صُدم كثير من طلاب وطالبات الإعلام بجامعة صنعاء (قسم إذاعة وتلفزيون) بأن الدكتور الذي يدرسهم مادة الإخراج هو ممن يحرمون التصوير والفيديو، ويروي عنه بعض الطلاب تأكيده أنه شخصياً ليست لديه سوى صورة الجواز وذلك إثباتاً لتحوطه والتزامه بأمر التحريم. الدكتور لايخفي قناعاته ويحكي مظهره نزوعاً سلفياً واضحاً لاتخطؤه العين، ورغم هذا التناقض العجيب والغريب والصادم يبدي العديد من الطلاب إنصافاً له يتجاوز إنصافه لنفسه ولهم وللمادة التى يعلمها وهو على يقين من حرمتها ديناً وشرعاً.
الأمر لا علاقة له بحرية الفكر والاعتقاد، ولا بحرية التعبير بل هو في نظري حالة انقسام وتناقض صارخة عصية على الفهم والتبرير، هذا هدم وتقويض لمعنى العلم والتعلم ونسف للهدف من التعليم.
لا يعقل أن نفتح الجامعات وندعو الطلاب للالتحاق بالتخصصات المختلفة ثم نأتيهم بدكاترة متخصصين وخبراء نالوا أعلى الشهادات في مجالاتهم كي يقولوا لطلبتهم نحن نؤمن بحرمة ما ندرسكم إياه، ولسنا مقتنعين البتة بصواب ما نفعل ولا بجدواه بالنسبة لكم.
ماهو العلم إن لم يكن غرساً للقناعات وتكريساً للوعي بأهمية ما نتعلمه واكتساب للخبرات والقدرات والمهارات واعداد لمواجهة تحديات الواقع ومتطلبات الحياة العملية.
كيف نحل هذه التناقضات لطلبة الإعلام الذين اختاروا الإذاعة والتلفزيون تخصصا عملياً عن ايمان واقتناع وعن شغف وحب ورغبة لكونهم في عصر الصورة وفي زمن ثورة المعلومات والاتصالات والفضاءات المفتوحة والقنوات والوسائط الحديثة وعوالم "الميديا" بسطوتها وهيمنتها وتقنياتها العالية وسرعتها وانتشارها وتأثيراتها الكاسحة.
لا ندري إن كان يقين الدكتور بحرمة المادة التى يدرسها سابقاً لدراسته او انه اكتشف ذلك بعد أن أنفق سنوات من العمر والجهد في العلم الحرام، وما هو غير معقول ولا مستوعب أن يستمر الرجل في تدريس الحرام ونشره وهو ما يعني مخالفة إيمانه وأداءه هذا العمل مكرهاً وعلى سبيل العصيان، ثم كيف يمكن لطلبته أن يقتنعوا بتدريسه لهم وهو كافر بما يقول ويفعل؟ كيف يمكن لهم أن يثقوا بما يقدمه لهم أو يبدو الاهتمام اللازم والشغف المطلوب لفهم المادة واستيعابها؟
الإخراج أساس العمل التلفزيوني ويتضمن تقنيات فنية وتمثل فيه الكاميرا أهم الأدوات.
تتساءل طالبة كيف سيدرسنا اللقطات وهي عملية إبداعية حساسة وهو على هذه القناعات المتحجرة والرؤية المتخلفة التى لا مكان لها في كلية الإعلام. وثمة طالب يهجس مفكراً في الجدوى من تخصصٍ معلمه أول محرم له وناسف للثقة به ومتعامل معه بانتقاص وإنكار وعدم اعتراف.
من الواضح أن الدكتور لا يتردد في الاستغفار كلما ذكر الصورة والمغضوب عليها الكاميرا رأس الفتنة ولاقطة كل الشرور، كما لا يتردد في عرض عن قناعاته المناهضة للتصوير ربما ليتخفف من وطأة الشعور بالإثم، وليكرس مبدأ أن ناقل الكفر ليس بكافر، ولو توقف طويلاً أمام إشكالية موقفه لوجد أنه يعرض نفسه كأسوأ مثال في حقل العلم والتعليم.
نحن إزاء أكاديمي متخصص في فن يجرمه ويحرمه ويعلن مقته وازدراءه له، ولا يستنكف من مخالفة هذا اليقين الغرائبي المعلن. هي عملية تسفيه وتسخيف للإعلام تحقير وتبخيس من قيمة المادة الأساسيةوالأكثر أهمية وهي الإخراج بمفهومه الواسع
ماذا عساه طالب في المستوى الثالث أن يقول او يفعل وهو يجابه بهذه الأفكار المتشددة من أستاذ المادة، وكيف يمكنه أن يكون أشد حماسة لمواصلة الدراسة لعلمٍ يقول أستاذه إنه حرام، ويسعى لإقناعهم بذلك أكثر مما يحرص على إعطائهم معلومة مفيدة في هذا الفن.
لا أدري كيف يمكن للمرء أن بعيش خارج قناعاته وأن يدرس ما لا يريد ويحضر دراساته العليا فيما ينكر، ثم يتولى كبَر الإثم فيعلم الخطيئة مسوغاً لنفسه الاعتياش على الحرام وخيانة يقينياته والعيش في التناقض وعدم الاتساق وفي فصام مرضي حاد.
يبدي الرجل حرصاً على تعميم قناعاته على الطلاب في بداية تدريسه المادة يعرض حججه وأسانيده موسعاً المحظورات ومحدداً الضرورات، ومبيناً أحكام الصورة درءاً للوقوع في المعصية، وهو بهذا يحدد قطعاً مستوى تعامله مع مادته وما يراه مناسباً لطلابه مما لا يجافي تصوراته ويناقض رؤيته التحريمية.
أكتب وأنا متأكد أن حالة من الاستياء تعم الطلاب والطالبات، وأن شعوراً عارماً بالغضب يستبد بالجميع جراء ما يرونه إساءة بالغة للإعلام وعدم احترام لجدية التخصص في الإذاعة والتلفزيون.
وعدم مراعاة للحساسية التى يتطلبها في اختيار الدكاترة المؤهلين أصحاب الكفاءة القادرين على إعطاء النموذج الأمثل لما ينبغي أن يكون عليه أهل هذه الصناعة الحيوية بالغة الخطورة، لكأن الرجل قد أخطأ الطريق الى الإعلام ودراسة الإخراج، وينتظر الطلاب إخراجهم من هذه الورطة قبل أن يخرجوا علينا شاهري أسيافهم في وجوه المصورين المارقين وحملة الكاميرات الملعونة.