باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص ورقة أ.د. عبد الحكيم الشرجبي المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين؟"
نشر في التغيير يوم 01 - 02 - 2012

نص ورقة أ.د. عبد الحكيم الشرجبي المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين ؟ الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من 23- 24 يناير 2012، والذي نظمه مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان في اليمن بالتعاون مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان:
" العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسة والسلطة"
أ.د. عبد الحكيم الشرجبي
أستاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء
 مقدمة:-
إن من الأهمية بمكان ضرورة التعرض لموضوع العلاقة بين المؤسسة العسكرية والسياسة والسلطة ، في الدولة الديمقراطية الحديثة ، والدور الحيادي الذي ينبغي أن يلعبه الجيش في عملية التنافس السلمي على السلطة واقتصار هذا الدور في المحافظة على كيان الوطن والدولة من التهديدات الخارجية .كما نجد انه من الضروري ايضا مقارنة هذا مع الدور الذي لعبته المؤسسة العسكرية في ثورات الربيع العربي اجمالا وفي الثورة الشبابية اليمنية بصفة خاصة، في ظل ثورة الحرية والكرامة التي يخوضها الشعب اليمني العظيم ، بكافة قواه ومكوناته وفئاته لإسقاط نظام الدم والقهر والغلبة ، وبناء نظام سياسي وطني ديمقراطي مقدمة لبناء دولة وطنية ديمقراطية مدنية .
دور الجيش في الدولة الديمقراطية الليبرالية :
من المعروف أن الجيش في النظام السياسي الديمقراطي مؤسسة سيادية كغيرها من المؤسسات السيادية المتعددة المنصوص عليها دستورياً، كالبرلمان والقضاء ورئاسة الدولة ... ، وهي المؤسسة التي تتمتع بالاستقلال والحياد التام تجاه النظام السياسي القائم (الحكومة) .
والدولة الديمقراطية لا تعرف ظاهرة الانقلابات العسكرية ، أو ظاهرة تدخل الجيش في الشأن السياسي ، من خلال الانتصار لفريق سياسي ضد فريق آخر خلال عملية التنافس السلمي على السلطة ، كون السياسة في النظام الديمقراطي مجرد لعبة مدنية صرفة ، ومجال مفتوح لجميع المواطنين ، وحق من حقوقهم المدنية التي كفلها القانون والدستور سواء من حيث تشكيل الأحزاب السياسية والانتخاب والترشح في الانتخابات العامة .
والجيش ركن سيادي من أركان الدولة الديمقراطية الحديثة ، وليس أداة بيد السلطة الحاكمة ، ولا يمارس إلا المهام المقررة له دستورياً ألا وهي : حفظ كيان الوطن والدولة من الأخطار الخارجية .
والتاريخ السياسي للدول الديمقراطية الأوربية لم يعرف ظاهرة الانقلابات العسكرية ، أو تدخل الجيش في الشؤون السياسية من حيث فرض حكومات أو إسقاطها ، ولم يعرف انتشار وباء الحزبية فيه ، ولا يعتمد إلا الكفاءة في العمل العسكري ، وبعبارة موجزة هو : جيش محترف بكل دلالات العبارة.
ولعل المدخل الأول لفهم الوضع الاعتباري للجيش في الدولة الديمقراطية الليبرالية هو ضرورة التمييز القاطع بين الدولة والسلطة كما جاء في الفكر السياسي الحديث .
تعريف الدولة :
هي الكيان السياسي للشعب ، والمتجسد في نظام مؤسسي يعبر عن ماهية هذا الشعب ، ويحقق مبدأ سيادته على نفسه وأرضه ومنافعه ( هي الثابت الوطني) .
تعريف السلطة :
هي تعبير عن توازن القوى السياسية والاجتماعية في فترة زمنية محددة ، والمنتمية إلى حقل الممارسات السياسية (هي المتغير الوطني) .
قواعد النظام الديمقراطي وعلاقتها بالمؤسسة العسكرية :
إن هناك قاعدتان أساسيتان نرى ضرورة الإشارة إليهما بشيء من التفصيل نظراً لتلازمهما العضوي مع موضوع بحثنا هذا ، والتي تنعدم فعالية النظام الديمقراطي إلا بهما :
القاعدة الأولى :
وهي التي تقوم على التمييز القاطع بين السيادة والسياسة .
تعريف السيادة :
هي مجال التعبير عن كيان الأمة والدولة ككل ، والتي يشارك المواطنون جميعاً في صنعها من خلال إقرار الدستور والقانون وانتخاب نواب الشعب ، وهي الأمور التي لا تخضع للمنافسة السياسية بعد إقرارها ، وإنما تخضع للإجماع الشعبي العام .
 تعريف السياسة :
هي التي يتحقق فيها مبدأ المشاركة السياسية من خلال المساهمة في إدارة الشأن العام ، وصنع القرار وإدارة السلطة ومراقبتها .
وبناءً على استقلال الموضوع السيادي الكياني عن الموضوع السياسي التنافسي لهذا يحظر على السيادي التدخل في السياسي أو العكس ، وهذا ما يفرض على الجيش التزام موقف الحياد تجاه الصراع السياسي ، باعتباره مؤسسة سيادية طبقاً للعقد الاجتماعي الدستوري.
القاعدة الثانية :
إن النظام السياسي الديمقراطي يقوم على قاعدة تحييد العنف من الحياة السياسية واتباعه الأسلوب السلمي في عملية التغيير السياسي والاجتماعي ، كونه النظام المولد لآليات التغيير الديمقراطي والمتمثلة بالعملية الانتخابية الدورية الموصلة للتداول السلمي على السلطة ، وفي ظل هذا النظام لا تحتاج القوى السياسية أصلاً إلى اعتماد الانقلابات العسكرية طريقاً للوصول إلى السلطة ، حيث لا يوجد إلا طريق واحد هو : طريق صندوق الاقتراع .
إن الدولة الديمقراطية الحديثة تحتكر العنف (ماكس فيبر) ولكنه العنف غير الثوري، وغير المتجه صوب الداخل الوطني وأهله ، وعليه تكون وظيفة الجيش باعتباره مخزون القوة هي :
الدفاع عن السيادة العليا للدولة تجاه الخارج أولاً ، والدفاع عن سيادة القانون تجاه الداخل ثانياً ، وذلك بتفويض من السلطتين التشريعية والقضائية ، وباشتراطات ثلاث :
- أن يكون لموضوع محدد المعالم (تحديدا) وليست لمواضيع متعددة تحددها السلطة
- أن يكون لمنطقة جغرافية (محددة) وليست لعموم جغرافية البلد وجهاته الأربع .
- أن يكون لفترة زمنية (محددة) وليست على مدى عمر النظام الحاكم .
ولعل أهم الشروط يتمثل بتمتع السلطة التنفيذية (الحكومة) بالشرعية الديمقراطية الممنوحة لها دستورياً في ظل نظام ديمقراطي برلماني ليبرالي ، وليس في ظل نظام شبه ديمقراطي تسلطي .
 وضع الجيش والأمن خلال فترة حكم علي صالح:
يعتبر الجيش اليمني ثاني أكبر قوّة عسكرية في الجزيرة العربية بعد السّعودية، ويبلغ عدد المنتسبين المحترفين في الجيش حوالي 89500 ألف جندي وضابط، يتوزّعون على النحو التالي: سلاح البرّ 66000، البحرية 7000 ، والقوّات الجويّة 5000، الحرس الجمهوري والقوّات الخاصّة 11500 جندي . وفي سبتمبر 2007 ، أعلنت الحكومة عن إعادة الخدمة العسكريّة الإلزامية. وتمثّل ميزانية الجيش في اليمن نحو 40 في المئة من الميزانية الحكومية العامّة، وهي نسبة كبيرة جدا على المستوى العالمي. كما توجد في اليمن قوّات شبه عسكريّة يبلغ عددها حوالي 71000 جندي، منهم 50 ألف جندي في الأمن المركزي.
وتبرز في حالة اليمن ظاهرة تعيين قيادات عسكرية وأمنيّة على أساس عائلي لضمان الولاء الشّخصي للرّئيس، وأبرز هذه القيادات أحمد علي عبدالله صالح "ابن الرئيس"، وهو قائد الحرس الجمهوري والقوّات الخاصّة، وخالد علي عبدالله صالح "ابن الرئيس" وقائد القوّات الجبلية "المدرّعة، ويحيى محمد عبدالله صالح "ابن أخ الرّئيس" رئيس أركان الأمن المركزي، وطارق محمد عبدالله صالح "ابن أخ الرئيس" وقائد الحرس الخاصّ، وعمار محمد عبدالله صالح الأحمر "ابن أخ الرّئيس" ومسؤول جهاز الأمن القومي. ومحمد صالح عبدالله الأحمر "أخ غير شقيق للرّئيس" وقائد القوّات الجوّية. لقد جرت محاولة فريدة في اليمن لضمان ولاء الجيش عبر العصبيّة العائليّة مباشرة. و من خلال الخارطة السّياسية التي ارتسمت في الجيش بعد انضمام قيادات بارزة فيه للثّورة يبدو أنّ هذه العصبيات لم تضمن إلاّ ولاء الموالين للنظام أصلا.
ووفقا لذلك يمكن وصف المجتمع اليمني بعد انفراد علي عبد الله صالح بالحكم وازاحة شريكة في تحقيق الوحدة اليمنية (الحزب الاشتراكي) بانه مجتمع ما قبل إقامة الدولة الحديثة والتي تنعكس سلباً على مؤسسة الجيش في ظل نظام سياسي استبدادي مهيمن على السلطة ، ويفرض آراءه الأيديولوجية والسياسية الأحادية على الجميع والذي يعمل جاهداً على إعاقة تحقيق الانصهار المجتمعي ، من خلال اتباعه لسياسة فرق تسد بين المكونات المجتمعية والقوى السياسية المتعددة، كما يمكن توصيف وضع جزء لا يستهان به من الجيش بأنه اصبح رويدا رويدا جيشاً عصبوياً (جيش العائلة) حسب تسمية الثوار (وحدات الحرس الجمهوري، القوات الخاصة، وحدات الأمن المركزي، قوة مكافحة الارهاب، سلاح الجو والدفاع الجوي)
ويتبين اليوم أنّ اعتماد صالح على الأقارب في الجيش والأجهزة الأمنيّة لم يكن بالضّرورة عامل ثبات واستقرار له، فأخطرُ تهديد له يأتيه اليوم من اللواء علي محسن الأحمر، الذي وصفته وثيقة دبلوماسية أميركية في العام 2005 سرّبها موقع "ويكيليكس" أنه الرّجل الأقوى في البلاد بعد صالح، وكان سبب ذلك الصّراع الرّئيس هو التّوريث. إذ جري التمهيد لخطّة التّوريث منذ ما يقارب العشر سنوات. وفي سبيل ذلك تمّت تقوية الحرس الجمهوري الذي يرأسه أحمد، فقد تخصّصت هذه القوّة في مكافحة الإرهاب في اليمن (قبل أن يتم انشاء وحدات خاصة لمكافحة الارهاب، يقودها أحد ابناء أخ الرئيس صالح)، واستأثرت بغالبيّة المساعدات المالية الأميركية، التي نمت من 5 ملايين دولار في العام 2006 إلى 155 مليون دولار في العام 2010. فيما اقترحت وزارة الدفاع الأميركية في 2010 تقديم دعم ب 1.2 مليار دولار تنفق على مدى خمس سنوات لدعم جهود ما يسمّى بمكافحة الإرهاب. وقد تمّ العمل على تقديم تدريبات أميركية لها في كنف السرّية نتيجة السّخط الذي أثاره النّشاط الأميركي العسكري في المنطقة، مثل الهجمات الأميركية الجوية التي ضربت مناطق داخل اليمن في كانون الأول/ ديسمبر 2009. كما تتبنى قبائل وقيادات عسكرية موقفا سلبيا من قوّة وحدات الحرس الجمهوري لأنها استُخدمتْ لصالح نفوذ ابن الرئيس وأضعفت نفوذهم.
ورغم التدريبات الأميركية ومستوى الإنفاق المرتفع إلّا أنّ بوادر ضعف الجيش اليمني أخذت تتبدّى، ويتّضح ذلك في حروب صعدة التي أنهكت الجيش (والتي تمّ اتهام ابن الرئيس أحمد أنه السبب في إطالتها بغرض إضعاف الجيش)، وعدم القدرة على حلّ النزاعات في مناطق اضطراب قبليّة، بالإضافة إلى تنامي وجود تنظيم القاعدة في اليمن في السنوات الأخيرة حيث وصل الأمر إلى ظهور علني لهذا التنظيم في بعض المحافل في اليمن. وقد استخدمت هذه الصّراعات لضمان الدعم الأميركي لعلي عبد الله صالح خوفا من البديل وهو سلفي جهادي في بعض المناطق... كما بدا للعيان في حينه.
وكانت معسكرات قد استسلمت بكاملها في حروب صعدة في مران ورازح وحرف سفيان، وسلمت كلّ ما فيها من أسلحة وعتاد لجماعة الحوثي، وسبب ذلك كما يقول مئات من الجنود الأسرى لدى الجماعة هو انقطاع المؤن عنهم أسابيعَ دون مبرّر. كما اتهم جنود آخرون سلاح الطّيران الذي يقوده الأخ غير الشّقيق للرّئيس اليمني بقصفهم أحيانا أو عدم فكّ الحصار عنهم في أكثر من مناسبة في حرب صعدة الأخيرة.
 بالإضافة إلى ذلك، كان صالح قد تدخّل في هيكليّة الجيش في السّنوات الأخيرة، فبعد أن عيّن ابنه أحمد في قيادة الحرس الجمهوري بعد إزاحة أخيه غير الشّقيق علي صالح الأحمر، أجرى صالح "غربلة" في قيادات الجيش تمهيدا لتوريث ابنه، فأبعد قيادات من المقرّبين من علي محسن الأحمر، وعيّن آخرين مقرّبين من ابنه أحمد. كما أنشأ صالح فرقة المشاة الجبلية المدرّعة لتنافس الفرقة المدرعة الأولى التي يقودها علي محسن الأحمر.
وحتى نجمل ما طرحناه ؛فإن البناء الديمقراطي لأي دولة يقتضي فصلا تاما بين المؤسسة العسكرية وبين السياق السياسي التنافسي ،كما يقتضي خضوع القيادة العسكرية للقيادة السياسية المدنية المنتخبة والرقابة البرلمانية – بشكل يراعي حساسيات الأمن القومي – في السياسة الدفاعية والعسكرية – وهذه ضرورة استراتيجية بحد ذاتها.
لقد أعادت الأحداث الأخيرة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا من جديد تأكيد الدور الذي تقوم به المؤسسة العسكرية في معادلات السياسة العربية، وفي توجيه بوصلتها، والتحكم في مساراتها، ولا شك في أن هذا الدور يثير تساؤلات كثيرة حول أبعاده وأهدافه وتداعياته على مستقبل العملية الديمقراطية، ومستقبل عملية الإصلاح السياسي، بل ومستقبل الثورات العربية الناشئة بأبعادها وأهدافها الطامحة للتغيير الشامل، والقضاء على الحكم الفردي ، والغاء فكرة التوريث التي اصبحت الهاجس الأوحد للأنظمة التي تدعي انها (جمهوريات)، وحتى هذه اللحظة يمكن القول إن المؤسسة العسكرية في كل من تونس ومصر مارست وتمارس دوراً وطنياً كبيراً يرقى إلى نعتها بالمؤسسة الوطنية، وكيف أنها كانت بمنزلة صمام الأمان السياسي للحيلولة دون الانجراف في حالة من الفوضى قد تقود البلدين إلى الانهيار( لا سمح الله)، وأنها حتى هذه اللحظة أيضاً أسهمت وحافظت على هيبة الدولة ، لكن في الوقت ذاته لا بد من الإشارة إلى أن ثورة الشباب اليمني قد أكدت نضجاً سياسياً كبيراً، وأنها قد تكون الثورة الوحيدة في العالم بهذا الحجم، وحتى الدول الغربية نفسها لم تشهد مثيلاً لها .
 ونتيجة لغياب آليات التبادل السلمي للسلطة في الموروث السياسي العربي, الذي هيمنت عليه وفقا (لابن خلدون حالة الاستقواء العصبوي ) قوة العصبية التي تمكن المتطلع للحكم من الغلبة , فقد شكلت الجيوش العربية الحديثة وخصوصا في المجتمعات الغير متجانسة ذات التعدد العصبوي القبلي والطائفي, (مثال اليمن العراق سوريا) حاملا لهذه العصبويات التناحرية, مما يفسر كثرة الانقلابات العسكرية في المنطقة العربية, حيث بلغت عدد هذه الانقلابات ما يناهز 23% من الانقلابات في العالم, بين السنوات 1950 -1980, (علي زرتوقاه، نمط الاستيلاء على الحكم في الدول العربية 1984)، قبل أن تتمكن الدولة الديمقراطية في المنطقة العربية, من محاصرة هذه الظاهرة العربية الفريدة, بتمكن الحكام العرب من مركزة جميع موارد القوة في أيديهم , باستخدام الأجهزة العسكرية والأمنية والاستخبارية والوظيفة العامة لحماية الحكام وتعزيز نفوذهم على مختلف مفاصل الدولة والمجتمع, فالحاكم العربي في ما ذهب إليه خلدون النقيب يحدد لرعاياه كل شيء, حتى الإيقاعات التي يرقصون عليها.
لقد أحكمت النظم العربية قبضتها على شعوبها باستيلاء حاكميها على جميع مفاصل القوة والثروة والسلطة, وتحويل شعوبها إلى قطعان من الأقنان يساقون إلى ما يخدم مصالح الحاكم, وإرضاءه. إلى أن جاءت الثورة السلمية وداهمت الجميع, فلم يتوقعها الحكام ولا المحكمون , فرغم وجود كافة شروط الثورة في عددا من البلدان, منذ وقت طويل فلم يكن أحدا يتصور كيفية حدوث الثورات, في ظل نظم قمعية تمتلك جميع وسائل القمع واكتشاف ما تنطوي عليه الضمائر, كان الاختراق النفسي والديني لفكرة الانتحار عند محمد البوعزيزي, هي الجرأة والشجاعة التي لا تحتاج إلى سلاح , كان التعبير عن الرفض والقبول بالتضحية في الثورة السلمية , هو التمييز والاستثناء في تاريخ الصراع والمقاومة للسلطة الظالمة في البلاد العربية منذ فجر التاريخ. وهو ما استطاع الشباب العربي فعله في تونس ومصر ولليبيا وفي سوريا واليمن, شيء لم يكن متصورا في كل الأحوال. وتأتي اليمن , استثناء آخر قائما بذاته, حيث كانت نمط الثورة السلمية للشباب, عكس التصورات النمطية عن الشعب اليمني , ليس في نظرة الخارج له, بل في نظرة الشعب لنفسه. وهو الذي يمتلك ما يزيد على 50 مليون قطعة سلاح, بأشكالها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة.
إن قدرة الثورة الشبابية الشعبية السلمية على تحطيم حواجز الخوف ومعاقل الحكام العرب, التي قامت على أشكال القوات المسلحة, من الجيش والحرس الجمهوري وأجهزة الاستخبارات المتعددة, يطرح التساؤل عن طبيعة المهام التي ستوكل إلى الجيوش العربية في دول الربيع العربي, بعد انتصاراتها, هل ستخفض أعدادها وتتحول مهامها من حماية الحكام إلى حماية الأوطان, هل سيعاد بناءها إلى مؤسسات وطنية يقوم بناءها على أساس الكفاءة والقدرة والولاء الوطني, أم أنها ستغدو قوات مأدلجة إن أصبحت القوات المسلحة خاضعة لأحد أحزاب الإسلام السياسي العقائدية في مصر أو تونس أو اليمن أو ليبيا. إن ضرورة التحول الديمقراطي تقتضي, بناء القوات المسلحة, بحيث يضمن لها الحيادية , وتعزيز ولاءها الوطني, والابتعاد بها عن الولاءات العصبوية من أي نوع كانت, طائفية أو قبلية أو حزبية. لذا ينبغي عدم السماح بالتمحورات العصبوية داخل كتائب وألوية هذه القوات , مما يمنع الهيمنة والسيطرة لطرف من الأطراف الحالمة بالوصول للسلطة. ولن يتحقق ذلك إلا بتحديد آلية التعيينات لكبار القادة ليتولاها هيئة خاصة بتعيينات القادة , يتم اختيارها من قبل هيئة نزاهة وطنية تمثل فيها جميع المحافظات والأقاليم, تتولى بدورها القيام بتعيينات غيرها من المؤسسات العامة كالمؤسسات الإعلامية والقضائية وهيئة الانتخابات.
وتتجه كما هو ملاحظ تكتلات الشباب في اليمن إلى محاولة ابتكار آليات جديدة لتعزيز حماية الثورة, والعمل على الابتعاد بالمؤسسات العسكرية والأمنية من الوقوع مرة أخرى تحت القبضة الاستفرادية , فعلى سبيل المثال يدعو الكثيرون إلى تشكيل هيئة لحماية الثورة, لمنع الانحراف بها عن مسارها التوافقي, مما يظهر تشككا ملحوظا في نوايا الأحزاب الدينية وغير الدينية , بإمكانية إعادة العمل بالحكم الشمولي ومصادرة الحريات العامة. وتأتي هيئة النزاهة ضمن خيارات الضمانات الثورية لمنع الانحراف السياسي بالثورة. ويكاد أن يمتد الأمر لوضع آلية تمنع استخدام الأموال والدعاية الانتخابية في الانتخابات العامة , فتأتي النزاهة لتحدد صلاحية المرشحين في الانتخابات ذاتها. فعدد كبير من الناس لا يثقون بالآليات التقليدية للديمقراطية.
 ولإزالة تلك التخوفات لابد من العمل على:
- إعادة هيكلة الجيش والأمن والاستخبارات وتصحيح أدوارها وإزالة التضخم في أجهزتها من خلال ادخال نظام البصمة للجيش والأمن بغرض الإبقاء على الرتب الفعلية.
- دمج الوحدات العسكرية وهيكلتها وإعادة بنائها على أسس وطنية وقيادة غير عائلية أو منطقية.
- دمج الأمن المركزي والنجدة مع الشرطة المحلية وإعادة بنائها على أساس المهام الموكلة للأمن.
- دمج الأمن القومي والأمن السياسي بمؤسسة واحدة وإعادة بنائها على أساس وطني لخدمة المصالح العليا لليمن .
- إعادة بناء جهاز البحث الجنائي .
- نقل السلطات الأمنية إلى المؤسسة المحلية وإعادة بناء أجهزة الأمن على المستوى المحلي مع أهمية توصيف مهامها بحفظ امن المواطن .
- نقل مسئولية الحرب والسلم إلى البرلمان بناء على اقتراح قيادة القوات المسلحة مصادق عليه من مجلس الوزراء.
- إصدار لوائح وتشريعات توصف الوظائف ومعايير تعيين قيادات الأجهزة وكذا تعيين وترقية قيادتها إلى البرلمان بعد موافقة مجلس الوزراء عطفا على ترشيح من الوزير المختص.
- العمل بقاعدة تدوير المناصب القيادية للجيش والأمن.
- إخضاع موازنة الجيش والأمن للرقابة والمحاسبة ومن قبل السلطة التشريعية والقضائية أيضا .
- تعديل دستوري يمنح البرلمان حق إنشاء وحل وحدات الجيش والأمن وكذا تعيين قيادتها العليا للبرلمان بناء على ترشيح مجلس الوزراء .
- وضع توصيف وظيفي ولائحة معايير منصفة لاختيار الهيئات القيادية.
- سن قانون للرقابة والمحاسبة على موازنات ونفقات الجيش والأمن من قبل السلطات التشريعية والقضائية والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
- اخضاع عملية شراء السلاح لمجلس الوزراء ولجنة مناقصات خاصة ومنع وحدات الجيش من الشراء المباشر عبر تجار السلاح وترشيد نفقات التسلح.
- تحسين معيشة الجندي اليمني بدخل يتناسب مع احتياجاته الإنسانية والحياة بكرامة .
- تحويل أسلحة الأمن الثقيلة إلى الجيش ويسلح الأمن بما يتناسب ومهامه في حفظ السكينة العامة.
- إنشاء لجنة مناقصة للجيش بإشراف مجلس الوزراء وإصدار لائحة مشتريات الجيش والأمن.
- وضع إستراتيجية وطنية للحد من التسلح والثارات وإصدار قانون لحيازة السلاح وتوصيفه ومنع التملك للسلاح الثقيل أو الاتجار به.
- اعتماد لائحة معايير علمية فعلية للانتساب للكليات العسكرية والأمنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.