بمشاركة عدد من السفراء والباحثين والمسؤلين الحكوميين وقيادات الأحزاب، افتتح صباح اليوم الاثنين أعمال المؤتمر الاقتصادي اليمني (اليمن.. الاقتصاد.. المستقبل)،الذي ينظمه المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية على مدى ثلاثة أيام. وقال مدير المركز الدكتور محمد الأفندي ان انعقاد هذا المؤتمر يأتي في ظل احتفالات الشعب اليمني ا بأعياد الثورة اليمنية، والتي كان من أحد أهدافها رفع مستوى الشعب اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وأضاف " أن المؤتمر يأتي ضمن اهتمام المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية بالقضية الاقتصادية في ظل ظروف بالغة الحساسية تتصاعد فيها التحديات والمشكلات الاقتصادية التي تواجه اليمن، وهي تحديات تمثل نتيجة وسببا في آن واحد للتحديات والمشكلات السياسية والاجتماعية".
وتابع " إن التحديات والمشكلات الاقتصادية لا تقل شأنا عن قضايا ومشكلات بلادنا السياسية والاجتماعية والأمنية. ان نقطة البداية في التعامل مع الشأن الاقتصادي لا يتم من خلال التهوين منها أو الإفراط في النظرة التشاؤمية. فالتهوين خداع لأمانة المسئولية والإفراط في التشاؤم حجب لحقيقة المشكلات، كلا الأمرين مضر بمنهج التعامل الصحيح في حل مشكلات اليمن".
وطالب الإفندي الأحزاب التي تشارك في الحوار الوطني الشامل العمل بفاعله والصدق والجدية للوصول إلى رؤية جامعة ثاقبة توحد اليمنيين في تشخيصهم للاتجاهات الأساسية لمشكلاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسبل مواجهة هذه التحديات والمشكلات.
وفي جلسة العمل الأولى محور القطاعات الاقتصادية التي قدمها الدكتور ناصر العولقي وزير الزراعة السابق في ورقته حول القطاع الزراعي والسياسات الزراعية في اليمن.. التحديات والفرص، قال أن قطاع الزراعة يعد من القطاعات الرئيسية المكونة للاقتصاد الوطني ويساهم بنسبة 17.4% من إجمالي الناتج المحلي.
وأوضحت الورقة أن من أهم المؤشرات على تفاقم أزمة الغذاء في اليمن، تتمثل في الانخفاض المستمر في نسب الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية، واختلال التوازن بين الصادرات والواردات الزراعية، وانخفاض المستوى الغذائي للمواطنين.
وتصل نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 7.8% فقط، فيما يعتمد اليمن على استيراد الأرز، وقد ارتفعت قيمة الواردات الزراعية من حوالي 40 مليون دولار في منتصف السبعينات ووصلت إلى حوالي 2.3 مليار دولار عام 2009، وأما الصادرات الزراعية فلا تشكل إلا نسبة بسيطة من قيمة الواردات الزراعية.حسب ما ذكرته الورقة.
وأشار العولقي في ورقته إلى عدد من الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الزراعية في اليمن على مدى السنوات الماضية، وهو عدم إعطاء الاهتمام اللازم لأهم التحديات التي تواجه القطاع الزراعي في اليمن، أي التوسع الكبير في زراعة القات واستنزاف المياه الجوفية لصالح القات والمنتجات الأخرى من الفواكه والخضراوات.
فيما ركزت الورقة الثانية التي قدمها وزير النفط الأسبق الدكتور رشيد صالح بارباع عن (تقييم المؤشرات الإنتاجية للنفط والغاز في اليمن)، ركزت على التحديات التي تجابه العمل البترولي في اليمن، كاجتماعية وأمنية مثل تفجير خطوط الأنابيب، والاختطافات ومنع الشركات ومقاوليها عن العمل.
وتحدث عن تحديات إدارية أخرى تتمثل في عدم وجود إستراتجية وطنية واضحة للترويج، وعدم وجود أطر زمنية للمصادقة على الاتفاقيات الموقعة بالأحرف الأولى، وقصور في إدارة العمليات البترولية، فضلاً عن عدم نضج البناء المؤسسي لإدارة مختلف الأنشطة البترولية، إضافة ازدواجية الصلاحيات وعدم التنسيق بين الجهات المختلفة المعنية بتنفيذ الاتفاقيات والذي ينتج أحيانا عدم معرفة عميقة لطبيعة الاتفاقيات الصادرة بقانون ذي طبيعة خاصة.
وأشار بارباع إلى إن "عدم اتخاذ القرارات في الوقت المناسب والمتابعة المستمرة في التنفيذ وذلك بسبب ضعف العمل المؤسسي والتدخلات والخوف من التشكيك بنوايا صاحب القرار، وضعف الاهتمام بالبحث والتطوير وبناءا لكادر والقدرات المؤسسية والفنية لمواكبة ومراقبة العمليات ساهمت في بروز هذه التحديات".
وكشف بارباع في ورقته عن امتلاك اليمن إثنا عشر حوضا رسوبيا ذات أعمار جيولوجية مختلفة من أوليجوسين- ميوسين (25 الى 5 مليون سنة) مرورا بالجوراسيك- كريتاسي (155 إلى 70 مليون سنة) إلي الباليازويك (570 إلى 220 ملبون سنة).
وقال " الدراسات الجيولوجية تشير أن النظام البترولي يتواجد في بعض الأحواض الرسوبية الأخرى إلا أن حجم الأعمال الاستكشافية مازالت غير كافية للوصول إلى اكتشاف حقول بترولية وتحول تلك الأحواض إلى أحواض نقطية مثل حوض تهامة في البحر الأحمر".
وأشارت ورقة وزير النفط الأسبق إلى عوامل الجذب التي تملكها اليمن في القطاع النفطي تكمن في انتشار النظام البترولي الواسع في كثير من الأحواض الرسوبية البرية والبحرية، ووجود نسبة إيجابية حفر الآبار الاستكشافية إلى العدد الكلي من الآبار الاستكشافية المحفورة، وكذا الاكتشافات الجديدة للنفط الخفيف والغاز معاً في الشقوق الدقيقة لصخور الأساس الصلبة والواسعة الانتشار والتي تعتبر ظاهرة غير معهودة على مستوى الشرق الأوسط حيث يمكن اعتبارها هدف استكشافي ثانوي على اقل تقدير.
من جانبه اعتبر الباحث نبيل محمد الطيري مشكلة الكهرباء أحد المشاكل التي تواجه الاقتصاد اليمني، لما قال أن لها آثار وتداعيات على مستوى رفاهية وحيوية المجتمع، وكذلك لما لها من آثار سلبية على القطاعات الإنتاجية والصناعية ومن ثم على النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن. وذلك في الورقة التي قدمها للمؤتمر تحت عنوان (واقع مستقبل وقطاع الكهرباء في الجمهورية اليمنية).
وجاء في الورقة أن نسبة التغطية من الطاقة الكهربائية لسكان الجمهورية شهدت ارتفاعاً طفيفاً من 39.2% عام 2007 إلى 43.4% عام 2009، حيث تظهر البيانات أن أعلى نسبة تغطية للكهرباء عام 2010 كانت في محافظة عدن بنسبة 125%، ثم محافظة حضرموت بنسبة 84%، ثم أمانة العاصمة وريفها بنسبة 71%، وقد بلغ متوسط نصيب الفرد اليمني من الكهرباء 202 كيلو وات ساعة (ك.و.س) عام 2007 ويعتبر من أدنى المعدلات بالمقارنة مع العديد من الدول العربية والعالم".
وعزت الورقة سبب العجز في توليد الطاقة الكهربائية إلى ضعف سياسات التوليد، واختلال سياسات الإنفاق الاستثماري لنظام التوليد وعدم توازنها وقلة كفايتها، وتناقص القدرات المتاحة بسبب القدم وانتهاء العمر الافتراضي للمحطات الرئيسة، بالإضافة إلى التوسع في مشاريع التوزيع الذي تسبب في الضغط على تحميل المنظومة، ومحدودية الاستثمارات المخصصة لمشاريع التوسع في إنشاء قدرات توليدية جديدة.
وقال الباحث الطيري أن "الدعم الحكومي المقدم لقطاع الكهرباء حوالي 0.33% من إجمالي النفقات العامة للدولة عام 2009، وهو ما يمكن تفسير ارتفاع العجز عام 2008 نتيجة ارتفاع الفاقد في الطاقة الكهربائية والذي يبلغ تكلفته حوالي 8 مليار ريال وارتفاع المديونية إلى 13 مليار ريال، وهذا يبين سبب ارتفاع متوسط كلفة الوحدة المباعة".
وفي المداخلات التي تلت الجلسة الأولى طالب محمد صالح قرعة مجلس النواب والوزراء إلى محاسبة مؤسسة الكهرباء على الفساد الذي يحدث فيها، وقال "بلغت خسائر المؤسسة 24 مليار ريال وهذا ما يجب الوقوف عنده ومحاسبة المسؤولين عن ذلك".
وانتقد قرعة سياسة خصخصة الكهرباء التي تنوي الدولة انتهاجها وقال "ستأتي الخصخصة للوطن بخسارة اقتصادية وسياسية وأمنية وسيعاني منها المواطن، وإذا تم تخصيص الكهرباء سيكون بداية لتشجيع المتنفذين لزيادة أموالهم".
من جانبه اعتبر عضو مجلس النواب علي عبده ربه العواضي الدعم السياسي والمالي الذي تقدمه الدول المانحه لليمن، طريقة لتغطية الأموال المنهوبة من خيرات الوطن، قائلاً "لو استخدمنا للدعم لما احتجنا للموارد الموجودة، وبنفس الوقت لو استخدمنا الموارد المنهوبة لما احتجنا للدعم"، مشيراً إلى أن اليمن بحاجة ماسة إلى ثلاثة أضعاف للكهرباء الموجودة حالياً لتغطية العجز الموجود.
واتهم العواضي صندوق دعم المزارع بالفساد، مؤكداً قيام الصندوق بدعم "مسئول رأس ماله المليارات بمبلغ 60 مليون ريال لإنشاء مشروع"، مؤكداً أن هناك العديد من الجمعيات تنشئ من أجل الحصول على الدعم.
"النفط نقمه ولعنة على اليمن"، هكذا بدء علي العمراني عضو مجلس النواب مداخلته، متمنياً بقاء النفط تحت الأرض "حتى يكون نعمة لليمنيين ويزول الفساد الموجود في المؤسسات الحكومية".
وأضاف " النفط يذهب إلى جيوب المتنفذين، وقطاع النفط لو استغل بطريقة صحيحة لما احتجنا للقطاعات الأخرى ولا للدعومات الخارجية".
وقال أن التحديات التي واجهت الزراعة في اليمن تزداد فيما الفرص بدأت بالضياع بسبب السياسات الخاطئة، لافتاً إلى أن اليمن "بالإمكان أن تعرف أنها بلد زراعي لماضيها القديم فقط"، معقباً على ورقة الدكتور العولقي بقوله "قبل 23 عام قدم العولقي محاضرة لم تختلف الكثير من التحديات التي أشار إليها في الماضي وذكرها اليوم".
من جهته، استغرب الدكتور محمد جبران بقاء اسم البنك الزراعي على CAK BANK، قائلاً "هذا البنك تحول من بنك زراعي كان يدعم المزارعين من 13-14 مليار ريال سنويا، تحول لبنك تجاري يدعم المزارعين سنوياً بمبلغ 600 مليون ريال فقط"، فيما قال أن البنك التجاري تحول إلى بنك "لتوزيع المنح والهدايا".
أما حسن أحمد فقد طالب بالشفافية في الإيرادات العامة للدولة لمعرفة المصاريف العامة يحول دون تحولها لأيدي الفاسدين، مشيراً إلى أن من الأسباب التي أدت إلى التدهور الاقتصادي في اليمن يتمثل ب"تعاطي القات بحيث يصبح عدد الساعات المهدورة 21 مليون ساعة يومياً".
وفي الجلسة الثانية محور (السياسات المالية النقدية)، تحدث الدكتور سيف العسلي وزير المالية السابق عن (سياسات الإنفاق العام)، وقال إن إصلاح المالية العامة في اليمن مرتبط بشكل كبير بالإصلاحات المطلوبة في كل من الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية في اليمن. إذ إنه لا يمكن عمل شيء في إصلاح المالية العامة في اليمن بدون إصلاح الوظائف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة في اليمن.
وأكد العسلي أن سبب فشل برامج إصلاح المالية العامة في اليمن والتي بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي، يعود وبشكل أساسي لعدم السعي لإحداث إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي حقيقي. وقال "الإصلاح المالي ركز على الجوانب الفنية فقط، ولذلك فإنه لضمان نجاح أي إصلاح مالي في المستقبل فإنه لا بد من ربطه بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المناسبة".
وأوضح العسلي ان النفقات الجارية تمثل النسبة الأكبر بين مكونات النفقات العامة في اليمن، وبنسبة تصل إلى أكثر من 90% من إجمالي النفقات في عام 2008. وتمثل النفقات على المرتبات والأجور نسبة كبيرة تصل في المتوسط إلى أكثر 30% من إجمالي النفقات العامة، وما يقرب من 50% من النفقات الجارية.
وتابع حديثه بالقول "بالرغم من هذه النسبة الكبيرة للنفقات على القوى البشرية، إلا أنها لا تشير إلى تحسن في مستوى الخدمات العامة. ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب أهمها: التضخم الكبير في حجم القوى البشرية، والازدواج الوظيفي، ومقاومة التقاعد، كما لا يوجد أي تناسب بين النفقات على المرتبات والأجور والإنفاق على المواد المساعدة. فقد كانت النفقات المساعدة في عام 2006 تمثل 11% من إجمالي النفقات العامة، ثم انخفضت إلى أقل من 7% في عام 2008. وكذلك الحال بالنسبة للنفقات الرأسمالية التي ظلت ثابتة عند 19% من النفقات العامة خلال الفترة من 2006 وإلى 2008".
وأوضح العسلي أن الدستور اليمني والقوانين اعتمدت الرقابة السابقة، والرقابة المصاحبة، والرقابة اللاحقة، إلا أن ما يتم في الواقع هو "ضعف كل هذه الأنواع من الرقابات. وربما يرجع ذلك إلى تداخل أدوار الجهات المنوط بها عملية الرقابة وضعف الحوافز لها".
كما تطرق الدكتور محمد علي فرحان إلى أذون الخزانة وبدائلها، فيما قدم الباحث علي الوافي ورقته للمؤتمر حول السياسات الضريبية، والباحث منصور البشيري ورقة حول الإيرادات غير الضريبية.