في الوقت الذي تتأزم فيه العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية، ووصولها إلى درجة طرد السفراء، وتخفيض مستواها من سفير إلى قائم بالأعمال؛ في الوقت نفسه لم يحدث في المقابل شيء سلبي حقيقي في العلاقات مع أمريكا (اعترف وزير الدفاع المصري أنه كان يتصل يوميا بوزير الدفاع الأمريكي في بداية الانقلاب، وأعرب عن أسفه لأن أوباما لم يتحدث معه ولو مرة واحدة!).. وكذلك لم يحدث شيء سلبي ولو من قبيل التمثيل المسرحي في العلاقات مع إسرائيل! والغريب في ذلك هو أنه يحدث رغم كل الضجيج عن عمالة الإخوان لأمريكا وإسرائيل وتآمرهم معهما، ومخططاتهم ضد مصر ودورها القومي العربي الذي أرادت عزلها عن محيطها الحضاري.. إلخ الهلس الذي نسمعه منذ خمسة شهور، وصدقه مناضلو الغفلة العرب، واتخذوه فتوى يبررون بها انقلابهم على مبدأ رفض حكم العسكر، وتأييد الانقلاب العسكري، ويشهدون له بالنزاهة والعفة الوطنية، وبأنه: ثورة شعبية طاهرة الذيل، سليمة القلب، ضد الاستعمار والصهيونية! السؤال الآن: إن كانت إسرائيل وأمريكا متورطتين في دعم الإخوان.. وفي رواية يمنية وعربية: في دعم ثورات الربيع العربي.. فلماذا لم تتأثر سلبا العلاقات المصرية مع أمريكا رغم أنها جمدت بعض المساعدات العسكرية لوجود شبهة أن ما حدث في مصر انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية؟ وكيف صارت مكافأة الصهاينة على تآمرهم هو حصار غزة بحقد لم يعرف حتى أيام مبارك؟
حجة تدخل تركيا في الشؤون الداخلية المصرية تبدو مسلية عندما تصدر من القاهرة بالذات؛ فهي العاصمة الأكثر تدخلا في الشؤون العربية إما جهارا وإما عن طريق منح التسهيلات للمعارضين العرب للعمل ضد أنظمة الحكم في بلدانهم التي.. ما تعجبش! ففي القاهرة عاش – على سبيل المثال- العاملون للانفصال في اليمن والسودان سنوات طويلة حتى حقق بعضهم أهدافه كاملة غير منقوصة، والبعض ما يزال ينتظر وخاصة بعد أن انتعشت آمالهم بالانقلاب العسكري ضد حكم.. الإخوان!
وحاولوا فقط تخيل ماذا سيحدث لو ظهرت في بلد عربي حركة تطالب بتقسيم مصر بين الصعايدة وأهل بحري.. أو بين الأهلاوية والزملكاوية؟ أقل شيء سوف سيجعل الإعلام المصري حياة تلك الدولة سودة قطران، ولن يوفروا شتيمة في القاموس إلا ووجهوها لذلك البلد بدءا من الرئيس وحتى أصغر مواطن!
ولأن الأخوة المؤتمريين سوف يؤيدون الموقف المصري ضد تركيا بحماس؛ فلا بأس من تذكيرهم هنا بما قاله الزعيم المخلوع عن الدور القذر الذي لعبه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أثناء أزمة احتلال الكويت مما أضر باليمن.. فمبارك – على ذمة علي عبد الله صالح- هو الذي حرض الخليجيين ضد النظام اليمني على خلفية رفضه الموافقة على قرار الحرب ضد العراق، وهو أيضا الذي حرض ضد العمال اليمنيين في السعودية بأنهم يقومون بأعمال تخريبية مثل تسميم المأكولات وإحراق محطات البترول!
التدخل في الشؤون الداخلية المصرية له مستويان؛ فأحيانا يكون حراما (المثال التركي والتونسي) ولو اقتصر على التأييد الشفوي للشرعية الانتخابية، وإدانة قمع المصريين، والمطالبة بإطلاق سراح الرئيس المنتخب! وأحيانا يصير حلالا زلالا وتعبيرا عن روح القومية العربية إن صدر من إمارة دبي (يا للخيبة: إمارة مساحتها أقل من مساحة معسكر مصري، وتتحكم بحاضر مصر ومستقبلها، ويحج إليها دوريا: السياسيون من أبرز التيارات المدنية! والصحفيون – آخرهم محمد حسنين هيكل- والفنانون والمطربون والمذيعون: ذكورا وإناثا، وتحملهم طائرات خاصة ليتشرفوا بالسلام على الشيوخ.. وثوار آخر زمن يتحدثون والدموع تطفر من عيونهم عن عودة زمن العزة القومية.. وثوار لآخر الزمن!).
••• لا شك أن هناك فرقا بين رجال أمثال طيب أردوغان والمنصف المرزوقي وأمثال ضاحي خلفان في تفسير مواقفهم مما حدث في مصر؛ الأول والثاني رموز للحرية والنضال السياسي ضد الطغيان السياسي، تعرضا للنفي والاعتقال فما لانوا ولا بدلوا، وهما يحكمان بلديهما وفق الإرادة الشعبية الحرة وليس وفق ميراث بالغصب أو ببركة مستر جوني.. أما الثالث فهو عسكور وفق قاموس المعجبين به في اليمن، قصارى ما يقدر عليه أن يجمع المغتربين من بلدان فقيرة مثل اليمن ليهددهم بالترحيل إن حكوا في السياسة! وهو كان قد استفاد من التلفيقات الإعلامية عن نجاحه في كشف هوية قتلة المناضل الفلسطيني محمود المبحوح الذي قتله رجال الموساد في دبي وخرجوا منها وهم يغنون: سالمة يا سلامة.. بينما الذي حدث من نجاح – كما اتضح بعدها- يعود فضله إلى كاميرات التصوير في الفندق والمطار، وأجهزة الكمبيوتر التي حفظت الأسماء والصور (كلها منتجات غير وطنية!)، وبدليل أنه لم يحدث شيء غير نشر الصور، ولم يعتقل أحد منهم رغم معرفة أسمائهم وصورهم، ورغم التهديدات التي صدرت بشأن ملاحقتهم عبر الأنتربول!