فارس الحميري يطرح الوضع «المتأزم» في اليمن الكثير من التساؤلات حول خيارات الحل المحتملة للأزمة التي يعيشها هذا البلد منذ فبراير الماضي على وقع احتجاجات تطالب بإسقاط نظام الرئيس علي عبدالله صالح الذي يتلقى العلاج منذ أكثر من شهر في السعودية من جروح أصيب بها في هجوم على مسجد دار الرئاسة بصنعاء في الثالث من يونيو الماضي. وشهدت الأيام الماضية مظاهرات حاشدة بساحات الاعتصامات في عدد من المدن اليمنية تطالب بتشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد فيما عقدت المعارضة اليمنية السبت، في صنعاء، اجتماعا لمناقشة تشكيل هذا المجلس. ومع الحديث عن خيار «المجلس الانتقالي»، ترى أوساط يمنية أن المبادرة الخليجية التي قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل يوم الثلاثاء إنها لا تزال «قائمة»، أنها الخيار الأكثر ملائمة لحل الأزمة اليمنية خاصة وانها تحظى بدعم عربي واقليمي ودولي أكثر من غيرها من الخيارات. وتتضمن المبادرة الخليجية لحل الازمة اليمنية انتقالا سلميا وسلسا للسلطة في اليمن وهو ما تباركه الحكومة والحزب الحاكم في اليمن. أما أحزاب «اللقاء المشترك» القوى المعارضة الرئيسية في اليمن فتنظر الى خيار تشكيل «مجلس انتقالي» على أنه الأكثر ملائمة حاليا لإخراج البلاد مما هي عليه. وشرعت أحزاب «المشترك» في الخطوات الاولى والفعلية في هذا الاتجاه من خلال اجتماعات ومناقشات جادة للمشروع. وبين هذا وذاك، يقفز شبح الحرب الأهلية إلى الواجهة اليمنية مع انسداد أفق الحل السياسي وهو السيناريو الذي يرفضه اليمنيون. ويقول الدكتور على مطهر العثربي عضو اللجنة الدائمة بالمؤتمر الشعبي العام الحاكم والخبير في السياسة الدولية والداخلية ان «المؤتمر لا يزال متمسكا بخيار المبادرة الخليجية لحل الازمة اليمنية والأخذ بها كمنظومة متكاملة والتعامل الايجابي مع كافة بنودها». وأشار إلى انه «ينبغي على الجميع ان يدرك ان اليمن دولة المؤسسات راسخة ولا يمكن الرضوخ لأي خيارات أخرى لا تستند الى الشرعية الدستورية استنادا الى الانتخابات التنافسية النيابية والرئاسية والتشريعية التي جرت مؤخرا والتي آمنت كل القوى بنتائجها». واوضح العثربي أن الاحتكام للمبادرة الخليجية في الاطار الدستوري هو الحل والخيار الامثل والذي يجب ان يؤمن به الجميع. ودعا «كافة القوى السياسية في اليمن الى احترام الارادة الدستورية والشعبية وعدم الانقلاب على هذه المبادئ الاساسية». وعن خيار تشكيل المجلس الانتقالي الذي ينادي به معارضو النظام، قال العثربي «يجب ان يدرك الجميع أن كل ممارسات المعارضة خارج الدستور، حيث لجأوا الى استخدام العنف والتخريب وكل الوسائل غير المشروعة ولذلك فان طرحهم لخيارات الخروج من الازمة الحالية لا يرقى الى الطريق الصحيح للتداول السلمي للسلطة». وتابع العثربي كلامه موجها حديثه للمعارضة «عليهم ان يدركوا أن زمن الانقلابات غير مقبول ولا يمكن الرضوخ له».
ووقعت أحزاب المشترك التي تدعم حركة الاحتجاج التي انطلقت في فبراير الماضي للمطالبة برحيل علي عبدالله صالح، في 21 مايو الماضي على المبادرة الخليجية لحل الأزمة في البلاد فيما رفض الرئيس اليمنى التوقيع مشترطا «توقيعا مشتركا» مع المعارضة في القصر الجمهوري. وتضمنت المبادرة تنحي الرئيس صالح وتولي نائبه إدارة البلاد لفترة انتقالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية من المعارضة اليمنية. وترى المعارضة اليمنية أن الخيار الآن يتركز حول تشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد بعد انسداد كافة الخيارات. وقال مصدر رفيع في أحزاب اللقاء المشترك في تصريح سابق ل(شينخوا) ان المعارضة لم تكن تنوي البدء في خطوة تشكيل مجلس انتقالي الا ان انسداد الحلول والمفاوضات مع السلطة جعل خيار تشكيل مجلس انتقالي «خيارا مهما وحاسما» للخروج من الاوضاع التي تمر بها البلاد. وقال الصحفي والمحلل السياسي اليمني غمدان اليوسفي «أعتقد ان أحزاب اللقاء المشترك وجدت نفسها أمام واقع مسدود سياسيا خصوصا مع مماطلة الحزب الحاكم في مسألة النقل الفوري للسلطة إلى نائب الرئيس عبدربه منصور هادي». ويرى اليوسفي أن أحزاب المشترك أرادت باجتماعها الأول الذي أقرت فيه الخطوط العريضة للمجلس الوطني الانتقالي «ربما تحريك المياه الراكدة وإيصال رسالة للأطراف الدولية مفادها أن الجمود الحالي أخطر من أي خطوة أخرى». واشار اليوسفي الى ان الاطراف الدولية، وبحسب معلومات، غضبت من هذا التحرك وسط أنباء عن تعديلات في المبادرة الخليجية. ومضى اليوسفي قائلا «ان ذلك يعني انه ربما لا يوجد غير هذين الخيارين إما المبادرة أو المجلس الانتقالي الذي تعتبره كثير من الأطراف إعلان حرب»، لافتا الى أنه «في أرضية مثل اليمن ربما لن ينجح المجلس الانتقالي لكنه رسالة سياسية تشير إلى أن احزاب اللقاء المشترك وصلت إلى قناعة بأن مضي الوقت يخدم أولاد الرئيس وبالتالي يجب التسريع في خلق تحرك جديد». ويرى منسق عام تجمع «شباب التوجه المدني للثورة السلمية» بساحة التغيير بصنعاء محي الدين جرمه ان «الأحزاب أرادت فقط ان تستثمر لنفسها نجومية على حساب خيارات الثورة والشباب والشعب اليمني في العموم بعد أن فشلت منذ عشرين عاما في إنتاج عملية سياسية ما أبقاها في أبراج المصالح الضيقة». وانتقد مواقف هذه الأحزاب التي قال انها «تحاول اليوم فرض ما يشبه الوصاية السياسية على الثورة بما يتناسب مع السيناريوهات الخارجية دون الرجوع إلى رؤية وازنة لتحولات الثورة من داخلها».
وبشأن المجلس الانتقالي حسب رؤية «المشترك»، قال جرمه «يبدو أنها لعبة أخرى جديدة الهدف منها امتصاص الاحتقانات في الساحات بطول البلاد وعرضها فالأحزاب تريد أن تقوم بدور الأب غير أن الشباب تمردوا بثورتهم السلمية وخياراتها المدنية على كل الأيدلوجيات المحنطة». وتابع «الثورة أكبر من الأحزاب وعلي قيادات هذه الأحزاب وتلك القوى أن تدرك أن الشعب هو الحل وأن لا مجال لأي وصاية سواء من داخل الثورة أو من خارجها». وفيما تخرج مسيرات حاشدة في عدد من المدن اليمنية باستمرار للمطالبة بتشكيل «مجلس انتقالي» لادارة البلاد فان ذلك يمثل لقطاع من شباب الساحات من الاكثر الخيارات ايجابية وملائمة للوضع الذي تمر به اليمن. ويقول زياد الجابري عضو الشبكة الاعلامية للثورة السلمية اليمنية «بالنسبة لنا شباب الثورة فإن القرار الصائب الذي يجب السير فيه هو إنشاء المجلس الانتقالي باعتباره النتيجة الحقيقية للثورة وبدونه تكون الثورة ناقصة وغير كاملة». ورأى ان المضي في المجلس الانتقالي سيسهل من مهمة المرحلة القادمة وستكون مخرجاته معبرة عن الارادة الثورية بالإضافة الى أن المجلس الانتقالي سيكون محل إجماع وتوافق وطني وهو ما سيسهل من عملية حل أزمات اليمن المتعددة وسيمثل اللبنة الأولى لبناء دولة مدنية يكون فيها الجميع تحت سقف القانون والدستور. وأضاف ان المجلس الانتقالي سيعني بدء المرحلة الثانية للثورة والتي لم تبدأ حتى الان. وأشار الى ان إعلان «المجلس الانتقالي» يعني تغليب الحسم الثوري على الخيارات الأخرى والتي من بينها المبادرات الإقليمية والدولية وسيمثل المجلس الانتقالي طوق النجاة للاقتصاد المنهار كون استمرار بقايا النظام في الحكم سيزيد من حدة المشاكل الاقتصادية ويفاقم من الازمات المتعددة في الخدمات الاساسية كالوقود والغذاء. وحذر الجابري من ان خيار الحرب في اليمن سيطل برأسه أكثر كلما تأخر اعلان المجلس الانتقالي. من جهته يرى الصحفي عبدالحافظ معجب من محافظة الحديدة غرب اليمن ان الخيار الأمثل للوضع اليمني ان يرحل النظام والمشترك وقيادات الجيش المنشقة ورجال الدين المتشددون وان تحسم الأوضاع في هذا الاتجاه.
واعتبر ان الظروف غير مهيأة الآن لأفكار من قبيل الدعوة لتشكيل «مجلس انتقالي» لمثل هذه الافكار. وعن احتمال الحرب في اليمن قال المحلل العسكري اليمني حامد ابو البدرين «ان الحل العسكري ومنذ مغادرة الرئيس علي عبدالله صالح للعلاج في السعودية بعد محاولة اغتياله مع كبار رجال الدولة أصبح هو السائد». وأشار ابو البدرين الى ان «ما يحدث حاليا في محافظة تعزجنوب اليمن وكذلك في منطقتي نهم وأرحب شمال العاصمة صنعاء من مواجهات هو دليل واضح على ان خيار الحرب هو اللغة الأقوى».