في ظل التحديات الأمنية الحقيقية التي تحيط بدول مجلس التعاون الخليجي من كل اتجاه وعلى أكثر من صعيد، يصبح «الاختلاف» –من جديد– على مسائل حدودية أو إجرائية ليس سوى مضيعة للوقت وتشتيت للجهد. من حق مواطن دول مجلس التعاون أن يصاب بالإحباط عند السؤال عن أهم المنجزات الحقيقية -على أرض الواقع- التي حققها مجلس التعاون، تلك التي تمس مباشرة مصلحة الإنسان في بلدان المجلس. لم يقل أحد إن المجلس كفيل بحل كل الإشكالات السياسية والحدودية بين الدول الأعضاء لكن يبقى السؤال الجوهري لدى مواطن المنطقة: ماذا قدم المجلس -عملياً- لمواطني الدول الأعضاء؟ كل العوامل المشتركة بين مواطني دول المجلس -سياسية واجتماعية وثقافية- وتركيبة المؤسسات السياسية لدول المجلس المتجانسة، إلى حد بعيد، تعطي شرعية أكبر لتكرار السؤال: ما الذي يمنع من ترجمة الأحلام والوعود إلى برامج عمل على الأرض يستفيد منها مباشرة المواطن في دول المجلس؟ مؤسف جداً أن كل خطوة صغيرة إيجابية، تحققها دول المجلس، يتبعها -سريعاً- موقف سلبي وتراجع عاجل مما يعمق مشاعر الإحباط تجاه مستقبل مجلس التعاون. ولسوء الحال الذي وصلت إليه «حالة» التعاون بين أعضاء المجلس، صار واحدا من أهم طموحات المواطن الخليجي اليوم أن تُبعد حكومات دول المجلس مواطنَ المنطقة ومصالحه عن خلافات الأجهزة الرسمية في تلك البلدان على مسائل حدودية أو إزاء مواقف سياسية.
كان وما زال حلما لدى قطاع واسع من سكان دول المجلس أن تصبح حركة السفر والتنقل بن بلدان المجلس سهلة وسريعة، وذلك واحد من أقل الطموحات المرجوة بين دول المجلس. كم هو مؤسف أننا بعد ثلاثة عقود من الحديث عن أهمية التعاون بين دول المجلس ما زلنا نختلف على السفر بين بلدان المجلس ببطاقة الهوية الوطنية. وكم هو محبط أكثر أن يدفع المواطن الخليجي ضريبة خلافات بعض الأجهزة في دول المجلس على شكل «الخريطة» الصغيرة خلف بطاقة الهوية أو على كلمة قيلت هنا أو هناك. وإذا كانت هذه هي الحال في مسائل ظننا أنها بسيطة وقابلة للحل فكيف لنا أن نطمح لمشاريع عملاقة للتعاون على أصعدة الاقتصاد والأمن المشترك وتنسيق السياسات المشتركة ومواجهة التحديات المحلية والإقليمية؟ كم هو مخجل أن يحاصر الإرهاب، بكل القوى التي تدعمه، منطقة الخليج وتشتد حدة التهديدات الإقليمية، وفقا لأجندات دولية خطرة، فيما دولنا في الخليج غارقة في خلافات حدودية يمكن حلها -ببساطة- في أول لقاء قمة بين قيادات البلدان المختلفة. لماذا لا يتم تركيز الجهد على نقاط «التلاقي» بدلاً من البحث في خلافات الماضي؟ ولماذا لا تكون الرؤية والخطط والاهتمام بما يقوي من صف دول المجلس أمام تحديات المستقبل الخطيرة وعلى رأسها مواجهة الفقر وتطوير التعليم وإعداد إنسان المنطقة للتعامل مع تحديات وفرص المستقبل القريب؟ مشكلة البطالة وحدها -على سبيل المثال- كفيلة بأن تعمق مشاكل اجتماعية وأمنية في بعض دول مجلس التعاون مما سينعكس حتماً على أمن المنطقة برمتها. أيهما أولى بالنقاش والحوار والبحث: مشكلة البطالة التي تواجه الآلاف من شباب دول المجلس أم خلاف حدودي بين بلدين شقيقين لا يضير أيهما إن توصلا لتفاهم «أخوي» ينهي الخلاف ويوفر الوقت والجهد ويؤكد مبدأ الأخوة والتعاون؟
لقد أثبتت الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية، من المواجهات العنيفة مع الحوثيين في اليمن إلى قضية السفر ببطاقة الهوية الوطنية بين الإمارات والسعودية إلى محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي إلى تصاعد وتيرة العنف في العراق، أنه لا مفر لدول مجلس التعاون من العودة (وربما إعادة النظر) بشكل جدي وآني إلى المبادئ الأساسية التي انطلقت على أساسها فكرة مجلس التعاون. ماذا كانت الوعود وما الذي تحقق منها؟ لا يمكن أبداً الاستمرار في تجاهل الأخطار «المشتركة» والتهديدات الأمنية المحدقة بدول المنطقة من كل اتجاه. وفي ظل هذه التهديدات الأكيدة يصبح «الجدل» حول قضايا خلافية على الحدود، ثم إقحام المواطن الخليجي في مثل هذه الخلافات الوقتية، ليس إلا تشتيتا للجهد وتأصيلا للإحباط تجاه مجلس التعاون. وإن تأخرت دول المجلس في تنفيذ وعود ومشاريع التعاون بين دول المجلس وزادت حدة الخلافات بينها فلنا أن نقترح استبدال مسمى «مجلس التعاون « بمجلس «التهاون» الخليجي... وأمرنا إلى الله!