حبا الله اليمن طبيعة فريدة من نوعها تميزت بتربتها الخصبة ومناخها المعتدل طوال العام الذي كان سببه انتشار الغابات والأشجار التي ملأت الجو بالرطوبة، فأصبحت بحق أرض الجنتين، لكن مع توسع الرقعة العمرانية زاد اجتثاث الأشجار، واقتلاع المثمرة منها ما أثر سلباً على طبيعة الجو الذي أصبح جافاً وشديد البرودة شتاءً وحار صيفاً، فباستثناء فترة الرئيس الحمدي، لم تقم الحكومة بأي جهد في زرع الأشجار، بل على العكس قامت بقلع معظم الأشجار التي زرعت في عهد الرئيس الحمدي، وبالرغم من أن الدول تتسابق لزراعة الأشجار وغرسها كما في تركيا والصين التي ألزمت العاملين وحتى المواطنين بزرع ملايين الأشجار، وحتى في مجاهل أفريقيا عندما يقوم الأفريقي ببناء منزل يقوم بزراعة شجرة لاعتقاده أن الخشب الذي استهلكه في بناء بيته يعادل خشب شجرة كاملة. فاليمن التي كانت تضرب بها الأمثال من طيبة ثمارها وجودتها، أصبحت تستورد حتى الذي كانت تشتهر به كالعنب الذي كان يوجد منه أكثر من أربعين نوعاً - للأسف لم يعد يتبقَّ سوى القليل من الأنواع- وكذلك كالبن الذي جابت شهرته الأسواق العالمية، فيما النباتات والأشجار النادرة وخاصة في المحميات والجزر تتعرض للسرقة والإتلاف من بعض السياح الذين يأتون لأغراض مشبوهة فالأمر طبيعي طالما لا يوجد أي رقيب أو حسيب.
لكن الأسوأ أن تقوم الحكومة بتدمير الثورة الطبيعية، كما حصل مع أشجار المنجا التي تثمر مرتين في العام، بالرغم أن العالم كله يحلم بأن تثمر الأشجار كل شهر وليس مرتين في العام، لكن وزير الزراعة آنذاك بشر المواطنين باستيراد أشجار منجا لا تثمر سوى مرة في السنة، فتصرف هكذا يعني أننا لا زلنا بعقلية "ربنا باعد بين أسفارنا"، فبدل أن نحمد الله على نعمه نبحث عن أشجار لا تحمل سوى مرة في السنة وربما مليئة بالبكتيريا حتى تدمر ما تبقى من الأشجار لدينا.
العهود البائدة كانت تحارب الزراعة والمزارعين عن علم أو عن جهل وشجعها على ذلك البنك الدولي الذي يهدف إلى تدمير الدول الناشئة وجعلها تحت رحمة الدول الكبرى، فمصير اليمن أصبح مرهوناً بالواردات اليومية من ميناء الحديدة والتي لو توقفت أسبوعاً ستحدث مجاعة، فاليمن ليست فقيرة سواء بخصوبة تربتها أو مياه الأمطار أو المياه الجوفية، لكنها فقيرة جداً إلى العقول التي تستطيع أن تزرع الخير وتستثمر في مجال الزراعة وتحقق الاكتفاء الذاتي بل وتصدر الفائض لبقية دول العالم.