لقد أثبت اتفاق دماج حقائق خطيرة للغاية وشرعن لحقبة جديدة في تاريخ اليمن الحديث تسمى حقبة شريعة الغابة أو حقبة القرون الوسطى التي كان يسود فيها قانون الغابة الذي ينص على أن القوي يأكل الضعيف أو البقاء للأقوى. هذا القانون الذي تخلص منه العالم منذ مئات السنين بدأ تطبيقه في اليمن بعد ثورة فبراير 2011، وهو سيفتح الباب على مصراعيه للقوى السياسية بكافة توجهاتها السياسية بأن تستعين بالخارج لتجهيز ميليشياتها لتفرض رؤاها السياسية بقوة السلاح، وتستقطع من الوطن ما تريده من محافظات وأقاليم فالدولة أصبحت في ظل الحكومة الحالية لا حول لها ولا قوة وولاء الجيش والأمن أصبح موزع بين الدولة وبعض الأحزاب والطوائف وحكام سابقين بسبب سوء الإدارة أو عدم القدرة على إدارة البلاد من قبل حكام مترددين وضعفاء. لقد سمح الرئيس السابق للشيخ مقبل الوادعي رحمه الله, وباتفاق مع الشقيقة المملكة السعودية, بإنشاء المعهد السلفي في دماج ليقوم بتدريس السلفية الوهابية المتشددة وبتمويل كامل من المملكة لمواجهة فكر الإخوان المسلمين المعتدل وموقف الشيخ مقبل الوادعي من الإخوان كان معروفاً وكان شيوخه يهاجمون قادة الاخوان مثل الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ عبدالمجيد الزنداني في كل محاضراتهم الدعوية وكانوا يصفونهم بأبشع الأوصاف وعلى الرغم من الاختلاف الفكري بين السلفيين والإخوان المسلمين، إلا أن الإخوان هم من تعاطف معهم وساندوهم إعلامياً ومعنوياً ضد الهجمة الشرسة للحوثي الذي أصبح يتلقى الدعم من إيران والسعودية والدولة اليمنية التي يبدو أنها استسلمت بشكل كامل للضغوط الخارجية، واقتنعت بإقامة دولة شيعية في شمال اليمن على الحدود مع الجارة السعودية تماشياً مع المخطط الأمريكي الذي قرأناه قبل عشرة سنوات تقريباً، ولذلك كان من الضرورة بمكان أن يتم اخراج السلفيين من دماج باتفاق مهين للغاية ليس للسلفيين، ولكن للدولة اليمنية في المقام الأول. الشيء الغريب والعجيب أن كل اللجان الرئاسية التي أرسلها الرئيس هادي للتفاوض مع الحوثيين لإنهاء حروبهم في أربع أو خمس جبهات كانت تضم ضباطاً وسياسيين معروفين بفكرهم الحوثي أو متعاطفين معه، وكل الاتفاقيات التي وقعت مع الأطراف التي تقاتل الحوثي كانت تصب في مصلحة الحوثيين وليس في مصلحة تلك الأطراف أو في مصلحة الدولة.
لقد أثبتت الأحداث أن الحوثي لن يقبل بأقل من إنشاء الدولة الشيعية على كامل تراب اليمن ولن يقتنع بإقامة دولة في صعدة وحدها، وكلماً استولى على محافظة بدأ يفكر في التمدد في أخرى، ولقد أصبح الحوثيون يشكلون قوة فعلية على الأرض تضاهي قوة الدولة وقوات الحوثي تقاتل الآن في جبهات عديدة في صعدة وحجة وعمران والجوف ومأرب وإب وتعز وصنعاء. العاصمة صنعاء أصبحت معبأة بالسلاح الحوثي استعداداً لساعة الصفر وعلى القائمين على الدولة عليهم أن يعوا هذه الحقائق ويبدأوا في التحرك الجاد وقبل فوات الأوان للقضاء على هذه الجماعة الإرهابية قبل أن تأكل الأخضر واليابس.
جماعة الحوثي استغلت مؤتمر الحوار أبشع استغلال فهي كانت تعلم تماماً حرص فخامة الرئيس هادي على عدم الانجرار لأي معارك جانبية تعرقل سير الحوار ولكن الأيام أثبتت بأنها رؤية كانت غير ناضجة وخطأ فادح، وكان يجب إرسال الجيش إلى صعدة لتحجيم قوات الحوثي وعدم السماح لها بالتمدد خارج المحافظة، ولكن سكوت الرئيس بهذه الصورة كان مريباً جداً، وبدأ العديد من المحللين السياسيين يلمحون بأن الرئيس هادي يقوم بدور مزدوج مع وضد الحوثي ومع وضد الانفصال ومع وضد ثورة فبراير 2011 ومع وضد الرئيس السابق ومع وضد السياسة الأمريكية ومع وضد السياسة السعودية في اليمن, نعم نحن نعلم أن السياسة لا مبدأ ثابتاً فيها ولكن يجب أن تكون مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات ويجب أن يكون هذا المبدأ هو الوحيد الثابت وغير قابل لأي مساومات أو اتفاقيات ترضي الداخل أو الخارج.
لقد خطا الرئيس هادي خطوات هامة في وضع لبنات بناء اليمن الحديث والدولة المدنية من خلال إيصاله مؤتمر الحوار إلى بر الأمان ولكن يجب ألا يكون هذا النجاح لمجرد النجاح بل لمصلحة اليمن العليا ووحدة أراضي اليمن وليس لمجاملة الخارج أياً كان، وأن يشعر المواطن اليمني أن مؤتمر الحوار قد جلب له الأمن والاستقرار والسكينة والرفاهية والطمأنينة على مستقبل اليمن ومستقبل أجياله.