هذا وقت مناسب تماماً لمعرفة أين يضع المرأ قدمه، أو لسانه، وأين يضع رأسه أيضاً، وعلى السادة الكرام الذين يجدون في خلافات أقطاب الحياة السياسية مؤشرات أزمة عاصفة، إعادة النظر من زاوية أخرى، ترى في المشهد ما يشبه امرأة حامل دنت لحظة طلقها، غير أنها وسط ترقبها للقادم الجديد، متوترة، ومرتبكة، وبحاجة إلى قابلة تأخذ بيدها وتساعدها على إنجاب مولودها. ملامح هذا المولود القادم ستضعنا في مواجهة ما نستحقه نحن كيمنيين، في السلطة والمعارضة، والخيارات محدودة جداً، إما يستمر علي عبدالله صالح رئيساً للأبد بكل المشائخ والعسكر من حوله، أو تصنع المعارضة "ربيعها البرتقالي"، ويقرر كل اليمنيون مستقبل بلدهم، وفي الحالتين لا يوجد ما يمكن قوله أكثر من أننا اليمنيين نستحق ما سنجد عليه أنفسنا بعد أسابيع وربما شهور.. احتمال ثالث أن يكون الحمل كاذباً، ونعود جميعاً إلى مسلسل "زيدوها ماء زيدوها طحين"!
سأعود قليلاً حتى يبدو المشهد مكتملاً: جولات الحوار في الأسابيع الماضية، بدأت ساخنة ومتفائلة لوقت قصير ثم بردت وانتكست، ومع مرور الوقت وتوالد اللجان من مائتين إلى ثلاثين ثم 16 كان هناك شعور بالخيبة يتسرب إلى قلوب الذين كانوا متحمسين، وفي نهاية المطاف تأكد لهم مرة أخرى أن رئيس البلاد "هذاك هو" لم يتغير، لقد قرر كعادته بالنيابة عن كل اليمنيين، وقف الحوار والمضي منفرداً مع العسكر وشيوخ القبائل إلى انتخابات وتعديلات دستورية ترتب لبقائه رئيساً مدى الحياة، والقارئ يعرف بقية التفاصيل.
القارئ الذي سئم وقرف قصة اللجان والحوار، لابد وأنه سمع عن لجنة المؤتمر الأخيرة التي شكلها رئيس المؤتمر للحوار مع المشترك، وسيسمع أن اللجنة كتبت رسالة والأخير رحب بها، وهذه ليست نهاية المسلسل طبعاً، سيكون هناك "عك" من هذا النوع، بدون أي جدوى في ظل المعطيات الراهنة.
رأيي أن يذهب المؤتمر إلى الانتخابات والتعديلات الدستورية مثلما يعتقد أنه صحيح ويصب في مصلحته حتى وإن كان "أكبر مغالط"، وأن يذهب المشترك في طريق النضال السلمي الذي قال إنه سيكون شعاره في العام الجديد، حتى وإن كانت أفعاله حتى اللحظة غير مقنعة لجمهور عريض ينتظر منه أن يقوم بما هو أفضل.
أعيد ما سبق وأكد عليه أغلب العقلاء في هذا البلد من أن الحوار هو الحل الأنسب، وأفضل ما يمكن أن يقدمه القادة السياسيون في هذا البدل لهذا الشعب المظلوم، لكن عندما يتحول الحوار إلى لعبة إلهاء، ومجرد "هدرة" وتصريحات لا تقدم ولا تؤخر. فإنه يفقد قيمته كأحد الأدوات الحضارية لإصلاح الخراب السياسي.
الآن يمكن القول إن تغيير الأدوات يصبح مطلباً.. دعونا نجرب خياراً آخر، والمعارضة تحديداً هي من يجب عليها اجتراح حلول أخرى تلبي رغبة الناس المتعطشين للتغيير.
سيكون من المناسب طبعاً وجود أكثرية يمنية تؤمن بما تفعله المعارضة وتنسجم معه، والذين يقولون إن الشعب خامل وضعيف وتحكمه أدوات كثيرة من عند شيخ القبيلة إلى لقمة العيش، لا يستطيعون إيجاد بديل آخر، هذه الحقيقة يجب أن تكون حاضرة، ونعرف أن قدرنا الآن هو المواجهة السلمية وفق المعطيات المتاحة، والتحديات التي لن تكون سهلة أبداً.
بعض هذه التحديات تبدأ من دخلنا نحن، وهؤلاء الناس الذين نسمح لأنفسنا بالحديث نيابة عنهم، ونكتب لهم باعتقاد أنهم سيقرؤوننا في اللحظة التالية، ثم نراهن عليهم في التغيير والتحول، غير موجودين بالكمية الكافية، والقليل منهم يفعلون كما يفعل الكاتب نفسه أو محرر التقرير الصحفي، يذهبون إلى غرف نومهم بمجرد وضعهم لنقطة آخر السطر، وينامون بدون أن يؤرقهم تماماً التفكير في كيفية الدفاع عن حقهم في صنع مستقبل بلدهم. وعندما يستيقظون في صباح اليوم التالي ينتبهون إلى أن الرئيس قد أطفأ جزء آخر من أشواقهم وتطلعاتهم السياسية.
أكتب لقارئ يفترض أنه واحد من أولئك الناس، يميل إلى التغيير لكنه حتى الآن غير مستعد لأن يقاتل من أجل بعض أشواقه، يجد نفسه فاتراً ومرهقاً ويملؤه شعور بالتذمر من المعارضة التي تبدو عاجزة، ولا يعرف كيف يتصرف كفرد أمام رئيس "يكلفت" كل شيء في جيبه وجيب أقاربه.
في الجانب الآخر هناك من يقاتل بغباء في عكس الاتجاه، حتى يظل الفساد باقياً لتظل مصالحهم، وإلا من يستطيع الادعاء بالديمقراطية وتبادل السلطة، ويطالب في الوقت نفسه ببقاء الرئيس في منصبه وإلى الأبد؟ فوق ذلك من يستطيع أن يحصى مقدار الحماقات والغباءات التي يرتكبها النظام كل يوم، ويدافع عنه؟ لكن هنا في هذه البلاد يمكن لكل شيئ أن يكون ممكناً، وسيجد القارئ فوق ذلك رجالاً ببدلات راقية، ومناصب ثقافية وعلمية، ودكاترة في الجامعات يتحدثون عن الديكتاتورية بوصفها أفضل الحلول السياسية لهذا البلد المتخلف. خيرة الله..
لكن خيار الناس لا يزال باقياً، وعلى هؤلاء الذين يقودون عملية التغيير أن يقدموا بعض التضحيات الحقيقية، فالوقوف والاعتصام أمام مجلس النواب ليس كل شيئ، عليهم أن يدركوا تماماً أن ما يمكن اعتباره نكسة في سير الحوار يمكن أن يتحول لو أحسنوا التقدير والترتيب إلى فرصة لإعادة كسب ثقة الكثير من اليمنيين الذين يرغبون في السير خلف فكرة ذكية، واضحة ومؤثرة.
فكرة النضال، فكرة رائعة ومدهشة، لكنها تظل باردة وميتة، إذا لم تعمل قادة المعارضة على ضخ الروح فيها، أما كيف، فعليهم أن يبحثوا عن الجواب، هذا عملهم أصلاً، أو يتوقفوا عن التصريحات والإدعاء بأنهم قادة معارضون، ويذهبوا إلى منازلهم.
للزملاء الصحفيين: فتحت جائزة الصحافة العربية باب الترشيح أمام الصحفيين والصحفيات العرب للتنافس على فئات الجائزة، وآخر موعد لتقديم الطلبات يوم 29 يناير الجاري.. للمزيد من المعلومات والحصول على استمارة الترشيح زوروا موقع الجائزة على شبكة الانترنت: www.arabjournalismaward.ae