في أي شهر نحن وفي أي موسم زراعي؟ وما علاقتنا بالصيف والمطر وورد الربيع؟ لقد كان للصيف معنى ومغنى في حياة اليمنيين، فهو موسم "الخير" والحياة و"الحبوب". وكانت فرحة اليمني تسبق فرحة الأرض والطير والنبات لقدوم غيث السماء وأمزان "مبكر" و"نيسان". ولليمنيين مخزون هائل وجميل من أغاني البهجة وأناشيد الفرحة و"مهاجل" الصيف وقدوم "الخير" وموسم الزراعة والعمل، ويتغزلون بريح الشمال "ويناغون" الزرع كما تناغي "الأم رضيعها". يحسبون بدقة موعد الغيث الهاطل ويصادقون نجوماً تخبرهم بقدوم المحبوب وتتكدر حياتهم لتأخره. يخلّصون الأرض من الحشائش ويزينونها ويتعهدون المدرجات كأغلى ما يملكون، ويعتبرون "الثور" رأس المال والأب الحنون. إنه الصيف.. موسم "الخير" الذي كان اليمنيون أيام زمان يعتمدون عليه في لقمة عيشهم وكرامتهم، ينتزعونها بسواعدهم من أمهم الأرض. وفي "الخير" يقضون ديونهم ويتزوجون ويقيمون من "خيره" الأفراح والليالي الملاح. وفي "الصيف" يتجه الجميع للوادي والجبل والسائلة السواقي والاهواب، لا عاطل فيهم ولا باطل، وقمة السعادة عندما ترسل السماء أمزانها بيضاء مسربلة تصافح الجبال وتروي الوديان والروابي، عندها ينطلق صوت الرعوي مبتهجاً: "الريح يضرب والسحاب تجلب والوادي شرب، وتصدح شبابة الراعي "تراقص الأغصان وتغني للأغنام واليمام ونسيم "نيسان"، فما الذي جرى حتى صرنا وكأنه لم يعد لنا ريح ولا وادي ولا سحاب تجلب ولا ورد ولا ريحان! خربنا الزراعة ولم نفلح في الصناعة، أقفلنا "المعلامة والكتاتيب"، واستبدلناها بتعليم "ابن حرام" يعلم الغش ويصنع الأمنية ويمجد الجهل. خاصمنا الزراعة وتحولنا إلى "شحاتين" ننتظر طاحونة الشعراني و"بر" الخواجة. مع أننا نمتلك أرضاً كريمة تكفينا ومن حولنا. بعثرنا بالثروة في القال والقيل والسيارات والمياه الغازية و"بئر معطلة وقصر مشيد".
لقد خاصمنا الأرض والعمل ولم يعد زهر نيسان يعيرنا اهتماماً. لقد تحولنا إلى بشر من "عاج" نكاد ننقرض ونمشي إلى الموت ونحن نرقع العلم الجمهوري والنشيد الوطني، "عافيتك يا فندم"، أهلكنا البر والبحر وأولياء أمورنا يتحدثون عن خطط تنموية مفادها تحذير الغرباء وإعلامهم بأننا "سنموت" "الجماعة شموتوا جوع" ولكي تكتمل المهزلة يرفعون أصواتهم، الجماعة شموتوا.. ومن أنذر فقد أعذر! ويلمع البرق ويرعد الرعد وتبكي السحاب عليك يا روابي اليمن و"أرياس" الدخن والذرة "المنزلة"؟!