سألت جارتنا مريم وهي امرأة صالحة من فئة أطلق عليها الأعلام تسمية «المهمشين» تأدبا بعد فوات الأوان فقد استقر في الأذهان، أذهاننا وأذهانهم، جيل بعد جيل تسميتهم ب«الأخدام» من أيام سيف بن ذي يزن وقبولهم ذلك الاختيار السيئ. سألتها ما رأيك بالحوار ومشاركتكم فيه. اجابتني «حوار ايش يا بنتي ما يعملوا لي المتحاورين هؤلاء. مشكلتي بالذي حولي اكثر من دولة ظلمتني خلوا الناس حولنا يحترمونا والمتحاورين في صنعاء عنهم لا احترمونا الناس ما يتغيروا بشوية خبر ومحاوره».
الحقيقة أفحمتني الحاجة مريم فهذه المرأة العظيمة ربت بناتها على الالتزام والخلق الحسن وعلمتهن في المدارس حتى أكملن الثانوية إلا أنهن حرمن من الجامعة لعدم القدرة المالية وكذلك أبنائها والكل يعمل بمهن بسيطة لكنها تخدم المجتمع فالأب حمال والابن إسكافي وحتى مريم تساعد بعض النساء في أعمال التنظيف في المنازل.
ولكن ماذا في المقابل. إنها تلك النظرة الدونية المستنقصة لهؤلاء.. بل وتحاشي معرفتهم او مجاورتهم إلا النذر اليسير من الواعين بحقوق البشر المتساوية.
إن مشكلة هذه الفئة لا تقتصر على دولة غائبة ضيعت حقوق الجميع إلا أصحاب السلطة بل هي مشكلة مجتمع بأسره توارث العنصرية والنظرة الفوقية كابر عن كابر بلا جرم توارثته هذه الفئة سوى رغبتهم البقاء في اليمن حين كانت الأرض السعيدة ولو عادوا من حيث أتوا كان خيرا لهم. ولكنهم الآن أصبحوا بمرور مئات السنين احد مكونات المجتمع اليمني ولهم حق المواطنة.
ولا ندري بقاء «الأخدام» كفئة مسحوقة جريمة أنظمة سابقة وضعتهم أسفل الهرم الاجتماعي أم هي جريمة مشتركة بين مجتمع متخلف وفئة لم تطالب ولم تحاول تغيير وضعها لعقود عدة وربما قرون.
فقد ارتبط في الأذهان صورة هذا الإنسان المنعزل المجانب للنظافة البدنية والغريب إلى حد كبير أنها صورة المتسول في الأسواق والأزقة والفظ في ألفاظه وتعامله.
وأي تطور أو تحضر منحصر في عائلات معينة أو أماكن فقط. ولكن الأغلب في هؤلاء الناس عدم اهتمامهم بالتعليم أو وضعهم الاجتماعي المؤلم. وفي الأماكن الفقيرة أو الريفية يسوء الأمر أكثر فهم أسوأ الجميع معيشةً ودخلاً.
حقا أن باب التعليم مفتوح للجميع و للقادرين على دفع المصاريف وحقا فيهم المعلمين والمثقفين وهم قلة تعد إلا أن هذا لا يعني اكتساب حق الاحترام أو إزالة الفوارق المجتمعية فالطالب من هذه الفئة يجب أن يكون قويا حتى يكمل تعليمه في بيئة تتحاشاه وتزدريه.
ومع أنظمة سابقة لم تحاول الاعتراف بهم كأقلية لها حقوق وواجبات في مجتمعاتها (فلم نسمع على حد علمي عن مدير مصلحة حكومية او مسؤول حكومي من فئتهم ناهيك عن نائب برلماني أو وزير). كيف لهذا المواطن أدنى احترام من مجتمه. أو اعتراف أو حتى معاملة حسنة فالناس على دين ملوكهم.
إما أن يصبح هناك «أوباما اليمن» ربما في آخر الدهر نظرا لتطور اليمن البطيء في تعاملها العنصري مقارنة بأمريكا التي تجاوزت أبشع مراحل العنصرية الإنسانية في فترة طويلة.
ولعل هذه المعاملة القاسية والمتوارثة كانت سببا رئيسا لخروج كثير من فتيات هذه الفئة وانتشارهن في الجولات وأسواق القات وأماكن أخرى في هيئة لا أخلاقية ويتبعن ممارسات سيئة تسيء لهن بدرجة أولى وتنشر الخلق المبتذل لدى الشباب المراهق و الرجال.
وعندما عصفت رياح التغيير بكامل اليمن وظهرت أصوات كانت قد وئدت أو ضاعت بين جملة الأصوات قرر اليمن أخيراً الاعتراف بكل تلك الأصوات التي دفنتها العنصرية وتمت مشاركة هذه الفئة متأخرة منسية في الحوار الوطني الشامل بمقعد وحيد لثلاثة ملايين مهمش وهذا المقعد يعتبر كالصدقة التي تمنح للمتسولين وتذكرني بالعشرة الريالات التي يقذفها القبيلي في وجه الخادم وهو يستكثرها عليه.
ولا ندري أية قرارات قد تعيد لهذا الإنسان المظلوم اعتباره ونحن نعيب الدهر والعيب فينا فالمشكلة أن اليمني المطحون لا يقبل من هذا المهمش مشاركته نفس الدرجة المنسحقة من المواطنة فقط بل ينزله لدرجة أحط.. ففي كل بلاد العالم تقريبا توجد أقليات عرقية أو دينية وفي أحطها وأكثرها تخلفاً ومدنية يعامل الإنسان أخاه الإنسان بكل هذه العنصرية والازدراء.
فهل نعتقد - حتى لوهلة - أن أية قرارات ستتخذ لصالح فئة المهمشين ستصنع لهم الاحترام من قبل مهمشين بين الدول أكثر سوءا من هؤلاء و هم اليمنيين إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم.