخ العربي والبيئة اليمنيّة وكثير من قواعد التجمُّع اليمني للإصلاح قابلة لإنتاج حركة طائفيّة عنفيّة تجابه الحركة الحوثيّة, إن الأمر على أشد درجات الخطورة, فأن تنشأ حركة طائفيّة مضادة للحركة الطائفيّة الحوثيّة – والأمر هنا سيحمل أبعاداً عرقية بالمناسبة؛ لأن الحركة الحوثية تعتمد معايير سلالية في نظرتها إلى المجتمع والدولة, وكثير من أعداء الحركة يتبنّون ذات المعايير- في اليمن هو أمر سهل الحدوث وكل شروط التكوّن موجودة ولا تنتظر إلا لحظة كارثيّة لتُخرج حركة طائفيّة مضادة إلى الوجود. نعود إلى ما نصحنا به التجمُّع اليمني للإصلاح وقوى اللقاء المشترك مرة أخرى: اضغطوا نحو تكوين دولة مواطنين تمثّل "جموع المواطنين" التي بإمكانها مجابهة الحركة الحوثيّة واستيعاب قواعدها البشريّة, قفوا مواقف رجال الدولة وبناة الأوطان، أما الخطاب الراهن والتكتيكات المتّبعة, فإنها ستقود الحزب والبلد معها إلى كارثة ستعيد تشكيل هذا البلد كجغرافيا ونسيج اجتماعي.