من ينظر إلى الوضع اليمني يدرك وببداهه أن هناك أسرة وقبيلة تتحكم في البلد وتديره وتتولى شؤونه وتتحكم في موارده ، هذه القبيلة ليست قبيلة الأحمر فقط وإن كانت في المقدمة لكن هناك قبائل متحالفه أخرى وتسير معها جنباً إلى جنب ، تسير وفي تصورها أو في علمها أو في تجرتبها أو في ذهنها أن بقائها واستمرارها لن يكون إلا بهذه التصرفات الرعناء والطائشة والتي قاربت تخوم الهمجية ، هذه التصرفات بدت واضحة من خلال أشياء كثيرة جداً منها على سبيل المثال لا الحصر ما حدث في الجعاشن ولأهل الجعاشن و ما يحدث من خطف للصحفيين ونصب نقط لقطع الطرقات وغيرها من التحالفات والتكتلات القبلية. هذا كله يجعلنا نعيد النظر ليس في دور القبيلة فحسب ولكن في مقومات الدولة الحقيقية ، ونحن نرى دولة غير قادرة حتى أن تسدد وتقارب في أكاذيبها وهي حسب قولها تمثل الشعب والمواطنين وتتحجج بأن الشعب هو من صعدها إلى سدة الحكم ، وهي لا تدافع عن الشعب بل عن الشيخ والمشائخ مراتب تماماً كالرتب العسكرية حتى أصبح يعرف المواطن اليمني بشكل بديهي بأنه لا يمكن أن يمسه أحد بسوء وهو يسير بجانب الشيخ وإن قتل وسرق ونهب ، وأن اللعنة سوف تصيبه من النظام ومن حكومة الشيخ إذا قال لا للشيخ أو حاول التعديل عليه ولو بالإيحاء ، لا يهم أن يسب هذا المواطن الدولة أو القانون أو حتى أكثر المسؤولين قداسه ، المهم أن يكون هذا برضا الشيخ . هذا الذي يحدث في أوساط المجتمع جعل الناس يلتفون حول الشيخ أو يبحثون عن شيخ يمثلهم ولا أبالغ لو قلت أن الناس اتجهوا يبحثون عن أصول قبلية أكثر منه عن مقومات علمية فكرية ثقافية أخلاقية تساعد في بنائهم وبناء مجتمعهم . ***** إذا كان الشيخ معي فمن ضدي هكذا يقول الرعاع وهم ينصبون شيخاً قبلياً يفهم لغة الأوامر ويعقد عينيه كالساحر ويفهم لغة جر الأغنام أو الأبقار وإطلاق النار في الهواء بما يسمى في يمننا الحبيب "الهَِِجر" أو" الوصله" وهكذا وفي ظل حكم الشيخ يكون البديل عن القتيل ثوراً سمينا ،وعندما لا يقبل أولياء الدم بالثور السمين حلاً للقضية ويريدون المحكمة فإن الشيخ يتحول من شيخ قبيلي إلى متعصب همجي ويجند أمواله وقبيلته فلا يدخل القاتل قسم شرطه وإن دخل ففي مجلس القاضي أو في غرفه خاصة أو يختبيء حتى يظهر الشيخ براءته أو يتنازل أولياء الدم من كثرة المتاعب والتهديدات التي تواجههم وهم يبحثون عن حقوقهم في المحاكم ، هذا بعد أن يكونوا خسروا كل ما لديهم بعد أن خسروا قتيلهم المسكين الذي راح ضحية تعصب الشيخ وغياب القانون والدولة ، أما إن كان هذا القتيل يسنده شيخ فالفائز سيكون الشيخ الأكثر قرباً من النظام وهنا وفي هذه المرحلة فقط يصل الناس إلى النقطة الحرجة وتتدخل الدولة .. لا أدري كيف يكون هذا الشيخ شيخاً وهويتفاخر بحمل السلاح وتحرسه الطقوم وتمشي بجانبه الرتب ألا يذكركم هذا بما تفعله تنظيم القاعدة أو مليشيات قطاع الطرق . ***** في مقال محمد علي المحمود في جريدة الرياض والذي يحمل عنوان"حكاية الحكواتي وفضيحة خطاب التكفير" يقول المحمود وهو يتحدث عن تقديسنا للحكواتيين وإن كان الكلام في نظري ينطبق على من ننصبهم زعماء علينا أو مشائخ قائلاً " نحن لا نكتشف حجم الجهالة التي تفرض نفسها علينا ، إما لأننا لا نستطيع ، وإما وهو الأغلب لأننا لا نريد ، لا نريد الإفاقة من خدر الجهالة اللامسؤولة إلى حالة الوعي المسؤول . مَن نمنحهم الثقة ، لا نريد اكتشاف أنهم خونة ، ومَن نمنحهم عواطفنا لا نريد اكتشاف أنهم يُتاجرون بعواطفنا . وفي حالة الحكواتي مثلا ، لا نريد أن نكتشف أنه ليس أكثر من جاهل مهووس بالشهرة ، وأنه عاشق كبير لعالم الكاميرا ، وأنه مستعد لأن يفعل أي شيء ، وأن يقول أي شيء ، من أجل استثمار عواطف الجماهير ، التي ستحول إلى أرصدة في البنوك" لا نريد أن نكتشف أن من نمنحهم هذه العواطف وهذه الدماء وهذا التحكيم المطلق هم في الحقيقة ليسوا سنداً لنا بقدر ماهم أصحاب مشاريع شهرة وقرب من النظام الحاكم بحجة أنهم يقودون الكثير من القطيع .. والرجل يوضح بدليل قوي وواضح أنه كلما اشتدت بدائية أي مجتمع ،منح عواطفه للعنصريين . يتجلى ذلك على المستوى العشائري حتى .. **** و عن الفرق بين رجل القبيلة وبين رجل الحضور المدني قال المحمود"رجل القبيلة الذي يدعو للتسامح مع الآخرين ، وينادي بتجاوز القبيلة إلى الحضور المدني / الوطني ، يجد نفسه منبوذا من القبيلة ومرفوضا من العشيرة . بينما رجل القبيلة الذي تجده مهموما بالبحث عن أصول القبيلة وفروعها ، والذي تصبح ( شجرة العائلة ) همه الأول ، والذي يدّعي تميّز قبيلته بخصائص وسمات أزلية لا تتوفر في غيرها ، يحظى بالاهتمام والاحترام والتقدير والتبجيل . الأول ، ولأنه غير عنصري ؛ لا تلتف حوله الجماهير ، بينما الثاني تقوم القبيلة بتصعيده ، وربما بتقديسه ؛ كلما أوغل في التّعنصر المجنون .
الأول ، مُتوفّر على وعي مدني عقلاني إنساني ، وعي يعي الإنساني من حيث هو إنسان ، بصرف النظر عن أية اعتبارات إضافية على الأصل الإنساني . بينما الثاني ، مُتوفّر على وعي حيواني غرائزي افتراسي ، يتعامل مع بني البشر بوصفهم فرائس قابلة للالتهام . الافتراس قد يكون ماديا بسحق الأقوى للأضعف ، والاستيلاء على أكبر قدر من حقوقه ، وقد يكون معنويا ، وذلك بازدرائه ، أو بالتسامح مع الأدبيات التي تُمارس هذا الازدراء ، بوصفها أدبيات تعكس وضعاً ( طبيعياً !) . وقد يكون الافتراس بالتكفير ، وهو الافتراس الذي يجمع بين المادي والمعنوي . وهذا ما تمارسه أشد الوحوش توحشا ، وأبعدها عن عالم الإنسان . ربما هذا يعبر عن ما يحدث في ا ليمن بشكل مادي ومعنوي نظري وعملي حيث حُكمت القبيلة وغاب القانون ويبدو أننا داخلون على حكم آخر يصدره تنظيم القاعدة. وما دام النظام والقانون يٌفعّل على الهوى وكذلك القبيلة تتصرف على الهوى والآن القاعدة تتحرك على الهوى إذاً فلا ضير أن نطلق عليها جمهورية الأهواء والأمزجة .. *** *** ما يبدو واضحاً ولا شك فيه هو أن الجمهورية اليمنية تمر بأزمات خطيرة يمكن أن تجعلها بشكل فعلي دولة فاشلة ويمكن أيضاً أن يتحول فيها النظام الرسمي اليمني إلى نظام قاصر على إدارة الدولة حتى بالأساليب الذي يستخدمها منذ أعوام سابقة حيث إدارة الدولة بشكل عشوائي إرضائي إقصائي جعل التخبط واضحاً ليس في نَفس ا لنظام ا لقائم فحسب ولكن في نفس المواطن اليمني والذي أصبح يعاني أيما معاناة من أزمة تنفس حقيقية تتجلى في طريقته في إدارة حياته وفي إدارته لنفسه. في ظل استمرار غياب الدولة والقانون وإنعدام وجود رؤية سياسية وإقتصادية حقيقية يسود حكم القبيلة ويبرز الشيخ وهو يلوح بيديه للرعاع بتحية تشبه إلى حد كبير تحية هتلر .ومع كثرة المشائخ الهتلريين وكثرة الأتباع الذين ينفذون دون تفكير أخشى ما أخشاه أن تحول تصرفاتهم المجتمع اليمني إلى مجتمع آخر قد نصفه بالهمجي بدلاً من أن نصفه بالقبلي ...