موبقات عديدة تميزت بها مؤسسة الجيش والأمن في اليمن جعلتها أكثر هشاشة ولا وطنية ، والسبب: قوة فساد نظام الشخص علي عبد الله صالح، إذ كان الجيش والأمن أداة إرهاب بيده، وبدلاً من أن يكونا مبعث فخر واعتزاز وطنيين، كانا مبعث خوف وإشمئزاز بالنسبة لغالبية المواطنين الذين يأملون عودتهما إلى يد الدولة كما هو مفروض . ولقد ضحى علي عبد الله صالح طوال 33 عاماً من حكمه بالرمزية الوطنية للجيش والأمن لصالح رمزيته هو كمستبد ، فيما صارت مؤسسة القوات المسلحة والأمن تحتاج بشدة إلى محاربة الفساد وإعادة البناء عبر جملة من الإصلاحات العاجلة والمستقبلية التي أصبحت أكثر من ضرورية وهامة الآن . ذلك أن السمعة السيئة الصيت ارتبطت بهذه المؤسسة التي أهينت على مدى عقود من قبل قائدها الأعلى حتى وصلت إلى حد الحضيض أخلاقياً ووطنياً ، خصوصاً وأنه اعتبر الشعب اليمني هدفاً بلا أدنى كرامة لأجهزة الأمن بالذات رغم زعمه الديمقراطية والحرية وصون كرامة المواطنين . فالواضح أن الجهاز الأمني اليمني لم يتحلى بعد بالثقافة الديمقراطية ؛ إذ كلنا نعرف أن جهازي الأمن السياسي والقومي تابعان لرئاسة الجمهورية ، وأنهما فوق أي محاسبة أو عقاب رغم خرقهما المتواصل للقانون ، فيما يمتلكان إرثاً كبيراً من انتهاكات حقوق الإنسان ، ولذلك تكاثرت مظالمهما ، حتى أن ضحاياهما بلا حد . وغالباً : تبدو أقسام الشرطة بلا عدالة تحقيقية ، كما أن البحث الجنائي بلا عدالة جنائية . وأما بحسب تقارير دولية فإنها تجمع على أن مرتكبي التعذيب والإنتهاكات في اليمن يفلتون دائماً من العقوبة ، أضف إلى ذلك الرشاوي والسرقات والقيم الوطنية والانسانية المهترئة ايضا . ثم أن منهجية الأمن بالذات لها تاريخ حافل بالإنتهاكات على ذمة قضايا سياسية أو مطلبية حقوقية ، في حين أستمرأت ظاهرة الإخفاء القسري والتعذيب والاحتجازي التعسفي على نشطاء سياسين أو حقوقيين أو صحفيين أو أصحاب رأي ، كما انعكس ادائها على قطاع واسع في المجتمع ، لتعتبر هذه المنهجية أخطر مايعانيه اليمني اليوم ، وبمثابة ظاهرة مشينة ظلت بلا أي رادع حقيقي لسنوات مديدة . المطلوب الآن -ومنذ مدة -صار يتمثل بتعديلات هيكلية في مؤسسات الدولة ذات الصلة بجرائم حقوق الإنسان -نحو إعادة بناء الثقة بينها والناس - أو تطهير تلك المؤسسات من بعض العناصر التي يثبت تورطها ، وصولاً إلى ضمان عدم تكرار تلك الممارسات مرة أخرى في المستقبل . ولعل اللجنة العسكرية والأمنية المشكلة حديثاً تمثل حالة تأسيسية وطنية لجيش وأمن محترمين ، رغم انها تعمل حالياً في ظل ظروف معقدة وقابلة للإنفجار في أي وقت . الا ان اليمنيون الذين خرجوا في ثورة عظيمة بحثا عن دولة المواطنة والحق والعدالة ، سيظلون بالتأكيد ضد دولة القهر والغشم واللامسئولية : يطالبون بدولة تمنع الضرر -أو تجبره على أقصى حد - ، وبالتالي لن يظلوا راضخين بعد الآن لدولة تفاقم من غشمها فقط . بالتأكيد : وحدها الثورة خلقت تهيئةً للظروف الملائمة من أجل وقاية المجتمع من أي جرائم جديدة لأجهزة الدولة كما كان سابقاً . وبالمقابل فإن الإصلاح المؤسسي بات واجبا ملحاً للحد من طبيعة العنف في هذه المؤسسات ، وكي لايستمر الضحايا بميزة المعاناة المخجلة لنا جميعاً في هذا البلد ، فيما مطالب انقاذ الجيش من هيمنة العائلة الحاكمة والقبيلة والفساد ستظل متصاعدة حتى يتم تحقيقها ، وليكون جيشاً مشرفاً لا العكس . *** في السياق ثمة رؤية حديثة للجيش الثوري- احد المكونات الخاصة بمنتسبي القوات المسلحة والأمن في ساحة التغيير بصنعاء- تصب في اتجاه تفعيل دور الأمن والجيش بشكل وطني لائق في الدولة المدنية المأمولة ؛ قدمها قائد الجيش المقدم احمد صالح زاهر الذي يعد من اوائل المنضمين الميدانيين للثورة بزيه العسكري مطلع العام وقد شدد على أهمية اعادة هيكلة القوات المسلحة والامن وبنائهما على اسس وطنية حديثة تتلاءم مع قيم ومبادئ الدولة المدنية وكذا انتصارا لمبادئ الثورة الشبابية الشعبية السلمية . الرؤيا التي تم استعراضها أمس الاول في ساحة التغيير بصنعاء بينت ماتعرض له الجيش اليمني من عملية تدمير ممنهجة لقوى اقليمية ودولية بتواطئ مع قوى داخلية عقب ثورة سبتمبر 1962 م، حتى تمت عملية تصفية أهم رموزه حينها على اساس طائفي . و أوضحت الرؤيا أنه لم يكن الجيش بمنأى عن التجاذبات عقب سبتمبر 62م ، فيما نخر فيه الفساد فظهرت الرتب الوهمية واسندت المناصب بايدي عابثين وغير مقتدرين، فكان ان تقدم مجموعة من الضباط على رأسهم نائب القائد العام للقوات المسلحة العقيد ابراهيم الحمدي بمشروع التصحيح المالي والاداري للقوات المسلحة في العام 1973 واستطاع خلال تلك الفترة وبترتيب من رئيس المجلس الجمهوري القاضي عبد الرحمن الارياني ان ينجز مهمته في اصلاح الجيش بعد تسلمه لمقاليد البلاد كرئيس في 13يونيو 1974 م . آنذاك تم النظر في الرتب الوهمية وباصلاحات شاملة داخل المؤسسة العسكرية والامنية اعادت للجيش هيبته وبناءه على اسس وطنية سليمة وصار جيشا للبناء والاعمار في اوقات السل، كما ظهرت وحدات احترافية ومهنية كقوة ضاربة في حماية النظام الجمهوري وترسيخ دعائم ديمقراطية التعاونيات وهيئات التعاون الاهلي للتطوير . نتيجة لماسبق يستطرد المقدم احمد زاهر : تلاشت الصراعات الداخلية وانشغل الغالبية من الشعب بمساندة الجيش في التنمية والتطور وقد ظهر ذلك جليا بالاستقرار الاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته البلاد حينها، كما رافق ذلك الاستقرار حدوث انسجام وتوافق سياسي بين قيادتي شطري اليمن تمثلت بخطوات وحدوية هامة كادت ان تصل الى اعلان الوحدة الا انه تم اغتيال الحمدي، ثم الى ماهو ابعد اغتيال المشروع . وبحسب المقدم أحمد زاهر فإن رؤيته هذه تأتي استجابة لما ننشده في ثورتنا نحو دولة مدنية ولهذا يحتاج المشرع في الفترة الانتقالية عند وضع الدستور والتعديلات ان يراعي متطلبات التغيير الذي نأمله لجيش وطني مهمته حماية الوطن وكذا الامن المطلوب ليحقق مانصبوا اليه مدنيا.ً تعليقاً على مرحلة صالح في السلطة بدأت الرؤية بتأكيدها على انه جاء لتدمير الجيش ، مشيرة الى اكمال مابدأه سلفه الغشمي بتصفية ابرز القادة عن طريق الاختطاف والاغتيال والاقصاء والتهميش.. بعدها وقد نكث بوثيقة العهد والاتفاق التي حظيت باجماع القوى الوطنية فاشعل الحرب في صيف 94 : استغل شعار الدفاع عن الشرعية الدستورية ليجعل المحافظات الجنوبية مناطق فيد بمافي ذلك ماكان يعرف بجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبة وترسانته العسكرية المعروفة وابعاد كوادره البشرية المؤهلة واقصائهم من مناصبهم لاعتبارات سياسية . جملة من الاسباب التي ادت الى ضعف الجيش وايصاله الى الصورة التي عليها اليوم كما يرى المقدم الثوري أحمد زاهر بينما يلخصها في : تفرد الرئيس بحق انشاء وحل وحدات في الجيش والامن وترقية قياداتها، إضافة إلى تعدد اجهزة الاستخبارات وتداخل سلطاتها مع الامن القومي والسياسي والاستخبارات العسكرية ، أدى به إلى أن يكون جيشا غير واضح المهام والهدف خصوصا مع عدم وجود قانون وتوصيف واضح لوحدات الجيش والامن والاستخبارات والامن القومي والبحث الجنائي . فوق ذلك ظل احتكار مسئولية اعلان الحرب والسلم بيد الرئيس مما اكثر حروبه ضد الشعب – بحسب تعبير الرؤيا ، وإذ ظل غياب المعايير العلمية والمنصفة لاختيار الهيئات القيادية هو الراسخ ، فإن اعتماد المحاصصة في بناء الجيش والامن : جعل اجهزتها تتعدد ، وسلطاتها تتداخل كان من نتائج تلك الأسباب : غياب الامن والامان وزيادة مظاهر الثار والتقطع والتسلح والسرقة والتقطع والقتل والتعدي على الارواح والممتلكات العامة والخاصة / انتشار اسواق ورعاية مافيا السلاح لها / تعدد ولاءات ضباط وافراد الجيش والامن / انتشار القرصنة لعدم قدرة القوات البحرية على حماية ومراقبة المياه والسواحل / تزايد انتهاكات الدول الاجنبية للمجال الجوي لعدم قدرة القوات الجوية على حماية ومراقبة المجال الجوي للبلاد / تزايد حجم التهريب من والى الدول المجاورة / انتشار الحروب القبلية وضعف سيادة الدولة خارج المدن الرئيسية وتفاقم سيادة النافذين عليها ومشائخ القبائل / فرض سلطات الاستخبارات بكل انواعها وسلطات الرئاسة على مؤسسات الدولة مما جعلها مرتعا للفساد الطارد للكفاءات / تضخم ميزانية الجيش ونفقات التسلح لحماية السلطة على حساب التنمية / الفصل التعسفي لمنتسبي الجيش والامن لاسباب سياسية / اعتماد المحاصصة بين النافذين للانتساب للكليات العسكرية والامنية . إن رؤية الجيش الثوري كمال قال المقدم أحمد زاهر تهدف إلى معالجة اوضاع الجيش والامن نحو ابناء جيش وأمن وطنيين وذلك بهيكلية متوازنة وقدرة نوعية فعالة ، كما بحرفية ومهنية عسكرية وأمنية تمثل تطلعات كافة ابناء الشعب . وعليه فإن المقترحات والقوانين والتعديلات الدستورية المطلوبة بنظر الرؤيا خلال المرحلة القادمة ولو كخطة خمسية يجب أن تؤدي الى التالي : اعادة هيكلة الجيش والامن والاستخبارات وتصحيح ادوارها وازالة التضخم في اجهزتها/ ادخال نظام البصمة للجيش والامن بغرض الابقاء على الرتب الفعلية /دمج الوحدات العسكرية وهيكلتها واعادة بنائها على اسس وطنية وقيادة غير عائلية أو مناطقية / دمج الامن المركزي والنجدة مع الشرطة المحلية واعادة بنائها على اساس المهام الموكلة للامن /دمج الامن القومي والامن السياسي بمؤسسة واحدة واعادة بنائها على اساس وطني لخدمة المصالح العليا لليمن / اعادة بناء جهاز البحث الجنائي / نقل السلطات الامنية الى المؤسسة المحلية واعادة بناء اجهزة الامن على المستوى المحلي مع اهمية توصيف مهامها بحفظ امن المواطن / نقل مسئولية الحرب والسلم الى البرلمان بناء على اقتراح قيادة القوات المسلحة مصادق عليه من مجلس الوزراء / اصدار لوائح وتشريعات توصف الوظائف ومعايير تعيين قيادات الاجهزة وكذا تعيين وترقية قيادتها الى البرلمان بعد موافقة مجلس الوزراء عطفا على ترشيح من الوزير المختص / العمل بقاعدة تدوير المناصب القيادية للجيش والامن /اخضاع موازنة الجيش والامن للرقابة والمحاسبة ومن قبل السلطة التشريعية والقضائية ايضا / تعديل دستوري يمنح البرلمان حق انشاء وحل وحدات الجيش والامن وكذا تعيين قيادتها العليا للبرلمان بناء على ترشيح مجلس الوزراء / توصيف وظيفي / لائحة معايير منصفة لاختيار الهيئات القيادية /قانون للرقابة والمحاسبة على موازنات ونفقات الجيش والامن من قبل السلطات التشريعية والقضائية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة/ اخضاع عملية شراء السلاح لمجلس الوزراء ولجنة مناقصات خاصة ومنع وحدات الجيش من الشراء المباشر عبر تجار السلاح / ترشيد نفقات التسلح / تحسين معيشة الجندي اليمني بدخل يتناسب مع احتياجاته الانسانية والحياة بكرامة / تحويل اسلحة الامن الثقيلة الى الجيش ويسلح الامن بما يتناسب ومهامه في حفظ السكينة العامة/ انشاء لجنة مناقصة للجيش باشراف مجلس الوزراء / اصدار لائحة مشتريات الجيش والامن/ وضع استراتيجية وطنية للحد من التسلح والثارات/ اصدار قانون لحيازة السلاح وتوصيفه ومنع التملك للسلاح الثقيل او الاتجار به / اعتماد لائحة معايير علمية فعلية للانتساب للكليات العسكرية والامنية