الرَّدْحُ في المعجم الوسيط، هو الوجع الخفيف، ورَدَحَ الشيءَ: بَسَطَهُ، ورَدَحَ خصمه أي: صرَعَه. وفي قاموس الأداء الإعلامي في سنوات الربيع العربي، أصبح «الردح» و«الردح» المضاد هو الخطاب الأعلى صوتا والأكثر صخباً.
ما يقدمه برنامج باسم يوسف الذي استنسخ برنامجا أمريكيا شهيرا، يمكن أن يدخل في هذا السياق.
هو تنفيس (محمود) يمارسه معارضو الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي، بل هو صناعة نفسية مذهلة لنصر غير موجود على الأرض، لكنه في المقابل سيصنع احتشاداً قوياً لدى الطرف الآخر الذي يبدو «ضحية» لذلك الردح الأسبوعي المستمر.
شخصياً أعتبر هذا النوع من «الردح» إيجابياً ومفيداً في كثير من جوانبه. فهو يخفف من احتقان الشارع، ويترجم على طريقة مشابهة لما عبر عنه أحد الأعزاء عندما شاهد أوبريت «قطري حبيبي الوطن الأصغر» واختلطت ضحكاته بدموعه اندماجاً وفرحاً وابتهاجاً.
فلنكن مع استمرار الردح الذي يمارسه باسم يوسف، والردح الذي تمارسه «الأولى» و«الشارع»، والردح الذي يمارسه نشطاء الفيس بوك، حتى تعلم قوى الحكم الجديد في بلدان الربيع العربي أن الأخطاء والهفوات وحتى الخطوات الموفقة، كلها تحت الميكروسكوب. لكن في الوقت ذاته لا بد من الوقوف في وجه ممارسي ذلك النوع من «الردح» القميء الذي ينتهك الخصوصيات كما حدث في اليومين الأخيرين مع المناضلة توكل كرمان عبر منشورات استهدفتها في شبكات التواصل الاجتماعي.
الردح الذي يمارسه فلول وبقايا الأنظمة السابقة، والردح الثوري المضاد سجلت كلها معدلات غير مسبوقة من الاشتباك اللفظي، ومن المنطقي أن يكون منسوب الردح الصادر عن الفلول والبقايا عالياً، وأن يكون خطاب التغيير أكثر رشداً، وليس العكس.
وعلى القوى الصاعدة أن تدرك أن سقف الحريات أصبح عالياً، وأن النقد الشديد الذي يصل في كثير من الأحيان إلى مستوى الإساءة و التجريح هو ضريبة لتعويض سنوات القمع والجور، وأن تقبل النقد بأنواعه المختلفة (البناء والساخر واللاذع) ليس منّة ولا مكرمة.
فقط لنعمل على صنع اصطفاف مجتمعي في وجه البذاءة وانتهاك الخصوصيات، ثم ليتجه الجميع إلى الجمهور الذي سيقرر في النهاية، هل يستمر هذا الردح الإعلامي بصيغته الحالية، أم أنه سيجبر القائمين على الردح أو الردح المضاد على إنتاج نسخة مطورة وأكثر رقياً للنقد المسؤول والبناء؟