قبل سنوات عديدة من الآن، عرضت مدينة الإنتاج السينمائي (هوليود) الأمريكية فيلم (قواعد الاشتباك) الذي تم تصويره في المملكة المغربية، وتتمحور فكرة الفيلم الأساسية حول اقتحام مليشيات قبلية مسلحة العاصمة اليمنيةصنعاء واحتلال جميع مؤسسات الدولة الحيوية المدنية والعسكرية دون أي مقاومة. مخرج الفيلم وكاتب السيناريو لم يكشفا الدوافع سياسية كانت أو أيدلوجية التي دفعت بتلك المجاميع القبلية المسلحة لاحتلال صنعاء، وإن عرف الانتماء الجغرافي لتلك القبائل من خلال الزي الشعبي (القميص والجنبية والكوت) أنها من قبائل محافظات الشمال اليمنيصنعاء – عمران – صعدة… الخ)، كما ولم يعطيا تفسيرا لانعدام أي تواجد ولو رمزي في مشاهد الفيلم للدولة المركزية مدنيا وعسكريا، في الوقت الذي يظهر فيه أفراد من قوات المارينز الأمريكية في بعض اللقطات تعلوا وجوههم تعابير السخرية والازدراء من مناظر تلك القبائل. أثار مضمون الفيلم وتوقيت عرضه لغطا ديبلوماسيا بين اليمن والمغرب؛ حيث جاء بعد تعرض المدمرة الأمريكية (يو – إس – إس كول) لاعتداء إرهابي في خليج عدن أودى بحياة 16 جنديا أمريكيا وقيام الجيش الإميركي بعملية إنزال عسكرية في عدن دون علم صنعاء، بالإضافة إلى الأموال الضخمة التي أنفقت في التصوير والإنتاج وتم بناء مدينة مطابقة للعاصمة صنعاء وبالذات المدينة القديمة ومعالمها التاريخية البارزة. في رسالة الاحتجاج الصادرة عنها اعتبرت الخارجية اليمنية الفيلم يحمل في محتواه نوايا غير بريئة تجاه اليمن ويشوه سمعتها خارجيا،متهمة المخابرات الأمريكية (c-i-a) والبنتاجون بتبني فكرة الفيلم وإنتاجه. لم يحض الفيلم بالاهتمام الكافي والمتعارف عليه سينمائيا مع جميع الأفلام مهما كانت متواضعة المستوى، لكن جميع من شاهدوا الفيلم من السياسيين ونقاد سينمائيين اتفقوا على توصيف الفيلم بأنه من نوعية أفلام الخيال التي لا يمكن إسقاطها على الواقع بأي حال. عشية (الحادي والعشرين من سبتمبر) الماضي كانت العاصمة اليمنيةصنعاء، تعيش أجواء مشاهد لسيناريو فيلم (قواعد اشتباك) حقيقي بلا قواعد اشتباك امتزج في سياقه الخيال بالواقع، والجنون بالمنطق، الدراما بالأكشن، والكوميديا السوداء بالرومانسية، كان عملية تجسيد حيه لفيلم، (قواعد الاشتباك الأمريكي) وإن اختلف المخرج والمنتج والممثلون لكن الطريقة والنتيجة كانت واحدة بصورة مدهشة، لدرجة تجعلني أجزم بأن كبريات شركات الإنتاج السينمائي لو كانت تعرف المآل الذي حدث مسبقا لما توانت عن الحضور وما فرطت بالظفر بفيلم سينمائي حقيقي، توافرت فيه كل مقومات النجاح، دون الحاجة لاستخدام المؤثرات البصرية والخدع السينمائية ويستحيل إنتاج فيلم بواقعيته ومشاهده الحية مطلقا، بقليل من التصوير المحترف واللمسات الفنية ستغدو جميع جوائز السينما العالمية دون المستوى اللائق للفيلم الفريد. تحليل واقعي لفيلم خيالي سيبقى سقوط صنعاء بتلك الطريقة الدراماتيكية الأقرب إلى السينمائية منها إلى الواقع، موضوعا مشوقا للدراسة والتحليل ليس لأن المخرج وكاتب السيناريو أخفيا في حبكة إبداعية مشهودة القصة الحقيقية فحسب، بل لأن ما حدث كان غير مسبوق وغير متوقع على مختلف السيناريوهات السابقة وربما اللاحقة، تركت مهمة البحث عن الحقيقة المضمرة للمهتمين والمحللين سياسيين وعسكريين ونقاد سينما الذين مازالوا جميعا الى الآن في متاهة البحث وشرك الأسئلة المنطقية وغير المنطقية ومهمة سهلة ممتنعة ستأخذهم دروب البحث إلى غياهب الحيرة القاتلة. قد يكون وضع المحلل السياسي أحسن حالا في الحيرة والالتباس ولن تعوزه الحيلة في إيجاد التبريرات والذرائع لوصف ما حدث مهما كانت واهية وبعيدة عن الحقيقة، فالسياسة فن الخداع ولا تحكم لعبتها قوانين الأخلاق والصدق والوفاء… الخ، وبالتالي فالذي يبدو في نظر (س) مؤامرة وخيانة قد يراه (ص) عملا بطوليا شجاعا وفق ما تقتضيه مصالح الأطراف وأهدافها، لذلك فالتبرير السياسي للرئيس عبدربه سيكون سهلا ومتاحا ولن يمثل مشكلة على الإطلاق. التحليل السينمائي في تحليله لفيلم سقوط صنعاء بأيدي مليشيات قبلية مسلحة سيخرج الناقد السينمائي بجملة من الملاحظات والمآخذ الدراماتيكية والفنية التي سلبت الفيلم ميزة الدهشة والإبهار، فانطلاقا من حقيقة وجود سيناريو اتفق الطرفان على تجسيده باحترافية (قادة المليشيات المسلحة من جهة، والرئيس عبدربه ووزير دفاعه من جهة أخرى) فإن بعضاً ممن اشتركوا في أداء بعض الأدوار لم يطلعوا على السيناريو وتعاملوا مع المشاهد بجدية الأمر الذي نتج عنه سقوط ضحايا أبرياء ومشاهد أكشن تحتوي على دماء وعمليات قتل حقيقية، وهذا مجرم سينمائيا، خلت بعض لقطات الفيلم من الواقعية والمهنية فحين تنقلك الكاميرا إلى أجواء توقيع اتفاق السلم والشراكة وما احتوته من رومانسية وتفاؤل مبهج يناقض حقيقة السيناريو العام فقد تم إقحام ذلك المشهد الرومانسي في سياق فوضوي عام، وكأن من حضروا التوقيع لا يعلمون أن المليشيات المسلحة تحتسي نخب الانتصار الفوضوي على جثة الدولة المذبوحة خارج أبواب القاعة، ومع ذلك لن يخف الناقد السينمائي بتفوق بعض الممثلين في أداء أدوارهم إجمالا. التحليل العسكري للفيلم من توزيع الأدوار للممثلين في الفيلم تبين أن النجم/ عبدربه منصور هادي يلعب دور القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإضافة لكونه رئيس الجمهورية ويحمل رتبة مشير العسكرية، فيما يقوم بدور وزير دفاعه النجم/ محمد ناصر أحمد ويحمل رتبة لواء، لم نشاهد في سياق أحداث الفيلم ما يشي ولو رمزيا بدورهم العسكري، فمع أن المشاهد مليئة بممارسات عنيفة وإهانات واقتحام للجنود في الثكنات إلا أن القائد الأعلى للقوات المسلحة ووزير دفاعه بديا غير مكترثين لما يتعرض له أفراد الجيش، وأبعد من ذلك فقد كان واضحا من الوهلة الأولى أنهما ينفذان معركة تدمير معنوي ونفسي للجيش، يضعهما في خانة المؤامرة ويستوجب محاكمتهما عسكريا لحنثهم بالقسم العسكري وخذلان جنود تحت قيادتهما سلبوا الكرامة قبل عتاد عسكري تم شراؤه بمليارات الدولارات على حساب قوت الشعب وحقه في التعليم والصحة، ويحتم عليهما إعطاء تفسيرات مسؤولة ومقنعة لما جرى حتى لوكان ذلك تم وفق السيناريو وما يريده المخرج. البطل الذي خرج عن النص فيلم سقوط صنعاء بيد مليشيات الحوثي، رصدت له أموال طائلة وكتبت له دوائر إستخباراتية إقليمية ودولية وأنتج بإشراف خليجي إيراني مصري وكان الهدف الأساسي والوحيد منه هو الإجهاز على التجمع اليمني للإصلاح بتهمة الأخونة ومعه شباب ثورة فبراير ورموزها، وبمقتضى الخطة كان يؤمل من الإصلاح أداء دور قوى الشر التي يتم القضاء عليها في معركة دموية قذرة. فهم الإصلاح المؤامرة ودرس السيناريو بعقلانية مدهشة وخرج عن النص التآمري، وتوج بطلا في عيون الأعداء قبل الأصدقاء، معريا ببطولته التاريخية مؤخرات أنظمة أسقطتها هواجسها المريضة في مستنقع تآمري آسن، لقد ترك الإصلاح بخروجه عن النص التآمري الجميع أسرى صدمة الخزي ولقنهم درسا في التضحية جدير بهم الاستفادة منه لو شاءوا.