في الإعلام المؤتمري والحوثي يمكن ببالغ الأسى والحزن أن نكتشف أن اليمن بلد محتل احتلالاً أمريكياً كاملاً (أو ناجزا على حد التعبير الشهير للأستاذ نجيب قحطان الشعبي عندما يرد على الاتهامات التي تنتقص من استقلال جنوب الوطن عام 1997!) مظاهر الاحتلال الأمريكي الكامل لليمن تتمثل عند فرقة ( أنا بقايا.. إذا اليمن محتل (في تدخلات السفير الأمريكي أو مشاركاته في الأنشطة السياسية، وهجمات الطائرات الأمريكية على المشتبهين بالانتماء للقاعدة.. أو كل ذلك مما يمكن أن نصفه كما هو معروف في قاموس الفقه الإسلامي بأنه مما يعم به البلاء في هذا الزمن، فلا تكاد توجد دولة في العالم تسلم من شيء من أنواع التدخل الخارجي.. حتى الصين الشعبية العظمى تواجه تدخلات أمريكية مثل مطالبتها بتحرير سعر عملتها الوطنية (الين) وجعلها خاضعة لحركة السوق مما يعني تخفيض سعر صرفه فعليا!
العراق مثلاً يحكمه مجموعة من الساسة العراقيين الذين لولا الاحتلال الأمريكي لما كانوا يحلمون بأن يتولوا منصب عاقل حارة في أفقر قرية عراقية، ومع ذلك فهم أكثر الناس حديثا عن الاستقلال والسيادة! وهم يخضعون لتدخلات السفارتين: الأمريكية والإيرانية بأكثر من خضوع الأمريكيين للحكومة الأمريكية والإيرانيين لسلطة المرشد الاعلى للثورة في طهران!
لن أتناول هنا مسالة قصف الطائرات لرجال القاعدة (حتى وإن كانت تتم بموافقة رسمية يمنية لأن لي رأياً خاصاً بذلك لم يحن أوان قوله!)، وإن كنت قد كتبت سابقاً محذراً من تكرار أنموذج قتل المدنيين في أفغانستان وباكستان،، فالأمريكان لا يهمهم أن يقتلوا مائة مدني مقابل قاعدي واحد ،، تماماً مثل القاعديين الذين لا يهمهم أن يقتلوا مدنيين في سبيل استهداف السفارة الأمريكية أو موكب سفير أجنبي.. وفي حالات كثيرة يفشل الطرفان في قتل بعضهما وينجحان فقط في قتل الأبرياء!
نشاط السفير الأمريكي ومشاركته في الشأن السياسي الداخلي هو الذي يثير الوطنيين الجدد الرافضين للاحتلال الأمريكي.. وكذلك ما ينشر عن قيام أوروبيين بإعداد الدستور الدائم ، ودور الدول الراعية للمبادرة الخليجية في محاولة حل الخلافات القائمة حول مسائل مثل الحوار الوطني وإعادة هيكلة الجيش والأمن!
ومن نافلة القول إن ضعف البنيان السياسي الداخلي هو الذي يتيح للآخرين التدخل أو دس أنوفهم في شؤون أي بلد، ونحن العرب تعودنا أن نرفع أصواتنا احتجاجاً على التدخل الخارجي، حتى إذا هاجمتنا إسرائيل ناشدنا مجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة والمجتمع العالمي أن يتحملوا مسؤولياتهم ويهبوا لإيقاف العدوان.. وعلى ذلك تمكن قياس المواقف من أي كارثة مثل الزلازل والفيضانات ، وحتى وصول الجراد إلى أرض السعيدة!
عدم التفريق بين نفوذ دول أجنبية وعربية في الشأن الداخلي وبين معنى الاحتلال ليس في مصلحة الوطنيين الجدد.. وخاصة عندما تصدر من أمثال بقايا النظام السابق الذي جلب النفوذ الخارجي ومكن له في البلاد! لكن بدون شك هناك فرق بين الاحتلال وبين الوضع الراهن.. والمشكلة في اليمن أن (الاحتلال الأجنبي) هو العامل المهم الذي جعل خيارا مثل الانفصال أمرا ممنوعا أو خطا أحمر في الوقت الذي كان الوطنيون الجدد –وما يزالون- يعملون من أجل الانفصال، وبعضهم ليس لديه مانع أو اعتراض!
السؤال المهم: هؤلاء الذين يتحدثون عن احتلال اليمن احتلالاً كاملاً؛ لماذا لا يعلنون الجهاد المقدس أو الثورة المسلحة لطرد المحتل أو يضربون عن الطعام والقات حتى ينتهي الاحتلال؟ هل صدقوا أن شعار(الموت لأمريكا..) يسقط عنهم الإثم.. أو أن التنديد به إعلاميا يكفي لإسقاط الواجب ما يفعله مؤتمريون صارت العلاقات مع أمريكا جريمة وهم الذين كانوا يعدون أي دعوة للزعيم لزيارة واشنطن دليل على المكانة العظيمة والنجاحات المتواصلة للسياسة الخارجية اليمنية؟
بالمناسبة؛ لا يعد الغربيون وخاصة الأمريكيون؛ أن نشاط السفراء في البلدان التي يعملون فيها ماسا باستقلالها.. ويمكن لأي سفير يمني أو عربي أن يصنع مثلما يصنع السفراء الغربيون في بلاده.. بمعنى يمكن له أن يلتقي بأحزاب المعارضة، ويزور الأقليات ويتعاطف معها، ويرعى لوبيات لمصلحة بلاده (القانون الأمريكي يسمح لمواطنيه ان يعملوا لمصلحة أي دولة أخرى بشرط أن يكون ذلك علنا) وإذا كانت دولة السفير غنية فيستطيع شراء الذمم وتمويل الحملات الانتخابية بطرق ذكية.. المشكلة أن سفراء العالم الثالث يجعلون من عملهم الدبلوماسي وكأنه رحلة استجمام طويلة وشفاء للأدران، وفرصة تحويش لمرحلة التقاعد!
لا يتمنى أحد إلا الشواذ أن تقع بلاده تحت الاحتلال، لكن هناك فرق بين كراهية الاحتلال الأجنبي وبين استخدام المصطلح بخفة لإدانة الخصوم وتسجيل نقاط وهمية لتحقيق نصر إعلامي وهمي. وفي تاريخ اليمن نصب أناس مثل الإمام المطهر بن شرف الدين وأفراد عائلته كأبطال استقلال ضد (الاحتلال) العثماني مع أنه هو الذي حرضهم ضد أبيه انتقاما منه لحرمانه من الإمامة. ومن قبله حرض الإمام شرف الدين والسلطان الطاهري العثمانيين ضد بعضهما بعضا!
الحراك الانفصالي يصرخ أيضا منذ فترة ضد الاحتلال الشمالي للجنوب.. وقيض الله لهم سياسيا ألمانيا يهزأ بأطروحاتهم.. ثم دارت عليهم الدائرة فإذا بجماعات من حضرموت وعدن ومناطق أخرى تتحدث هي أيضا عن استعمار جنوبي لمناطقهم حدث منذ 1967!
والخلاصة: كله عند العرب استقلال.. وكله عند العرب احتلال!