إن كنت واحدا ممن شاركوا في ثورة فبراير 2011 فما يفعله كتاب "النكتة في الثورة اليمنية" أنه يذكرك بالنكات التي تداولها المعتصمون في ساحات الحرية والتغيير، ثم ما ترتب عليها من واقع سياسي جديد. أو إنك ستكون أثناء قرائتك له على موعد مع مشوف لطريقة من طرق اليمنيين في إسقاط رئيس متشبث بالسلطة. الكتاب الصادر مؤخرا، هو حلقة في سلسلة مؤلفات تبناها مؤلفوها لتوثيق أحداث الثورة اليمنية في العام 2011 بخصوصية استمرارها لما يقارب عاما كاملا في ساحات الحرية والتغيير في المدن تخللتها جولات سياسية، منها الكتابة عن شعارات الثورة، و"جمع" الثورة وغيرها.
يفتتح المؤلف الصحفي، منصور الجرادي، مقدمته للكتاب بجملة تقول بأن "الكلمة تصنع المعجزات، والكلمة الساحرة تفعل ما هو أكثر فما بالنا بالكلمة الساخرة، ويتداعى منصور في مقدمته في تبرير الظروف التي أحاطت بإصداره للكتاب ومكانة النكتة لدى اليمنيين، حيث لها مناطق وسكان معروفين بها.ونكات ثورات الربيع العربي مشتركة بتشارك الهم والثورة فيحدث أن تسمع أو تقرأ نكتة متداولة مع قليل من التعديل في كل ساحات ثورات الربيع العربي وفي أوساط ثوارها.
في 114 صفحة من القطع المتوسط يورد الكتاب النكات معلقا على زمان وسبب إطلاقها حينها وربما التفتيش في النفسية التي رددتها، مستعينا بالرسوم الكاريكاتورية التي مثلت هي الأخرى إحدى وسائل السخرية للتقليل من حجم الخصم ورفع معنويات المدافعين عن الثورة.
يستقي الكتاب كما جاء في مقدمته "مادته من أفواه الناس، ومما تداوله الشارع أو صفحات الانترنت أو المجالس العامة أو وسائل المواصلات والساحات العامة" في وقت فوران الثورة والإيمان العميق بأهدافها وهوان التضحية لأجلها.
فاتكم القطار حين قال صالح جملته المشهورة مخاطبا خصومه والتي أعادتها القنوات الفضائية "فاتكم القطار" انتظر اليمنيون طويلا ليستقضون بقولها له، ولم يلبثوا أن فعلوا ذلك بعد توقيعه على اتفاقية تسليم السلطة لنائبه آنذاك عبده ربه.
لقد تحين الثوار كل فرصة للسخرية من خطابات الرئيس، وكان أشهرها ماقاله في خطابه عن استعداده لتسليم السلطة إلى (أيادٍ آمنة) وكانت خطؤه في التعبير وكم كان يخطئ، مبررا إضافيا لتأكيد فعل الخروج على رئيس لا يحسن التمييز بين آمنة وأمينة. وهنا ظل الثوار يبحثون عن امرأة اسمها آمنة لتسليم السلطة لها.
من النكات التي أوردها الكتاب في اليمن بعد جمعة الكرامة وإعلان مئات اليمنيين استقالاتهم من الحزب الحاكم، والكثير من الوزراء والدبلوماسيين والمسؤولين من مناصبهم وانضمامهم لثورة الشباب، دخل نجل صالح "أحمد علي" على والده وهو يرفع أصبعين من أصابعه رد عليه إيش انتصرنا..؟! رد عليه أحمد: لا ما باقي إلا أنا وأنت.
النكتة المضادة كانت النكتة سلاحا لتصغير حجم الخصم وإسقاط هيبة وتكريس صورة عن ضعفه مقابل قوة الطرف المقابل، أو السخرية من مواقف أيدت الثورة له وظلت مثار شك دائما، منها انضمام اللواء علي محسن مع جزء من قوات الجيش إلى الثورة انشقاقا، وراج حينها وداع مثل " يا شباب إلى اللقاء في ثورة ثانية" تعبيرا عن إجهاضها.
ولم يغفل الكتاب النكات التي كان يرددها الثوار أنفسهم على بعضهم فيطلق مؤيدو الدعوة الزحف إلى القصر التي ظهرت عقب مجزرة جمعة الكرامة على الذين يهددون به دون تنفيذ "بالزواحف".
ولأن الكتاب رصد أشمل للنكتة اليمنية فقد وثق للنكات التي أطلقها المضادون للثورة، وكان عبده الجندي الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام حزب الرئيس، شخصية يستمتع الجميع دون استثناء بطرافته ومراوغاته في الدفاع عن النظام بما فيها الأفعال التي لا يراها مقبولة ليلجأ إلى السخرية والضحك، بل وصل الأمر إلى قوله في مؤتمراته الصحفية الشهيرة إنه لا علاقة له بشيء إنما يقول ما يقال له.
جدية النكتة ووردت النكتة معرفة بأسماء من قيلت في حقهم، ولم تكن رمزية، لقد كان الوقت عاريا إلى درجة لا تجدي معه التورية أو الرمزية، ويفرد المؤلف في جزء من الكتاب نكاتا عن حكومة الدموع، نسبة إلى حكومة الوفاق ودموع باسندوة، والقرارات الرئاسية والحوار، والكهرباء ووزير الداخلية وصندقة حميد وغيرها.
رغم أجواء الفكاهة التي يضعنا الكتاب فيها، إلا أن ربط اليمني النكتة بالذكاء والقدرة، إذ هي تكسب قائلها احتراما غير مرتبط بالتهريج وطلب الأنس. والنكتة السياسية التي يتداولها الرأي العام حدث حقيقي مع تغيير بسيط في النهايات وتُقال دون مخاوف تذكر، لذا يجعلنا الكتاب جادين معها ومع جرأة الثورة وعظمة كل تفاصيلها مهما بدت صغيرة.