قبل أيام حكمت محكمة الصحافة على الأخوين سمير جبران ومنير الماوري بأحكام أقل ما وصفت بأنها سابقة خطيرة في تاريخ الصحافة، وعلى إثر ذلك تم منع طباعة صحيفة المصدر، وواجهت المصدر ومحرريها وغيرها من الصحف حملة شرسة أبطالها الأمن والمخابرات وأبواق السلطان ضد من نال من ذات الرئيس وعاب حكمه واتهمه بما جرى ويجرى في بلد الإيمان والحكمة . كل ذلك لأنها مست بشكل مباشر من مكانة وذات الوالد فخامة رئيس الجمهورية فاستنقصت من قدره وحكمته وتضحياته وحملته بشكل مباشر ما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد على كافة المجالات باعتباره الرجل الأول والممسك بكل ضغيرة وكبيرة، وما بقية القوم إلا كروت يستخدمهم متى ما أراد ثم يرميهم ويستبدل غيرهم، وبغض النظر عن الحكم ومضمونه وهل الأخوة يستحقوا أم لا فهذا شأن آخر .
لكن السبب واضح؛ النيل من رئيس الجمهورية، أقيمت الدنيا ولم تقعد؛ تحركت الأجهزة الأمنية للبطش والاختطاف وأقيمت المحاكم الخاصة لمحاكمة المتطاولين على أسيادهم المتجاوزين الخطوط الحمراء، ناهيك عن التهديد لبعض الكتاب بكسر أقلامهم وتسويد صحفهم وتصفية أجسادهم . لمجرد أنهم نقلوا بعض ما يعانيه الناس وتمر به البلاد من أزمات.
لكن في المقابل وقبل شهر تقريبا يخرج علينا عالم زمانه ومجتهد عصره بل فاق مجتهدي القرون الخوالي؛ يطلق صرخة شق بها جدار الصمت لينادي أكثر من مليار مسلم :صححوا مصاحفكم خرج العلامة من خلال صحيفة الثقافية التابعة لمؤسسة الجمهورية الممولة من ضرائب الشعب اليمني لينادي بالخط العريض صححوا مصاحفكم، أخطاء لها أربعة عشر قرنا.
خرج وحيد القرون ليبين عجزاً لم ينتبه إليه أحد فعلماء البلاغة والبيان أصيبوا بالعي والبهتان من قديم الزمان إلى أن جاء إمام العصر كاتب الثقافية، وتحير المستشرقون الذين تعبوا في البحث عن باب يلجون منه ليغالبوا القرآن ويناقضوا آياته ويضربوا بعضها ببعض حتى جاء كاتب الثقافية بذهنه الفذ وعبقريته الخارقة ليبين ما بين.
وعلى العموم ليست القصة عن ابتكار المبتكر أو بيان القدرة العقلية الخارقة لعلامة العصر، وإنما كيف تعاملت السلطة مع هذا الهراء : طبعا حرية فكر وصحافة حرة، والكلام في الدين ليس حكراً على خريجي العلوم الشرعية لأن الدين ليس حرفة كما يقولون وليس لدينا كهنوت؛ كلمة قالوها يوم أن نشرت الصحيفة نفسها قبل سنوات قصة اتهم فيها الكاتب الله سبحانه بالظلم.
كنا نظن أن تقوم النيابة العامة ولا تقعد، وأن يخرج وزير الإعلام يرعد ويزبد كما فعل مع الصحف السالفة، وتقوم المحكمة المبجلة بقاضيها المبرمج معلنا إيقاف الصحيفة ومنع كاتبها ورئيس تحريرها من الكتابة مدى الحياة،لأنها مست ذات الله وكلامه وتعدت على ثابت من ثوابت الأمة الإسلامية كلها.
كنا نعتقد أن تعلن المحكمة إحالة الكاتب إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية أو إلى سجن من سجون الأمن القومي، لم يحدث هذا ولا ذك لا في المرة الأولى ولا الثانية، لكن حدث العكس تماما لم تمنع طباعة الصحيفة الملحق حينئذ بل كُرم الكاتب ورُقي ليصبح رئيس تحرير وكُرم الملحق ليصبح صحيفة مستقلة .
كنا نظن اليوم ونحن أمام المذبحة الشرسة ضد الصحف والصحفيين أن ينال أمثال هؤلاء ما ينال غيرهم كحد أدنى لكن لم يحدث شيئا من ذلك؛ بل العكس استمرت الثقافية تشن حملات ضد من هاجمهم أو رد عليهم وتتهمم بالتكفييرين والجامدين والظلاميين.
الفرق أن التعدي على ذات العلي وكلامه لا يهم للكعبة رب يحميها : يساق الى السجن ان سُب الزعيم وان سُب الإله فالناس أحرار.
الذات المقدسة هي ذات الزعيم، مهما عمل لأنه صاحب النعمة والمنة يسأل ولا يُسأل، ذات الفندم عندنا أقدس من كل مقدس ليس فيها مجال للحرية ولا باب من أبواب النقد، النقد استنقاص لقدره وإنكار لفضله، وجحود لدوره، التعدي على شخصيته وتجريح مكانته تعد على الدستور وإنتهاك للقانون وتمزيق للوحدة لأن الكل متجسد في ذاته تجري مع دمه في عروقه فانتقاصه انتقاص لها، والتمجيد باسمه والتعظيم لفخامته حماية للبلاد والعباد وحفاظ على الأمن والاستقرار، وصيانة للدستور وتطبيق للقانون .
لذا فمن يتجاوز الخط الأحمر تُكسر أصابعه ويُكمم فمه إن لم يُختطف جسده ويُغيب شخصه، ويُرمى بتهم العمالة والخيانة، كل ذلك لأنه أنكر على إنسان يخطئ ويصيب وهو محط للمسائلة ابتداء وموضع للنقد لما يملك من صلاحيات لا تُحد، تجعله المسئول أولا وآخراً عما يجري وما سيجري مادام كرسيه ضارب الجذور إلى الأرض السابعة.
أما من قدر المكانة ولهج بالمدح والثناء، ورأى كل فعل مهما كانت آثاره السيئة هو من باب حكمة القائد وحنكة الزعيم، وأمن بعد كل كلمة لأنها خرجت من ثنايا حكيم الزمان، وفارس الأوطان؛ فأبواب الارتقاء الوظيفي مفتحة أمامه والجيوب ستملأ له، وأوصاف الوطنية ستصب عليه.
أما الله والتعدي على حرماته والقول عليه بغير علم ووصفه بالظلم والتشكيك في القرآن واتهام المفسرين الأولين بتحريفه فمجالً للحرية ونبذ للتقليد وتحرر من أسر الماضي والجمود عليه.