إن أسوأ ما قد يُعانيه أي شعب من الشعوب أن يحتوي بين أبنائه رجلا امتهن القتل والتخريب مزودا بحصانة، فلا تطاله يد العدالة ولا يخشى في مصلحته دولة ولا قانونا. هذه هي مشكلة اليمن الحقيقة والتي تعاني منها اليوم منذ 33 عاما. هل أدرك من خولناهم التفاوض باسمنا أي مأزق وضعوا أنفسهم ووضعونا اليوم فيه؟ قلتُ في مقال سابق إن فشل الفترة الانتقالية أمرٌ يُراد، لإثبات عدم أهلية أي نظام بعيدا عن البركات الصالحية والتي بفضلها أصبحت اليمن قطعة من أوروبا، وهكذا نجد أنفسنا في معتقل كبير تستخدم فيه كافة وسائل التعذيب والقهر علينا للتنكيل والنكاية بنا .. فقظ لأنا أردنا الحياة.
ومن آثار هذا الحقد علينا حرصوا على أن يحرمونا من أهم مقومات الحياة في عصرنا الحالي وهو الكهرباء التي لا يستطيع أي شخص الاستغناء عنها... ( عدا أولئك الذين لم ينالوا شرف التعرف عليها في القرى والمناطق النائية) هذا الانقطاع الذي يكبد المواطنين الكثير من الخسائر، ويتسبب بالكثير من الإصابات والوفيات نتيجة الحرائق التي يتسبب بها الوقود المشغل للمواطير، ناهيك عن تلف الأجهزة المنزلية والمواد الغذائية وتعطيل الأشغال التي لا يمكن القيام بها من غير كهرباء.
ورغم أنها أنثى (أي الكهرباء) إلا أن أخلاق القبائل وشيمهم لم تمنعهم من ضربها، رغم أن هذا التصرف يعتبر من العيب الأسود الكبير والذي يُلازم العار فاعله، ومثلها مثل أي امرأة في اليمن فلقد ضربت عليها الذلة والمسكنة وباءت بغضب كلفوت ومن يقف خلفه هو وقبيله، وتجاوز الأمر الحد فخلال الثلاث سنوات الأخيرة تعرضت الكهرباء لأعتى حملات العنف ضدها وضد الشعب اليمني قاطبة.
وما إن تُصلح الكهرباء ويستبشر الناس خيرا حتى تُضرب من جديد، فأصبح الناس لا يستمتعون بوجودها بسبب قلقهم وترقبهم للحظة الانطفاء مجددا، أصبحت أساسيات الحياة فائض حلم لليمنيين يدفعون من راحتهم ثمن مطالبتهم بالحرية ولكن! ولكن أين هي حكومتنا الرشيدة من كل ما يحدث؟
لم أتطرق لمسالة الكهرباء إلا لأنها أصبحت الهاجس الأكبر والموحد لجميع المواطنين، ولأنها الأكثر إلحاحا وحضورا في الوقت الراهن، لكن ذلك لا يعني أنها الوحيدة والأهم في قائمة المآخذ التي رصدناها وتُرصد على أداء الحكومة المتردي.
نعم لم ننسَ أن هذه الحكومة مكونة أصلا من فتات الحكومات السابقة والتي رُبي لحمها من السحت، فلقد أكلته على مائدة صالح ومازالت مستمرة في ذلك.. كما أنها لم تأتِ على أساس الكفاءة، ولم يُرجَ منها مصلحة الوطن بل قامت على أساس المحاصصة والتراضي بين أطراف الصراع السياسي بعد أن حولوا الثورة إلى أزمة... لذلك استغرب لمَ نعتب عليها ونحن نعلم جيدا أنها جزءا لا يتجزأ من المشكلة!
أحيانا أقف على شفير الجنون لمجرد التفكير، فمشاكلنا أصبحت معقدة ومتداخلة لدرجة أنها أصبحت حلقة مغلقة ومفرغة تُفضي إحداها إلى الأخرى، وتتسبب إحداها في الأخرى، يعجزنا عن حلها كثرتها وارتباطها ببعضها، وهكذا ينتهي بنا الحال إلى التسليم بعجزنا وتسليم أمورنا إلى الغير ليحل مشاكلنا فنجد بنعمر صار المضيف وأمسى اليمنيون (أصحاب البلد) الضيف على مائدة بنعمر يدلهم على خارطة للخروج من أزماتهم التي افتعلوها بأطماعهم وجشعهم الذي لا ينتهي، ولكن هل يُصلح بنعمر ما أفسدتموه!