يأمرك الإسلام، قبل أن تكون مؤمنًا، أن تكون رجلًا، والرجال لا يعرفون الغدر ولا يقتلون الآمنين، كانت مَسبّة جساس أنّه قتل كليبًا من وراء ظهره، وفي غزوة بدرٍ خرج ثلاثة رجالٍ لثلاثة رجال، فيما أحجم الجيشان عن رمي النّبال. قبل أن تقاتل يأمرك الإسلام أن تقاتل بشرف، لا تقتلوا طفلًا ولا امرأةً ولا تقطعوا شجرة، ولهذا فإنّ قتل بنت البحم وبنت الثلايا لم يكن عملًا شريفًا، والجنّة أسمى وأجلّ من أن تفتح أبوابها للوضعاء.
يحمل الجندي روحه على كتفيه، يقدّمها قربانًا لشيخٍ مسنٍّ وامرأة، يواجه الموت حاملًا رسالة الحياة، يموت وفي شفتيه "ومن أحياها"، بينما تموت أنت و"من قتل نفسًا" تلاحق روحك.
لا يستوي الموت والموت، إذن. قلبه جنّة حبٍّ تباركها أرواح الأبرياء الذين قتلتهم بغير ذنبٍ وآهات الحزانى، وقلبك نار كراهيةٍ تلاحقها اللّعنات إلى حيث تكمن، وحينما تكون المعركة بين الحبّ والكراهية فإنّ الجنّة تقف في صفّ المحبّين، ذلك أنّ الجنّة ليست محميّةً طبيعيّةً للقتلة الذين يبحثون عن الخمر والحوريات والعسل المصفّى، إنّها راحة الرّوح ملاذ الطّيبين، هي أرض النّبلاء، والنبل يقتضي ألّا تقتل الأبرياء طلبًا لجائزة، حتى لو كانت الجائزة الجنّة ذاتها.
إنّه يموت بغير منٍّ، حسبه أنّه أدّى الرّسالة، ذلك أنّ شرف الرجال يمنعه من رؤية دموع النّساء، إنّه يقول: إن كان ثمّة من يتوجّب عليه الموت فهو أنا، ثمّ أنّه لا يطلب أجرًا، يكفيه أنّه مات رجلًا.
مثل هذا الأمر يستعصي عليك فهمه، يا صديقي.
أنت كائنٌ وضيع، صدّقني، لقد كان الشرف بعيدًا عنك حينما قتلت أعزلَ، والشرف أبعد عنك الآن حينما تقتل الجنود من وراء ظهورهم، إنّ فعلًا كهذا لا يستوجب الفخر بقدر ما يجلب العار، والعار تعريفه بسيطٌ جدًّا: كأن تقتل طبيبةً ثم تطلب من الله أن يكافئك لأنّك قتلتها، وأنا، رغم هذا، منبهرٌ بجرأتك، يكفي أن الحياء لم يمنعك من النظر في وجه الإله بعد أن قتلت امرأة، على أنّ الأمر تعدّى ذلك كثيرًا: لقد طلبت من الإله مكافأةً على وضاعتك.
حينما أتحدث عن جرأتك هنا، وليكن هذا الأمر واضحاً، فأنا أقصد بالضبط وقاحتك اللّامتناهية.