من الطبيعي أن تتشابه مشاريع العنصريين في ممارساتها ضد خصومها، وفي تبريراتها لأعمالها العدوانية ضدهم، وفي التخفي بلباس الحملان الوديعة، وترديد مقولات السلام والمصالحة والتقارب! في الأنموذجين العنصريين: الهتلري النازي والصهيوني اليهودي سوف نجد نقاطاً مشتركة في تبرير الجرائم وأعمال التعدي على الآخرين.. لكننا في اليمن يمكن بسهولة ملاحظة أن هناك تشابهاً أيضا في عدة مجالات بين أفعال المشروع النازي وبين المشروع الحوثي ضد خصوم الطرفين أو الرافضين لمشروع الهيمنة الذي يمثلانه! وهذه مجموعة من أوجه التشابه رصدناها من متابعة لأفعال الحوثة مع مجموعة ملاحظات عن أفعال النازيين الهتلريين قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية التي تسببوا بها، وتجرعت البشرية بها ألواناً من العذاب والجحيم لم تعرفه في تاريخها الطويل!
أصل.. العنصرية! في البداية يمكن ملاحظة تشابه الأساس الأيدلوجي للفكرتين النازية والحوثية، فكل منهما تقوم على فرضية التفوق العنصري لنوعية من البشر على الآخرين؛ فالحوثيون تقودهم مجموعة من البشر تفترض أنها أفضل وأطهر من غيرها لأنها تنتمي لسلالة النبي صلى الله عليه وسلم، ولها حق إلهي في السيادة وحكم الآخرين! والنظرية النازية كما هو معروف تقوم على الأساس نفسه في ادعاء تفوق الجنس الآري على بقية الأجناس البشرية، وأحقيتهم في حكم الأمم الأخرى الذين لا يصلحون إلا أن يكونوا عبيداً لهم! وهتلر على احتقاره وكراهيته للقيم المسيحية؛ إلا أنه كان حريصاً على الترويج أنه محاط بالعناية الإلهية، وأن ما يفعله هو تنفيذ لمشيئة إلهية، وإرادة الله هي التي بعثته لإنقاذ ألمانيا وتأسيس الرايخ الثالث!
وعبارة عبيد للنازيين وردت في حديث للحاكم الألماني العام لبولندا هانز فرانك بعد احتلالها، وفي اليوم الثاني لتوليه منصبه؛ إذ أعلن "سيكون البولنديون عبيد الرايخ الثالث!".. وكان من بنود خطة هتلر لمستقبل بولندا أن يعيش البولنديون "حياة معيشية وضيعة ليعيشوا عبيداً!".. هذه الخطة لا تختلف عن الواقع المعيشي المهين المذل الذي فرضه الأئمة وخاصة أئمة بيت حميد الدين على الشعب اليمني.. أما قناعتهم بأن اليمنيين عبيد لهم فتلخصها العبارة التي كان يستخدمها رجال العائلة الحاكمة – كما روى القاضي عبد الرحمن الإرياني في ذكرياته- في اليمن من أبناء الإمام يحيى تجاه الآخرين من الرعايا حتى أنهم لا يخجلون أن يقولوا لهم: "وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟".. وهم الذين كانوا يستهلون رسائلهم إلى زعماء العشائر اليمنية بقولهم: "إلى خدامنا من آل فلان"! ••• وفي هذا السياق يمكن أن نفهم إصرار هذه الفئة العنصرية على أن تكرس عند أتباعها والمغفلين الجدد من الساسة والمثقفين الحداثيين مناداتهم بلقب "السيد" كممارسة عنصرية ظننا أنها ماتت بعد الثورة، فتعيد إنتاجها تمهيداً لتحويلها إلى طقوس دينية يصير تجاوزها قلة دين وتطاول على السادة الأشراف! ومن المشهور أنهم يحرصون على استخدام هذه اللفظة حتى في تخاطب الآخرين مع أطفالهم.. أو مع "قناصل السماء" على حد وصف أحد رجالات المجتمع في ذمار الذي استاء وخرج غاضباً من مجلس حاكمها حينذاك الأمير عبدالله الوزير الذي جاء ليهنئه بالعيد؛ ثم وجده يطلب منه أن يهنيء أيضاً: سيده.. مشيرا إلى طفل صغير كان يقف بجانبه!
وكما كان المتعصبون العنصريون باسم النبي يرفضون أو يحتقرون المنتمين لنفس سلالتهم من أتباع المذاهب الأخرى، ووصفهم بأنهم "سادة تايوان" إن جاز التعبير.. فكذلك كان النازيون الهتلريون ينظرون إلى الهنود بالاحتقار نفسه؛ رغم انتمائهم مثلهم إلى الجنس الآري.. أو على حد رأي هتلر فيهم عندما عرضوا عليه فكرة الاستعانة باللواء الهندي في الحرب بعد تعرض ألمانيا لهزائم قاسية وخسائر مروعة؛ إذ وصف المقترح بأنه نكتة، وفسر موقفه قائلاً: "هناك هنود لا يستطيعون قتل قملة واحدة، ويؤثرون أن تمتص دمهم على قتلها، فهم لن يقتلوا إنجليزياً واحداً.. أما إذا استخدمنا الهنود في إدارة الصلوات الملأى بالضجيج فسيكونون في هذه الحالة من الجنود الذين لا مثيل لهم في العالم".
(حكاية بغض العنصريين الحوثة لأبناء سلالتهم من غير مذهبهم ليست تشنيعة؛ بل حكاية حقيقية حدثت مع الأستاذ الفاضل والداعية المربي شرف الدين عثمان من أبناء تعز المشهورين في مجال التربية والدعوة، وسمعت تفاصيلها منه؛ فقد قابل يوماً أحد هؤلاء العنصريين الذي سأله عن اسمه، فلما قال له: شرف الدين.. استبشر وغمرته الفرحة.. ثم سأله: شرف الدين من؟ فلما قال له: شرف الدين عثمان.. لوى عنقه مشمئزاً وهو يجعر: إممممم!.. فقد استنتج من اسم عثمان أنه كما كان يظنه!).
السلام.. المسلح القاتل! وعلى نمط ما نشاهده في اليمن من دعوات الحوثة للتفاهم والصلح، وبسط الأمان قبل أن ينقضوا لاحتلال هذه الجهة أو تلك توسيعاً لنفوذهم أو دولتهم المقبلة، وعقد اتفاقيات سلام لا يحترمونها، والانقلاب على حلفائهم بعد أن يستغنوا عنهم.. فقد كان هتلر أيضاً يتعامل مع الآخرين وحلفائه بالمنطق نفسه، وهو نفسه القائل: "المعاهدات لا تحترم إلا إذا كانت تخدم هدفاً!" ولطمأنة المجتمع الدولي لجأ إلى الحديث المستمر عن السلام ونزع السلاح.. وصحيح أن الحوثة لا يتحدثون عن نزع السلاح الآن؛ لكن كان أبرز رموزهم وحلفائهم في بعض الأحزاب هم أعلى الأصوات التي تتحدث عن ضرورة نزع السلاح الخارج عن سيطرة الدولة، وبعدما صار الحوثة قوة عسكرية راح الأشخاص أنفسهم يبررون سكوتهم عن مطلب نزع السلاح بأن الدولة ضعيفة وعندما تكون قادرة على حماية الناس فعندها يمكن تسليم السلاح.. وفي رواية أنه لا يجوز نزع سلاح الحوثة إلا في إطار شامل لنزع السلاح من الكل بمن فيهم تنظيم.. القاعدة الذي لا يعترف بالدولة أصلاً! وعندما احتل الألمان بولندا تعالى صراخ الألمان ومعهم حلفاؤهم الروس في الحديث عن السلام، والأمان، والصلح.. وكعادته في تكرار الحديث عن السلام؛ ألقى هتلر بعد احتلال جيشه لفرنسا خطاباً تاريخياً دعا فيها بريطانيا إلى التفاهم وقبول الصلح.. وهو نفسه الذي أصدر أوامره لجيوشه بغزو روسيا التي كانت قد عقدت معه حلفاً عشية اندلاع الحرب العالمية، وفتحت له أراضيها لتدريب ضباط الطيران والدبابات الألمان فيها، بل كان لألمانيا مصانع للسلاح في أراضي روسيا! وتضمن الاتفاق بين الدولتين اقتسام أراضي دول في شرق أوروبا مثل بولندا، وضم دول لاتفيا، وأستونيا، وليتوانيا المحاذية لروسيا! ويقال إن وزير خارجية روسيا مولوتوف مهندس اتفاقيات بلاده مع النازيين أصابته الدهشة عندما سمع إعلان الحرب النازي وقال: "إذن فهي الحرب.. ولكن هل تعتقد أننا نستحق هذا؟".
وكما يتهم الحوثة خصومهم بأنهم إرهابيون، تكفيريون يستحلون الدماء، ويحملونهم مسؤولية ما يحدث من حروب حتى ولو كانت تجري بعيداً عن معاقل الحوثة ؛ متناسين ما قاموا ويقومون به ضد الآخرين في صعدة وغيرها، ومتجاهلين أنهم هم الذين جاءوا لتفجير الحرب في حجة وهمدان وأرحب.. وحتى وصل بهم الأمر إلى إحياء سنن أسلافهم من الأئمة في إحراق المزارع وهدم المنازل.. وزادوا هم في هدم المساجد ومدراس القرآن.. فقد كان هتلر أيضاً يفعل الشيء نفسه وهو الذي قال لوزير خارجية إيطاليا وسفيرهم في برلين: "لا ريب أن إظهار العدو بمظهر المسؤول عن سير المقبل للأحداث أمام الرأي العام هو أسلوب طيب ونافع!".
وعلى رغم شن النازيين الحرب ضد الروس وغزو بلادهم؛ فقد كان إعلامهم يصف الروس بأنهم "برابرة!"؛ ومن بجاحة الصحافة النازية العنصرية أنها وصفت الرئيس الأمريكي روزفلت بأنه "داعية الحرب رقم واحد" لأنه أصدر أوامره للأسطول الأمريكي بضرب أي غواصة ألمانية يراها، بعد أن أغرقت الغواصات والسفن الحربية الألمانية عدداً من السفن التجارية، وأطلقت عدداً من الطوربيدات على مدمرة أمريكية! وللعلم؛ فقد شنت البحرية النازية حرباً شرسة ضد البواخر الأمريكية والبريطانية في المحيط الأطلسي، حتى كان معدل حملة البواخر الغارقة يتجاوز 700 ألف طن في الشهر الواحد، وفي مساء يوم إعلان بريطانيا الحرب على ألمانيا نسفت غواصة ألمانية باخرة الركاب البريطانية "إنتينا" دون إنذار وهي تحمل 1400 راكب قتل منهم 112.. وفي المقابل فعندما شنت الطائرات البريطانية هجماتها ضد العاصمة الألمانية رداً على غارة نازية على لندن؛ وصفتها الصحافة النازية ب "الهجوم البريطاني الجبان" و"قراصنة الجو البريطانيون فوق برلين" منددة بالوحشية البريطانية التي تهاجم السكان العزل من النساء والأطفال! وكما أعطى الحوثة لأنفسهم حق ملاحقة المواطنين في الشوارع، وإيذاء من لا يعجبهم أو يرفض ممارساتهم، وتفتيش هواتفهم النقالة؛ فقد كان النازيون العنصريون أيضاً يفعلون مثلهم.. فيرهبون الناس، ويضربونهم في الشوارع، ويعتقلون من يشكون في ولائهم وعدم خضوعهم لهم. ومن الملفت للنظر ومهم معرفته لهؤلاء الذين يظنون أن الحوثة مستعدون للتعايش مع الآخرين في وطن واحد، وعلى قدم المساواة معهم في الوقت الذي يحكمون قبضتهم على مناطق من البلاد ويديرونها لحسابهم، ويرفضون مجرد مناقشة تفكيك كتائبهم المسلحة وأجهزتهم الأمنية، وتسليم أسلحة الدولة الثقيلة (التي سلمت لهم أو نهبوها من معسكرات الجيش!).. من المهم التذكير بمنطق مشابه بالمشرك العنصري الذي يجمع الحوثة والنازيين.. فهذا غوبلز وزير الدعاية النازية الشهير يقول: "عندما نحصل على السلطان فلن نتخلى عنه أبداً.. وعليهم أن يرفعوا أجسادنا هامدة من الوزارات!".. وأليس هذا ما حدث بالضبط بعد قيام ثورة 26 سبتمبر؛ فقد كانت اليمن البلد العربي الوحيد الذي شهد تغييراً في السلطة وواجه حرباً إمامية/ حوثية شرسة لمدة 8 سنوات لاستعادة سلطان الأئمة.. وبعد استراحة إجبارية لالتقاط الأنفاس ها هم قد عادوا من جديد.. فيبدو أنهم لن يتركوا اليمن إلا جثتاً هامدة تحتاج لمن يرفعها من أرضها!
تنبيهان: 1- يمكن بسهولة سحب المقارنة بين ممارسات المشروعين العنصريين: النازي والحوثي على المشروع العنصري الثالث وهو المشروع الصهيوني! 2- المعلومات الواردة في المقال من تاريخ الدولة النازية والحرب العالمية الثانية مأخوذة من كتاب "تاريخ ألمانيا الهتلرية" لمؤلفه الصحفي الأمريكي وليم شيرر الذي عمل مراسلاً صحفياً وإذاعياً لوسائل إعلام أمريكية في ألمانيا قبل الحرب وحتى دخول الولاياتالمتحدة الحرب عام 1942.