في هذه الحلقة ننشر وثيقتين من الوثائق السرية الأمريكية؛ الأولى صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 1970، والثانية صادرة عن مكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية الأمريكية عام 1972. تتناول الأولى، وهي عبارة عن نقاش دار بين مسؤول في الخارجية الامريكية مع عدد من الدبلوماسيين الأتراك؛ الأوضاع في شبه الجزيرة العربية، خصوصاً ما يتعلق بآثار الحرب الملكية الجمهورية، والوضع الداخلي في اليمن والسعودية والخليج بشكل عام. فيما تتناول الوثيقة الثانية الحرب بين الجمهورية العربية اليمنية واليمن الديمقراطية.
وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية مذكرة حوار الموضوع/ شبه الجزيرة العربية نسخ من المذكرة موجهة إلى البعثات الدبلوماسية الأمريكية المشاركون من الحوار: أنقرة، جدة، الكويت، الظهران، وصنعاء السيد/ فاهر ألاكم المدير العام لإدارة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية التركية. السيد/ ريسات آريم مستشار في السفارة التركية. السيد/ ريتشارد ميرفي مدير العلاقات في السفارة والسيد بروكس دامبلمير التاريخ/11 مايو 1970م
اليمن: علق السيد ميرفي لدى إشارته إلى الجهود التي تبذلها الحكومة الأمريكية منذ عام يهدف إلى إقناع السعودية في التوصل إلى تسوية مع حكومة الجمهورية العربية اليمنية علق بالقول إن السعوديين يرفضون التخلي عن دعمهم للملكيين. فالوضع في اليمن في حالة توتر بعد سبع سنوات من الحرب الأهلية وخصوصاً عندما قام رئيس الوزراء ووزير الخارجية بزيارة جدة في مارس 1970م لحضور مؤتمر وزراء الخارجية في الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي.
حيث أخذ العيني انطباعاً جيداً عن السعوديين فقد أدت المحادثات التي أجراها مع الملكيين والسفارة السعودية إلى التوصل إلى اتفاقية وقف إطلاق النار كما تمخضت أيضاً عن تعيين محافظين معتدلين في المناطق الحدودية كما أدت إلى عودة دعم الملكيين لليمن فيما يتعلق بالمشاركة في الحياة السياسية في البلاد. ففي 26 أبريل وجه راديو صنعاء نداءً للملكيين يطالبهم بالعودة إلى البلاد. حيث يبدو أن التقدم الذي أحرزه الملكيون والجمهوريون في تحقيق المصالحة قد شجع السعوديين.
وفيما يتعلق بالوضع الداخلي أشار السيد ميرفي إلى أن اليمن تعيش وضعاً سيئاً حيث أن مسؤولاً تركياً زار اليمن مؤخراً ورسم لنا صورة كئيبة عن وضع الاقتصاد اليمني. ونحن نأمل أن تقوم منظمة مثل صندوق النقد الدولي بأخذ زمام المبادرة فيما يتعلق بتنسيق عملية تقديم دعم متعدد الجوانب لليمن حيث أدى قطع العلاقات الدبلوماسية بين اليمن وأمريكا إلى توقف الدعم الأمريكي لليمن. ويحتمل أن تقوم ألمانيا الغربية وإيطاليا وكذلك صندوق النقد الكويتي بتقديم الدعم لليمن. وتحدث ميرفي عن تقارير رصدت مؤخراً حول وجود ضغوط اقتصادية شديدة يمارسها الاتحاد السوفيتي على حكومة الجمهورية العربية اليمنية من أجل التوقف عن سياستها الهادفة إلى التخلي عن جهودها الرامية إلى تأسيس علاقات دبلوماسية أفضل مع الغرب والمملكة العربية السعودية.
من جانبه قال السيد ألاكم أن المعلومات الواردة أعلى تنسجم مع التقارير الصادرة عن الحكومة التركية وأضاف أنه رغم أن الحكومة التركية لا تعترف بحكومة الجمهورية العربية اليمنية إلا أنها تتعاطف معها بسبب المشاكل التي تعاني منها. وقد حضر السيد ألاكم بنفسه قمة الرباط الإسلامية وكذلك مؤتمر وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وكان على اطلاع بالاتصالات التي كانت تجري بين اليمن والسعودية أثناء تلك المناسبتين.
كما أنه كان يدرك أنه بمجرد تحقيق المصالحة الوطنية وقيام السعودية بالاعتراف بحكومة الجمهورية العربية اليمنية فإنه يمكن أن تقوم حكومة المملكة بتقديم مبلغ يتراوح بين 8-10 مليون دولار كدعم لليمن. علاوة على ذلك فإن المسؤولين الأتراك مطلعون على التقارير التي تفيد أن دولاً عربية أخرى كانت تشجع حكومة الجمهورية العربية اليمنية على عدم الالتزام بالاتفاقية التي تم التوصل إليها في جدة.
وكان السيد ألاكم يعتقد شخصياً على أن الغرب يجب أن يكون قلقاً من هذا الوضع. وأشار إلى أن الأتراك أجروا مباحثات غير رسمية مع السفير السعودي في أنقرة الذي أكد بأن الحكومة السعودية لا تريد أن تقوم الدول الغربية بإقامة علاقات دبلوماسية مع الجمهورية العربية اليمنية قبل تشكيل حكومة ائتلاف هناك. وبناءً عليه فإن الأتراك لا يعتزمون حالياً القيام بأي مبادرة تجاه اليمن. لكن السيد ألاكم كشف أن الحكومة التركية لم ترد بشكل سلبي على طلبات السفير اليمني المتجول أحمد محمد نعمان وكذلك الطلبات المقدمة من قبل مصادر جمهورية في اليونان بخصوص زيارة أنقرة. ولكن اليمنيين لم يقوموا حتى الآن بأية جهود لمتابعة تنفيذ تلك الطلبات.
ومضى السيد ألاكم في القول: إذا ترك الوضع الحالي ليأخذ مجراه الطبيعي فإن وضع حكومة العيني سوف يكون غير مستقر. وذكر السيد ميرفي بأن العروض المقدمة من قبل العراق وليبيا لتقديم مبلغ ثمانية ملايين جنية استرليني والتي تم سحبها مؤخراً كانت مجرد وعود وليس معونات حقيقية بحيث يمكن للاقتصاد اليمني الاعتماد عليها. وقال بأن الحكومة الأمريكية لم تقم بعد باتخاذ قرارات حازمة فيما يتعلق بتقديم دعم لليمن وذلك إذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وكذلك القيود المفروضة على الموازنة الأمريكية من شأنها أن تجعل فرص تقديم دعم كبير لليمن ضعيفة. ونحن نرى أنما يمكن أن نقوم به حالياً هو أن نقوم بمساعدة اليمن في الحصول على دعم من صندوق النقد الدولي.
وشاطر ميرفي السيد ألاكم الرأي على أنه يبدو أن مساعدة النظام الحالي في اليمن من شأنها أن تساهم في خدمة المصالح الغربية وأن أغلب الحكومات التي تمت مخاطبتها حول هذه القضية كانت متعاطفة مع اليمن لكن أساليب تقديم الدعم لبلد كاليمن يجب أن تدرس بعناية. وقال السيد ألاكم إن المعلومات المتوفرة حالياً لدى الحكومة التركية حول اليمن والتي تم الحصول عليها من مصادر في السعودية كانت غير محايدة، وتساءل حول إمكانية قيام وزارة الخارجية بعمل ترتيبات معينة من خلال سفارتها في أنقرة لغرض تزويده بالمعلومات التي يتم الحصول عليها من قسم المصالح الأمريكية الذي تم إنشاؤه حديثاً في صنعاء حيث أن من شأن تلك المعلومات أن تجعل التطورات التي تحصل في اليمن أكثر وضوحاً. وقد وافق ميرفي على هذا الطرح لكنه قال إنه لا يجب أن نتوقع الحصول على معلومات موسعة أو تقارير تفصيلية إذا تم الأخذ بعين الاعتبار قلة عدد موظفي قسم المصالح في اليمن.
الخليج الفارسي: ثم سأل السيد ألاكم عن اجتماع مجلس الأمن الذي عقد عصر ذلك اليوم لمناقشة موضوع البحرين. وأوضح السيد ميرفي أنه رغم التحفظات السوفيتية على مبادرة الأممالمتحدة والحكومة السورية التي تنص على إرسال السفير وينسبير كويبرك سياردي إلى البحرين فإنه كان من غير المتوقع أن يعترض الاتحاد السوفيتي على القرار. ورأى السيد ألاكم أنه ما دام وأن المزاعم الإيرانية بالسيادة على البحرين تعتبر غريبة فإن النزاعات الرئيسية بين حكام الخليج سوف تصبح علنية بشكل أكبر. ثم سأل ألاكم السيد ميرفي عن تقييمه للسياسة البريطانية تجاه الخليج في ضوء تصريحات حزب المحافظين حول إلغاء قرار حكومة حزب العمل المتعلق بالانسحاب من شرق قناة السويس، حيث كان يشعر شخصياً بأن المحافظين إذا تولوا السلطة فإنه سيكون من الصعب عليهم إلغاء قرار الانسحاب. وقد وافق السيد ميرفي على هذا الطرح مشيراً إلى أن شاه إيران اعترض على وجود أي قوة عظمى في الخليج وأن الملك فيصل سوف يكون محرجاً إذا حاول البريطانيون البقاء.
وبينما عبرت الحكومة الأمريكية عن أسفها للقرار البريطاني الذي ينص على الانسحاب فإنه أصبح الآن من غير الممكن التراجع عن تنفيذ ذلك القرار. وعندما سأل السيد ميرفي عما إذا كان يرى أن الدور الأمريكي يتنامى في منطقة الخليج أجاب بالقول إن الأمريكان لا يرغبون أن يحلوا محل البريطانيين هناك. ثم لفت انتباه السيد ألاكم إلى تصريحات وكيل وزير الخارجية التي أدلى بها في طهران بعد عقد مؤتمر رؤوساء البعثات الدبلوماسية.
وقال السيد ألاكم إن تركيا علمت أن إيران والسعودية قد توصلنا إلى اتفاقية حول مزاعم شاه إيران بملكية بلاده لجزر طنب وأبي موسى. ومن الواضح أن الشاه غير مستعد لقبول أي اعتراض على مزاعمه بالسيادة على تلك الجزر ذات الكثافة السكانية الضئيلة. ولكن السيد ميرفي قال إنه ليس لديه أي معلومات حول الاتفاقية السعودية الإيرانية المتعلقة بجزر طنب وأبي موسى ولكنه يعتقد أن الملك فيصل سوف يكون مضطراً لدعم أي مزاعم عربية بملكية الجزر.
جنوب اليمن: لا تتوافر أية معلومات لدى الحكومتين التركية والأمريكية حول التطورات الحالية في جمهورية اليمن الديمقراطية وقد علق السيد ميرفي بالقول إن قيادة اليمن الديمقراطية يسيطر عليها الماركسيون الذين يحملون أيديولوجية محرجة أحياناً حتى للاتحاد السوفيتي.
المملكة العربية السعودية: طلب السيد ألاكم من السيد ميرفي أن يقوم بتقييم الوضع الأمني الداخلي في السعودية، فأجاب ميرفي بأن هذا الموضوع يعتبر حساساً جداً وأن الحكومة السعودية لا تقوم بتبادل أي معلومات تتعلق بهذا الشأن مع الحكومة الأمريكية. وبالتالي فإن السيد ميرفي لا يستطيع تأكيد مدى جدية المؤامرات المزعومة ضد النظام السعودي والتي أدت إلى موجة الاعتقالات التي حدثت في يونيو 1969. وقال إنه لم يكن هناك أي تهديد للعائلة الملكية في السنوات الأربع الماضية. أما اليوم فإنه يعتقد أن الوحدة والتلاحم بين إخوة الملك فيصل لم تكن بالمستوى المطلوب بحيث تضمن التوصل بشكل سريع إلى اتفاقية حول الخلافة على العرش في حالة وفاة الملك فيصل بشكل مفاجئ.
وعبر السيد ألاكم في الأخير عن أمله في أن يتم تبادل المعلومات بشكل أفضل بين الحكومة التركية وسفارتنا.
وثيقة صادرة عن مكتب الاستخبارات والبحوث في وزارة الخارجية الأمريكية التاريخ/5 أكتوبر 1972م الجمهورية العربية اليمنية واليمن الديمقراطية: متى لا تكون الحرب حرباً؟
في 18 سبتمبر هاجم متمردون ينتمون إلى اليمن الديمقراطية، ويعيشون في الجمهورية العربية اليمنية، مواقع تقع بالقرب من قرية سناح الواقعة على الحدود بين اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية. وقد استمر القتال في الأسبوع التالي، وفي 1 أكتوبر قامت قوة من اليمن الديمقراطية بهجوم مضاد، واستولت على مدينة قعطبة الحدودية، وعلى الرغم من أن قوات اليمن الديمقراطية كانت قد استولت على تلك المدينة بسهولة، إضافة إلى نجاحها في صد أي محاولات من قبل الجمهورية العربية اليمنية لاستعادة السيطرة عليها، إلا أن تلك القوات انسحبت من المدينة اليوم التالي.
ويبدو أن حكومة اليمن الديمقراطية كانت تتوجس خيفة من أن خسارة الجمهورية العربية اليمنية لمدينة قعطبة ربما يمكن صقور الحرب في حكومة الجمهورية العربية اليمنية من السيطرة على الرئيس الإرياني ورئيس الوزراء العيني اللذين يعدان أكثر براجماتية وذلك من خلال الدعوة لخوض حرب شاملة. ورغم أن اليمن الديمقراطية متفوقة عسكرياً على الجمهورية العربية اليمنية، إلا أن كلا الطرفين لا يرغبان الدخول في حرب من شأنها أن تؤدي إلى نتائج كارثية، إلى جانب أنها ستمثل تهديداً رئيسياً للتماسك الداخلي لكل منهما.
إن الاشتباكات التي حدثت بين الطرفين في سبتمبر تعتبر واحدة من ضمن سلسلة اشتباكات متفرقة حدثت منذ استقلال اليمن الديمقراطية عام 1967م.
وفي فبراير الماضي قتل 65 من المشائخ ورجال القبائل الشماليين، بعد أن تم استدراجهم إلى اليمن الديمقراطية لإجراء مفاوضات هناك.
وتعتبر الخلافات الأيديولوجية هي مصدر التوتر بين الطرفين، حيث أن قادة اليمن الديمقراطية الذين كانوا في البداية متمردين، ثم أصبحوا أعضاء في الجبهة الوطنية أصبحوا أكثر راديكالية وتطرفاً. وفي الوقت نفسه تخلت الجمهورية العربية اليمنية التي ولت وجهها الآن نحو الغرب، عن التوجه الناصري المتطرف الذي كانت تتبناه الشخصيات التي أطاحت بنظام الإمامة عام 1962م.
ومنذ توقف الحرب الأهلية في اليمن عام 1970 تمكنت الجمهورية العربية اليمنية من إصلاح مسار علاقاتها مع السعودية، واستأنفت العلاقات الدبلوماسية مع الولاياتالمتحدة خلال فصل الصيف الحالي.
وقد ساهم التدخل السعودي في تفاقم الوضع بين الطرفين، حيث أن السعودية تعتبر اليمن الديمقراطية العدو الأكبر لها، وتنظر إلى أن نظام الديمقراطية نظام اشتراكي إلحادي يسعى إلى تدمير النظام الإسلامي العربي في الشرق الأوسط. وقد وقفت السعودية ضد اليمن الديمقراطية، من خلال تمويل الجماعات الجنوبية المتمردة التي تقيم في الجمهورية العربية اليمنية، تحت مظلة ما يسمى بجبهة الوحدة الوطنية.
علاوة على ذلك، فإن الاتحاد السوفيتي الذي كان يقوم بتوفير المعدات والأسلحة لجيش الجمهورية العربية اليمنية، أصبح يركز اهتمامه على اليمن الديمقراطية منذ حصولها على الاستقلال، ليس لأن نظامها اشتراكي متطرف، وإنما لأن عدن تعتبر من أهم الموانئ في المحيط الهندي. كما قام الاتحاد السوفيتي بتدريب وتسليح جيش اليمن الديمقراطية.
توقيع كيرتس جون، مدير قسم الشرق الأقصى وجنوب آسيا ديفيد لونج المحلل في القسم نفسه