موضوع "الزكاة" وتعزيز مكانتها الاقتصادية وتطوير آليات عملها وتحصيل إيراداتها وتنميتها وصرفها وفق المصارف الشرعية، باهتمام كثير من المتخصصين والباحثين والناشطين، باعتبارها رافدا اقتصاديا مهما، لم يحظ بالاهتمام المطلوب حتى اللحظة.. إذ أن تحصيلها مازال متدنيا..!! الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام وفريضة على كل مسلم، وإخراجها ضرورة وواجب ديني ووطني، غير أن الإشكال القائم في اليمن يتمثل في تدني الوعي بأهمية إخراج الزكاة، وغياب الثقة بين المكلفين والجهات الحكومية المسؤولة عن جبايتها وإنفاقها. حيث إن كثيرا من المكلفين يفضلون دفع زكاة أموالهم إلى مستحقيها مباشرة، معتبرين أن الدولة، لا تنفقها في مصارفها الشرعية المحددة, في قوله سبحانه وتعالى: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم".. الدولة ولي الأمر وفي السياق يُجمع علماء وفقهاء الإسلام أن الله سبحانه وتعالى أمر ولي الأمر بتحصيل الزكاة بقوله في كتابه العزيز: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ"، وهو أمر صريح لولي الأمر (الدولة) في كل زمان. وأوضحوا أن الزكاة حصن من حصون المسلم يحفظ بها ماله ويطهره والعكس صحيح, ويعتبرها الإسلام الطهارة والنماء والبركة، مستدلين على ذلك بآيات قرآنية وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هلك مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة". مدير عام مكتب الأوقاف والإرشاد بمحافظة عدن، الشيخ فؤاد البريهي، يقول أن مصارف الزكاة محددة شرعاً، وأن الدولة باعتبارها بيت مال المسلمين، تقوم بكل المقاصد التي شرعتها الزكاة، موضحا أن الامتناع عن إخراجها بحجة أنها لا تصل إلى مصارفها, ليست سوى وسوسات شيطانية، نتائجها خطيرة جداً. آلية قاصرة أسباب وعوامل عديدة أدت إلى تدني تحصيل الموارد الزكوية، فإلى جانب المشكلات القانونية والإدارية وأزمة الثقة بين المكلفين بأداء الزكاة والقائمين على تحصيلها، وضعف أو ندرة برامج التوعية الزكوية، وغياب الكفاءات والتأهيل والتدريب لموظفي الواجبات. أكد الشيخ فؤاد البريهي، أن من أسباب تهرب بعض التجار عن دفع زكاة أموالهم، غياب الوعي الديني والوعي الشرعي بأبعاده المختلفة لدى بعض التجار، وعدم وجود التشريعات الجنائية والإجراءات العقابية الصارمة والقوية، فضلا عن أن الآلية المعمول بها حاليا لتحصيل الموارد الزكوية ضعيفة وقاصرة وغير فعالة، وآلية خطيرة في نفس الوقت، لأن فيها اختلال بعقيدة المسلم، حد قوله. وأضاف البريهي: "الإجراءات العقابية القائمة تساعد على التهرب من دفع الواجبات، رؤوس الأموال في اليمن مفاهيمهم الدينية والوطنية مختلة، والتاجر الذي يتهرب من دفع الواجبات الزكوية، هو قليل الأمانة مختل في العقيدة عديم الوطنية، باعتباره يتهرب من أحد أركان الإسلام". ويرى مدير عام الأوقاف والإرشاد بعدن، فؤاد البريهي، أن أحد أهم أسباب التهرب هو عدم وجود إليه مشتركة بين الجهات الحكومية المختصة بالموارد الاقتصادية، والتي يفترض أن تتوفر لديها معايير لتقييم رأس المال لهذا التاجر أو ذاك، وينبني عليها تحديد الأوعية المالية بما فيها الزكاة والضرائب. "يجب أن يوجد تكامل بين مختلف الجهات، فحاليا يتم تقدير رأس مال التجار (بشكل تقريبي) ويبنى على ذلك مقدار الزكاة الواجبة، وهذه مشكلة كبرى وتعطي مساحة للفساد"، يقول البريهي. عدم تطور فقه الزكاة وتؤكد دراسات اقتصادية وأبحاث علمية حديثة، متاحة على شبكة الإنترنت، أن للزكاة دور هام ومساهمة فاعلة في معالجة الكثير من المشاكل الاقتصادية في دول العالم الإسلامي، وأن لها تأثير على الاستثمارات وتحريك العملية الإنتاجية نحو النمو والازدهار كما تساعد على الاستقرار الاقتصادي من خلال البيئة الاجتماعية التي توجدها. ويجمع اقتصاديين وعلماء وفقهاء الإسلام على أن الزكاة تمثل المرتكز الأساسي للتنمية الاقتصادية من خلال ما تقدمه من حلول للكثير من المشاكل أبرزها البطالة والفقر والكوارث والديون التي عجزت الضرائب وغيرها من الوسائل المالية عن علاجها. ومع ذلك كانت نسبة المساهمة للزكاة في تلبية الحاجة الاقتصادية والاجتماعية في اليمن متواضعة خلال السنوات الماضية، بحسب رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر. وأرجع مصطفى نصر أسباب ذلك إلى عدم توفر رؤية استراتيجية واضحة أو آليات شفافة وكفؤة لدى الحكومة في الجباية والتحصيل والإنفاق، ما أدى إلى حالة من التخبط في التعامل معها، وفقدان الثقة بين أصحاب المال والجهات المعنية بالجباية والإنفاق، فضلا عن عدم تطور فقه الزكاة بصورة كبيرة. موزونة من الرب ووفقا للشيخ فؤاد البريهي فإن ما يتم تحصيله لا يتجاوز 15 أو 20 بالمائة تقريبا من الموارد الحقيقية للزكاة، "إذا تم تحصيل الزكاة وفقا للشرع لكونت الرقم الأكبر في الموازنة العامة للدولة، ولغطت اكثر الفجوات التي نتحدث عنها، لأنها موزونة من الرب سبحانه وتعالى، وتعالج الاختلالات الناتجة عن تكون رأس المال بين الطبقات الغنية والفقيرة، وتسد الثغرات الناتجة عن وجود العلاقات التمددية والانكماشية بين هذه الطبقات"، يقول الشيخ فؤاد البريهي. وضع الإسقاطات الحقيقية منذ سنوات تتحدث الحكومة اليمنية عن دراسات ومعالجات للإشكاليات القائمة، غير أنها لم ترى النور بعد، بينما النهوض بواقع إدارة وتنمية الزكاة، بات أمراً ضرورياً. وفي السياق، طالب الشيخ فؤاد البريهي، بضرورة أن يعي الجميع بأن الزكاة مسألة دينية وتعبدية قبل أن تكون حقا ماليا أو اقتصاديا للدولة, وأن ترتقي الجهة المعنية بتحصيل الواجبات الزكوية في أدائها, فضلا عن وضع الإسقاطات الحقيقية للأوعية الزكوية، باعتبار الزكاة الوعاء الشامل لتحصيل الموارد الاقتصادية الكاملة. يضيف: "المسوحات المعتمدة غير كافية وناقصة، وندعو الجهات المختصة والأكاديميين إلى وضع هذا الأمر بالاعتبار، فالأخطر أن الزكاة ليست مسألة اقتصادية فحسب، وإنما مسألة عقائدية دينية، وينبني على عدم قيام الدولة بوضع الأليات المناسبة اختلال في الجانب العقائدي المتمثل بركن من أركان الإسلام، وتخيل عندما يحدث هذا الاختلال ما الذي يمكن أن يحصل". وأضاف البريهي: "دور وزارة الأوقاف والإرشاد ومكاتبها في المحافظات حاليا هو ثانوي يتمثل في توعية الناس بضرورة دفع الزكاة، بينما يفترض أن تكون إدارة الواجبات الزكوية ضمن وزارة الأوقاف، وليس كما هو قائم، لكي نضع المعالجات وتتحول قضية الزكاة في خطابات ودروس وبرامج وزارة الأوقاف إلى قضية جوهرية وأساسية على مدى العام وليس موسميا فقط". مؤتمر الحوار وهيئة مستقلة من جهته أكد المتخصص الاقتصادي، مصطفى نصر، أن الرؤية المقدمة إلى مؤتمر الحوار الوطني، بخصوص إنشاء مؤسسة أو هيئة مستقلة خاصة بالزكاة، تشكل مدخلا مهما يمكن البناء عليه في تطوير هذا الجانب موردا وإنفاقا. وكان فريق استقلالية الهيئات ذات الخصوصية، المنبثق عن مؤتمر الحوار الوطني الشامل، تبنى مقترح إنشاء هيئة مستقلة، تعنى بجمع وتحصيل أموال الزكاة، وتضمن عدم اختلاطها ببقية الموارد الأخرى، وصرفها بفعالية وشفافية وفق المصارف الحقيقية. وشدد الفريق على ضرورة أن تتمتع هذه الهيئة الرسمية باستقلالية تامة وإجراءات واضحة وشفافة للتعيين بموجب الأحكام العامة التي خرج بها الفريق، معتبرا أن من شأن الهيئة تعزيز ثقة المجتمع بها. ونقلت وسائل إعلامية عن رئيس الفريق عضو مؤتمر الحوار الوطني الدكتور معين عبدالملك، قوله أن الفريق يدرس مجموعة من مشاريع القوانين المقدمة من قبل خبراء وقانونيين وجمعيات ومنظمات مدنية بهذا الخصوص، وأنه من المقرر أن يخرج الفريق بعد استكماله دراسة هذه المشاريع ببعض الموجهات للقوانين المنظمة لهذه الهيئة، وبما يخدم أدائها وفاعليتها، ويحقق أهدافها النبيلة. وأضاف: "الدور المتبقي سيكون على الخبراء القانونيين في صياغة القوانين المنظمة لعمل الهيئة ودورها في مركز الدولة وكافة المحافظات أو الأقاليم اليمنية مستقبلاً".