ماذا يحدث اليوم في مصر المحروسة؟ هل هو محاولة لإسقاط وتفكيك الدولة في مصر في محاولة لإفشال الثورة والعودة الى عهد سابق أم محاولة للسقوط في الفوضى؟؟ ان الاستهزاء الذي تقابل به بعض النخب تحذير الكثيرين من عودة قوى العهد السابق للظهور في المشهد السياسي؛ بدعوى ان نظرية المؤامرة هي نظرية ساقطة، هو استهزاء في غير مكانه؛ ذلك أن السقوط السريع لنظام مبارك لا يعني سقوط الصف الثاني من قيادات النظام السابق، فهي ما زالت تحتل مواقعها في الهيكل التنظيمي للدولة المصرية، وهي تحارب في الخفاء باستماتة للحفاظ على مكاسبها مستخدمة كل الوسائل بلا أي وازع اخلاقي او وطني. هذه القوى تلاقت مصالحها مع مصالح قوى داخلية من مهربي السلاح ومهربي المخدرات وقوى البلطجة المنظمة التي كانت من نتائج الفساد والفقر الذي ساد في نظام مبارك، فتوحدت جهودها ومواردها في محاربة مصر 25. لكن ما يزيد الأمر خطورة هو أن هذه القوى تتلاقى مصالحها وتتكامل مع مصالح وأهداف قوى خارجية، أفجعها نجاح مصر كوسيط بعد العدوان الأخير على غزة، وعلى رأسها «اسرائيل» والقوى الاستعمارية التي تسمي نفسها الدول الديمقراطية، والتي ما أن يسقط نظام في العالم حتى تسارع إلى أن يكون لها ولثقافتها موطئ قدم مدفوعة بأطماعها الاستعمارية التي لم ولن تنساها ما بقيت. وحتى تتمكن هذه القوى من تحقيق أهدافها، فإنها تسعى لدفع البلاد الى فوضى من خلال التحريض على والسعي لانهيار مؤسسات الدولة، وضياع هيبتها، مما يؤدي في النهاية الى تعميق حالة الفساد في المجتمع المصري، ومن ثم تمكنهم من الاستمرار في نهب ثروات البلاد. وإذا كان من الطبيعي أن تسعى هذه القوى لتأجيج حالة الفوضى تحقيقا لمصالحها المشبوهة، فإنه من الغريب أن تساهم النخبة في مصر التي لا أشكك في وطنيتها في تأجيج حالة الفوضى تلك، نخبة أفزعها القوة التي أظهرها الدكتور مرسي عندما أزاح المجلس العسكري بعد أن كان الكثيرون يلقبونه ب»طيب»، وبعد النجاح الذي حققه في غزة على المستوى الإقليمي والدولي، وبعد المنهجية التي أظهرها في إدارة البلاد رغم الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها حتى من مارس الحكم لسنوات طويلة. نخبة شملت أحزابا سياسية وطنية، ومثقفين، ورجال اعلام، من خلال صحافة يقال إنها مستقلة، لكنها في معظمها بعيدة عن الاستقلالية، وقنوات فضائية خرجت عن المهنية وحتى المصداقية، وكل هؤلاء يعترضون على كل شيء وعلى أي شيء، لا يفهمون معنى الديمقراطية ولا يريدون ان يفهموا إن لم تكن الأمور في غير صالحهم، او أنهم لا يفهمون روحها ووسائل ممارستها، كل واحد منهم يريد ان يظهر ويعلو برأي حتى لو كان غريبا بداعي المشاركة لا المغالبة، وشراكة الثورة. إن ما يحدث اليوم يثير علامات استفهام وتعجب! فالأصل أن يتوحد الجميع حول هدف واحد وحيد وهو انهاء الفترة الانتقالية في اقصر وقت ليتفرغ الجميع، وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي لمهامه الأساسية في خدمة مصالح الجماهير التي كانت هي وليس غيرها وقود الثورة وسبب نجاحها. ولكن ما يحدث هو تهميش لمصالح هذه الجماهير لحساب المكاسب السياسية، استنادا إلى مفهوم مغلوط عن الحرية والديمقراطية، هذه المفاهيم التي تساهم في عرقلة كتابة وإصدار الدستور، وفي اسقاط مؤسسات الدولة. مصر اليوم منقسمة على نفسها، وليس السبب في ذلك الإعلان الدستوري، ولا الدستور، ولكن السبب أن في مصر ثلاث فئات، هذه الفئات هي: فئة الشرفاء غير العقلاء التي لا تقبل ان يرسم مستقبل مصر، الا وفق رؤيتها ومصالحها الانية الضيقة، ولو كان على حساب استقرار وأمن البلاد، وفئة العقلاء غير الشرفاء وهي بقايا أركان النظام القديم، وفئة غير الشرفاء وغير العقلاء وهؤلاء أداة تحركها تلك الفئتين. أما الفئة التي هي مصر نفسها، قلبها وروحها، وهو الشعب الذي غالبيته من ملايين البسطاء الذين سجقتهم الحياة في ظل مبارك، والذين لا يشغلهم الا لقمة العيش ومستقبل أبنائهم، أصبحت اليوم تخشى من العودة الى النفق المظلم الذي قبعت فيه سنين طويلة. فالنظام السياسي لا يستقر، والاقتصاد يتراجع، والأمن ما زال هشا، والبلاد تواجه خطر الفوضى الممنهجة. إن الحالة الانتقالية التي تعيشها مصر، رغم عبورها الى حالة شبه دستورية، يجب ان تنتهي في أسرع وقت بجهود الجميع، وإلا فالعواقب وخيمة والجميع بلا استثناء خاسرون.