في تاريخ 29 – 1 – 2013 أصدر مجلس الوزراء في الجمهورية اليمنية قراره رقم (33) الخاص بالموافقة على مشروع قانون الحماية القانونية لمنتسبي الأمن، والذي تصبح تسميته وفق المادة (1) في نص المشروع "قانون حماية أفراد القوات المسلحة والأمن"، وهو القرار الذي بموجبه تم اعتماد هذا المشروع بغرض إحالته إلى مجلس النواب اليمني للمصادقة عليه وإدراجه ضمن المنظومة التشريعية السارية في البلد. وعلى الرغم من كون نص القرار الوزاري يتضمن طلبا بإجراء بعض التعديلات والإضافات إلى نص المشروع بناءً على ملاحظات أوردها في الفقرات (أ) و(ب) و(ج) من المادة (1) في نص القرار، وسنتناولها لاحقاً، وأوكل استيعابها إلى وزارة الشؤون القانون والوزارات الأخرى المعنية، إلا أن هذه الملاحظات الوزارية الخفيفة لم تغير بشكل جوهري مضمون القانون الذي يثير القلق لأسباب متعددة من كونه يبدو محاولة رسمية لتحصين أجهزة الأمن والقوات المسلحة، التي تتمتع بسُوء السمعة على المستوى الشعبي والمتهمة باستمرار بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، من المساءلة القانونية. علاوة على كون القانون في وظيفته لا يبدو مفهوماً من ناحية وجود قوانين أخرى سارية تنظم بالأساس وظائف أجهزة الأمن وحقوق أفرادها، وبينما كان يجب أن يدور النقاش والتشريع القانوني في إطار تعزيز التزام مؤسسات إنفاذ القانون بحقوق الإنسان ومدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين الصادرة عن الأممالمتحدة، يتجه الأداء التشريعي الرسمي نحو ما يبدو تعزيزاً لسلطة القمع وتحصين أدواتها التنفيذية في مواجهة الجمهور! ويشتمل مشروع قانون حماية أفراد القوات المسلحة والأمن على 16 مادة؛ تتضمن في إطارها التسمية والتعاريف ونطاق السريان، وأداء الواجب والعقوبات. وتسري أحكامه بحسب المادة الثانية على منتسبي الأمن ومنتسبي القوات المسلحة ومجنّدي خدمة الدفاع الوطني، مع العلم أنه تم إلغاء خدمة الدّفاع الوطني منذ عام 2000 في اليمن.
تقنين مسبق لحق ارتكاب الجريمة.. تتمحور أهم المضامين الرديئة في مشروع القانون حول كيفية حماية أداء أفراد الأمن والقوات المسلحة من المساءلة وضمان إفلاتهم من العقاب في حال ارتكاب الجرائم، وتبدو اللغة المطاطة في كل من المواد (3) و(4) كأنما تُشرع لارتكاب الجريمة مع توفير الحماية ابتداءً للقائم بها، وتفصح المادة (3) بشكل جلي عن ذلك، حيث يتضمن نصها التالي "مع مراعاة ما ورد في قانون الجرائم والعقوبات لا جريمة إذا وقع الفعل من أفراد القوات المسلحة والأمن في الأحوال التالية: 1- إذا كان الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى القانون. 2- إذا كان قياماً بواجب يفرضه القانون. 3- إذا كان استعمالاً لسلطة يخولها القانون. 4- إذا كان تنفيذا لأمر مشروع صادر إليه من رئيس تجب طاعته".
وبموجب هكذا إطار فضفاض من الصلاحيات التي تمنحه المادة لرجل الأمن أو أفراد القوات المسلحة لا يصبح بالإمكان مساءلتهم على أي أفعال يقومون بها أثناء أدائهم واجباتهم الوظيفية، حتى لو تضمن هذا الأداء انحرافاً ب الحق الممنوح له أو السلطة المقررة له قانوناً، ولا يمكن وصف مقارفة أي رجل أمن جريمة بكونها جريمة! مادام ارتكابها ضمن ما هو مقرر له من صلاحيات في هذه المادة.
وتمنح المادة (4) من مشروع القانون سياقاً ضامناً لإثبات انتفاء الجريمة عن الفعل الذي قام به كل من تسري عليه أحكام هذا القانون، حيث وعلى الرغم من أنها توجب "على فرد القوات المسلحة والأمن عدم تنفيذ أي أمر صادر من رئيس تجب طاعته إلا بعد التثبت والتحري من مشروعية الأمر"، ولكنها تحميه إذا ارتكب جريمة إذا أثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد أن ظنّ مشروعيته، فعليه إذا وفي ذات المادة "أن يثبت إذا نفذ أمرا لم يتمكن من إدراك مشروعيته أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحرّي، وأنه كان يعتقد مشروعية الأمر، وأن اعتقاده قد قام على أسباب معقولة"، وهكذا يصبح الأمر في كل هذا السياق تبريراً مسبقاً لحق ارتكاب الجريمة من قبل الجندي أو الضابط مادام يستطيع أن يثبت توفره على "أسباب معقولة" تمنح "مشروعية" لما قام به!
وعلى الرغم من أن القرار الوزاري رقم (33) الخاص بالموافقة على مشروع القانون تضمن في الفقرة (ج) من المادة (1) طلب "إضافة مادة جديدة إلى المشروع تنص على أي انحراف في استخدام سلطة الأمن والجيش يعاقب مرتكب الفعل بالعقوبة المقرره قانونا مع الفصل من الوظيفة"، إلا أن الأمر يبدو في هذا التعديل الوزاري المنشود استدراكاً خجولا لصلاحيات واسعة قُررت لأفراد الأمن والقوات المسلحة، تمنحهم الحق بارتكاب الجرائم وانتهاك حقوق المواطنين، وحيث لا يُمكن وصف أي فعل بكونه "انحرافا في استخدام السلطة"، مادام القائم بهذا الفعل يظن أن مشروعيته تتوفر على أسباب معقولة!
وكان مشروع القانون قد عطل في المادة (5) حق أي فرد أو جهة أو جماعة برفع أي دعوى جزائية على "أفراد القوات المسلحة أو الأمن لجريمة وقعت منهم أثناء تأديتهم لواجبات وظيفتهم أو بسببها إلا بإذن النائب العام"، إلا أن القرار الوزاري قد قرر في الفقرة (أ) من المادة (1) "حذف المادة 5 من مشروع القانون".
وعلاوة على هذا، تضمنت المادة (12) من مشروع القانون تقريرا لعقوبة الغرامة على "كل من ينسب لأحد أفراد القوات المسلحة والأمن أموراً غير قانونية أو غير صحيحة تتعلق بأعمال وظيفته عبر الصحف والمجلات أو غيرها من الوسائل بغرض الإساءة والتشهير"، وهنا تبدو هذه المادة سلاحاً لإغلاق مجال الممارسات الأمنية أمام الرقابة وتداول المعلومات والنقاش العام، وتقييداً صريحاً لحق كشف أي انتهاكات يرتكبها الجنود أثناء تأديتهم لوظيفتهم، وخصوصاً أن ما هو غير قانوني تسليط الضوء عليه من مهام الأجهزة الأمنية أو القوات المسلحة غير محدد نصاً وبوضوح كما يجب، ليترك الأمر لتقدير القائمين على الأجهزة الأمنية لتأويل ما هو غير قانوني، علاوة على إمكانية اعتبار أي تسليط للضوء فعلا يتوفّر على "غرض الإساءة والتشهير" ضمن مساحة تأويل واسعة تتيح تعطيل الشفافية في تناول أداء أفراد القوات المسلحة والأمن. وهكذا فإن هذه الماده تعادي جعل الانشطة الأمنية محل للنقاش والرقابة العامة ولا تضمن "حق الجمهور أن يفحص الإجراءات التي يتخذها الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين"، كما تؤكد على ذلك المعايير الدولية الأساسية لحقوق الإنسان التي يجب أن يتقيّد بها الموظفون المكلفون بإنفاذ القوانين.
وعلى الرغم ممّا تفصح عنه مواد مشروع هذا القانون من تأسيس لبيئة قامعة ومنتجة للانتهاكات، ينجو فيها الجنود والضباط من المساءلة على الجرائم التي يرتكبونها، وتحرر فيها ممارسات الأجهزة الأمنية من أي رقابة، يقول رئيس فريق الهيكلة بوزارة الداخلية اللواء الدكتور رياض القرشي في حوار صحفي معه أن "هيكلة الأجهزة الأمنية ستضع دليل سلوك وقواعد عمل للإدارات والأفراد لاحترام حقوق الإنسان وعدم انتهاك حقوقه في محاولة لتفادي أخطاء سابقة تعطي القادة الأمنيين حق إعطاء أوامر بإطلاق النار أو القتل «أو أن يفعل ما يريده بعيداً عن الأنظمة والقوانين»)، وكأنما هذا القانون المعروض أعلاه لا يفصح عن تناقض جوهري مع كل هذا اليقين الذي يبديه اللواء، ليتمنّى رئيس فريق الهيكله في جزء آخر من الحوار أن "لا يتعرض المشروع للحذف من الجهات المتعددة التي سيمر عليها ويصدر بشكل هزيل"؛ لأنه "لا بُد من إقرار قانون يحمي أفراد الشرطة حتى تكون معنوياتهم عالية"!
إن حماية أفراد القوات المسلحة والأمن لا يمكن أن تتوفّر عبر تعظيم صلاحياتهم وتخليص أدائهم لوظيفتهم من المساءلة والرقابة، بل بتقيّدهم الكامل بالدستور والقانون، والتزامهم بحماية حقوق المواطنين وحقوق الإنسان ضمن ما تقره وتوجبه المعايير الدولية الخاصة في هذا الأمر. وسيؤدي مشروع القانون، الذي أقره مجلس الوزراء اليمني، باتجاه إحالته لمجلس النواب للمصادقة عليه وإصداره، إلى تعزيز فرص الإفلات من العقاب وممارسة الانتهاكات بشكل واسع؛ مادامت هناك إمكانية لتبريرها وحماية القائمين عليها وعدم تحمل المسؤولية عليها، ولا يبدو هذا المشروع القانوني سوى تعزيزٍ للضعف الشديد الذي يعتري المنظومة التشريعية اليمنية في توفير الحماية القانونية للمواطنين في مواجهة أجهزة أمنية وعسكرية لطالما تمتعت بسُوء السُّمعة الشديد في اليمن.