تجنبت ان أكتب عبارة: «ارفع رأسك» لأني أؤمن أنه مرفوع دائماً بإذن الله. ومع ذلك فإني حين فضلت أن أختار في العنوان كلمة «أخرج رأسك» لم أكن أعني ان تُخرجه من جسدك.. لا، معاذ الله.. بل ما عنيته بالضبط هو: ان تغلق جهاز التلفاز او جهاز الحاسوب الذي أمامك الآن، وتتوجه الى أقرب نافذة لديك، افتحها إن كانت مغلقة، وأخرج رأسك منها..! أرجوك حاول أن تجرّب الآن..، ماذا ترى في الخارج؟ أعرف، إنه بيت جارك. وإذا كنت تقطن في حي متواضع جدا، فأغلب الظن أنه «بيت متهالك»، لكنه قطعا مازال يُدعى بيت؛ نعم القمامة أيضا، هي الأخرى تراها تملئ، الشارع أو ربما الزُقاق الذي تمر فيه يومياً، ربما أنها متراكمة بشكل يبعث على التساؤل: لماذا لا يقوم أحدهم بتنظيفها..؟ هل ترى بعض الأطفال أيضا؟ ماذا يصنعون؟ من الطبيعي أن تراهم يلعبون، فالأطفال يحبون اللعب دائما. لكن ماذا لو أنهم يتسابقون على أكياس القمامة، يبحثون فيها عن شيئا ما؟ قد يتبادر إلى ذهنك مثلا أنهم تركوا مدارسهم ليكونوا أطفال شوارع قذرين..! فيما أنك قد تكتشف بعد قليل أنهم ليسوا كذلك: هاهم يبحثون ويتسابقون إلى تجميع قناني المياه الفارغة لبيعها بسعر بسيط..! إذن: لقد تركوا المدرسة كي يعينوا اسرهم في البحث عن اسباب البقاء..! أخرج رأسك من النافذة فقط. قد تكون واحدا ممن تطل نوافذهم على قطعة أرض صغيرة فارغة، عجز صاحبها الفقير والضعيف عن أن يعمل فيها شيئا بعد ان دخل في خلاف حولها مع أحد النافذين الأقوياء، من ذوي الوجاهة، وأجبره هذا الأخير - بنفوذه الواسع - على أن يتخلى عنها. ربما اكتفيت بالتساؤل المكرر: لا أدري لم لم يقم ذلك الفقير بالدفاع عن ارضيته؟.. وحين تخرج رأسك من نافذتك، قد تشاهد أيضا احد المنازل التي أشتهر في الحارة أنهم زوجوا طفلتهم البريئه ذات الأحد عشر ربيعاً قسراً او إغراءً من ثري يبلغ الخمسين..!
يآآآه كل هذا في حارتك؟ هل ترغب بالمواصلة؟ ماذا سترى أيضا؟ ربما تمر الآن سيارة مدير المدرسة الذي أشتهر بالتعامل مع أموال الرشاوي لكي يمنح الطلاب أعلى الدرجات..! وماذا أيضا بشأن تلك العجوز المسنّه الوحيدة المُلقاة في غرفة صغيرة متهالكة الجوار، وقد فتك بها المرض أمام عجز بعلها العجوز؛ لم يعد أمامهما من شيء، منذ أشهر، سوى انهما ينتظران لقدرها. وأنت تتساءل: لماذا لا تزال على قيد الحياة..؟ هذا ما يحدث عندما تخرج رأسك من النافذة. لكن، ربما مات شعورك بالمسؤولية تجاه ما يحدث حولك..! ربما لأنك تفضل أن تحتفظ برأسك داخل غرفتك بعيدا عن النافذة؛ أمام شاشة التلفاز، أمام شاشة الكمبيوتر: منشغل بالانتخابات المصرية؛ تحلل وتناصر وتجادل حول من سيفوز: مرسي ام شفيق؟ يراودك تساؤل غاضب: هل فعلا سيفعلها حمدين صباحي وأنصاره ويتركون شفيق يفوز بالجولة الثانية، وتفشل الثورة المصرية دون أن يحركوا ساكنا؟ وكأنهم «شغلك الشاغل»..! او ربما انك منشغل بما يحدث لأهلنا في فلسطين او العراق او ربما بالمجازر التي تطال أهلنا في سوريا..! مثلا. وتعتقد أنك بذلك تؤدي ما يجب عليك..! هذا ان لم يكن همّك الأكبر هو: من سيفوز في دوري اليورو..! أو من سيفوز: الريال أم البرشة؟ حسنا: هلا ركّزت معي قليل لو سمحت.. إذا كنت فعلا تريد ان تحرر فلسطين، أو تريد ان ينتصر مرشحك في انتخابات مصر، أو تريد لبشار ان يهزم وتطاله يد العدالة، أو – بشكل عام - تريد للأمة ان تنتصر وتتوحد وتنهض.. إن كنت تريد ذلك فعلا، فعليك بحارتك.. حارتك يا صاحبي هي السبب في كُل ما يحدث..ساهم في حل مشاكلها، ناقش هموم أفرادها.. انشر العدل في جنباتها.. اجعلها قضيتك الأولى...فمنها ستتحقق كُل أحلامك.. نعم ففي حارتك تكمن كل خيبات الأمة التي تعاني انت منها.. هل تصدّق؟ حتى الريال والبرشا سيأتون للعب في اليمن حين يعم الخير حارتك! وحين سيعم الخير أحيائنا القريبة منا، ستكون كلمة اليمن مسموعة ومواقفها اكثر قوّة وتأثير على كافّة المستويات. لذا تذكر دائماً ان تتذكر اين تعيش بالفعل، أن تخرج رأسك من النافذة حتى تتذكر مسقطه!! أخيراً، ربما تسألني: هل أُخرجت رأسك أنت ايضاً؟ سأقول لك: أنا هنا أعيش في الولاياتالمتحدة، وحين أخرجت رأسي وجدت أني أمريكي.. لذا اضطررت الى ان ارفعه كي أبقى يمني!!