قاوم الحراك الجنوبي على مدى ست سنوات محاولات جره إلى العنف حتى مع اندفاع نشطاء وفصائل مصغرة فيه إلى تنفيذ أنشطة عنيفة إلا أنه بقي متمسكاً بخيار النشاط السلمي على الرغم من القمع الذي أنزلته القوات الحكومية بنشطائه وقادته. ومع الانفراجة التي استفاد منها الحراك على نحو أكثر فعالية بالإطاحة بنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلا أن فرصته في التمسك بالخيار السلمي يبدو أنها تضيق بفعل اندفاع مزيد من نشطائه إلى حمل السلاح وشن هجمات مسلحة على مصالح حكومية وجنود في الجيش والأمن يخدمون في مناطق الجنوب.
علاوة على ذلك، فإن ما هو عملي أكثر من التسرب غير الرسمي من الحراك إلى العنف هو صدور أول تنظير شرعي من هيئة رسمية مرتبطة بالحراك للقتال في ما قالت إنه «وجوب الدفاع عن الحرمات العامة والخاصة».
وشرعت «الهيئة الشرعية الجنوبية للدعوة والإفتاء والإرشاد» وهي هيئة فقهية مرتبطة بالحراك الجنوبي القتال دفاعاً عن حرمات الجنوبيين الخاصة طبقاً لبيان مفصل صدر عنها الأسبوع الماضي، مستشهدة بكثير من الايات القرانية والأحاديث النبوية.
وقالت الهيئة «شهدت مدن الجنوب في الآونة الأخيرة اغتيالات للكوادر الكفؤة وقتل بعض نشطاء الثورة الجنوبية واستفحل الامر حتى اصبح يثير الخوف والهلع في نفوس الجنوبيين وتفاقم الشر إلى درجة لا يمكن السكوت عليه».
وجاء في البيان «العبث بأرواح الجنوبيين واستهدافهم بالقتل والاغتيال يدخل في مفهوم الصيال شرعاً بمعنى ان الاستطالة والوثوب على معصوم بغير حق يوجب القتال للدفاع عن النفس او العرض او المال فالمراد بالمعصوم هنا الحرمات الخاصة كالنفس والعرض والمال فالقتال دفاعاً عن هذه الحرمات الخاصة امر مشروع من قبل المعتدى عليه او من يدافع عنه».
وأردف البيان في سياق التدليل على شرعية القتال في الجنوب «بعض من قتلوا تم الاعتداء عليهم بمداهمتهم في بيوتهم وقتلهم امام اهلهم وذويهم كما حصل لوجدي الشعبي في بير فضل بالمنصورة وآخرها ما حصل في الممدارة لناشط في الثورة الجنوبية، ومثل هذا العمل يستوجب على المعتدى عليه الدفاع عن نفسه ولو بقتل من داهم داره او دخل عليه في بيته بغير إذن».
كما أن القتال دفاعاً عن المال مشروع وكذاك «يجب القتال للدفاع عن العرض لأن الاعتداء على الاعراض من افحش المنكرات التي امر الشارع بإزالتها بالقوة» وفقاً لبيان الهيئة الشرعية الجنوبية التي تتألف من رجال دين ينتمون إلى محافظات الجنوب.
وأضافت الهيئة الشرعية الجنوبية في دليلها الخامس على شرعية القتال «إن أولياء الدم إذا لم يُقتص لهم جاز لهم شرعاً أن يأخذوا بالقصاص لقوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً)».
ودعت الهيئة الجنوبية إلى تشكيل لجان للدفاع عن «الثورة الجنوبية» مبررة ذلك بأنه ضمان لحفظ السكينة العامة والحرمات الخاصة.
وقال بيان الهيئة «إذا كان الحفاظ على الحرمات الخاصة كحرمة النفس والمال والعرض وكذلك الحفاظ على السكينة العامة وامن الناس واستقرارهم لا يتحقق إلا بتشكيل اللجان المدافعة عن الحرمات العامة والخاصة كان تشكيلها واجباً لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
واستطرد القول: لذلك على الجنوبيين أن يسعوا إلى تشكيل اللجان المدافعة عن الثورة الجنوبية.
ولم يصدر إلى الآن أي تعليقات من قادة الحراك الجنوبي بشأن الدعوة الصادرة من الهيئة الشرعية الجنوبية لتشكيل لجان دفاعية هي التي ستتولى مهمة القتال وفقاً للتصور الوارد في بيان الهيئة.
لكن قادة الحراك لطالما أبدوا تمسكهم بالاحتجاجات السلمية مع تلويح بخيارات أخرى مفتوحة غير أنهم لم يصرحوا بأن النشاط المسلح واحد منها.
ولا يمكن التنبؤ بمدى استجابة نشطاء الحراك لدعوة الهيئة الشرعية الجنوبية إلى القتال في ظل مزيد من الدوافع المحرضة على العنف المسلح في الجنوب وتمجيد أمثلة متواترة من محاولات العنف المسلح التي تزعمها عسكريون جنوبيون سابقون ولاقت ترويجاً في وسائل إعلام تابعة للحراك.
إلا أن صدور دعوة صريحة للقتال من هيئة مرتبطة بالحراك الجنوبي ستجعل تشبث الحراك بخيار النضال اللاعنيف على المحك. وقد ينشأ عنها صراع جاد بين خياري الاحتجاجات السلمية والكفاح المسلح الذي يجد في الجنوب، أكثر من أي منطقة أخرى في المحيط الإقليمي، جذوراً ضاربة ورمزية تاريخية تشير إلى التمجيد دائما.