تفرض جماعة الحوثي نفوذها في محافظة عمران، على الطريقة ذاتها التي تدير بها محافظة صعدة منذ مارس 2011، رغم أن الرئيس عبدربه منصور هادي زار المحافظة، أواخر يوليو الماضي، وأعلن تطبيع الأوضاع فيها. وتمارس الجماعة نشاطها في المحافظة كسلطة الأمر الواقع، وبالطريقة ذاتها التي تدير بها صعدة، بوجود شكلي لمكاتب الحكومة والسلطة المحلية، وتفرض سلطتها على المواطنين.
ويتواجد القائد الميداني لجماعة الحوثي أبوعلي الحاكم في عمران، وهو الذي ارتبط اسمه بإدارة المعارك في كافة مديريات محافظة عمران وصولاً إلى المدينة التي اجتاحها مسلحو الجماعة في الثامن من يوليو الماضي، بعد سيطرتها على مقر اللواء 310 مدرع وقتل قائده العميد الركن حميد القشيبي، كما ارتبط اسم الحاكم سابقاً بإدارة شؤون محافظة صعدة توازياً مع وجود شكلي لمكاتب الدولة والسلطة المحلية.
من يدير عمران.. الدولة أم الحاكم؟! وأثارت صورة تداولتها وسائل إعلامية وناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي، ويظهر فيها الحاكم اجتماعاً للمجلس المحلي بمحافظة عمران، جدلاً واسعاً، حول صفة الرجل التي تؤهله لحضور الاجتماع، الذي حضره أمين عام المجلس المحلي لمحافظة عمران صالح المخلوس وعدد من اعضاء المجلس، بغياب المحافظ محمد صالح شملان الذي لم ينشر الإعلام الرسمي أي خبر عن انشطة له في المحافظة منذ زيارته لها برفقة الرئيس هادي أواخر الشهر الماضي.
المخلوس، رد موضحاً أن الاجتماع ضم قيادات وممثلي الاحزاب والتنظيمات السياسية، لمناقشة الأوضاع في المحافظة، وكان حضور أبو علي الحاكم، باعتباره ممثلاً لمكون أنصار الله (جماعة الحوثي)، باعتباره احد المكونات داخل المحافظة.
وأفاد المصدر (مواطنون وموظفون في مؤسسات ومكاتب حكومية بعمران) بأن الدولة "تمارس عملها بشكل طبيعي فيما يبدو للناس ظاهراً، لكن صاحب القرار والأمر والنهي هي جماعة الحوثي، بالضبط كما في صعدة".
وتشير المصادر إلى أن تسليم الحوثيين مؤسسات الدولة ما هو إلا إجراء شكلي، وخصوصاً في المؤسسات التي يترتب عليهم أعباء في الإدارة، موضحين أن المكاتب الحكومية تعمل بشكل روتيني لتسيير أمورها، لكن جماعة الحوثي تتدخل في كثير من القضايا، وتمارس عملها خصوصاً في الجوانب التي تسو�'ِقهم لدى المواطنين كبديل للدولة، خصوصاً فيما يتعلق بفصل المنازعات فيما بينهم.
تجريم للغناء.. واعتقال للفنانين في استاد رياضي حولوه سجناً ويتخذ الحوثيون من الاستاد الرياضي بعمران مقراً لاحتجاز خصومهم أو أي أشخاص آخرين، تنظر الجماعة في خلافاتهم الخاصة، في ظل حماية مشددة فرضها مسلحوهم عليه، وسط أنباء عن محاكم خاصة نصبتها الجماعة للنظر في بعض القضايا.
وتفرض جماعة الحوثي على مواطني المدينة والمديريات الأخرى التي يبسطون نفوذهم عليها شروطاً للحياة كتلك التي يديرون بها شؤون محافظة صعدة، في ظل وجود شكلي للدولة.
وعلم "المصدر أونلاين" أن مسلحي جماعة الحوثي أغلقوا محلات بيع أشرطة واسطوانات الأغاني، كما حظروا الغناء في الأعراس.
وداهم مسلحو الجماعة عرساً لأحد الشباب من بيت الحرازي، ومنعوا الفنان من الغناء في حفل سمر أقيم في حارة مسجد أحمد حسين، بالحدبة الوسطى، يوم الجمعة قبل الماضية، قبل العرس بيومين، وفقاً لأحد مواطني الحي.
وأبلغ المسلحون حضور السمر بأن الأغاني ممنوعة، وألزموا الفنان بعدم الغناء، وامتثل الناس لذلك الأمر.
وحاول مسلحو جماعة الحوثي منع الغناء في حفل زفاف آخر لبيت داوود، لكن مسلحين من الأسرة كانوا على باب صالة الأفراح رفضوا، واتفق الجانبان على إطفاء مكبرات الصوت، والاكتفاء بالسماعات الداخلية في إطار الصالة.
واعتقل مسلحون حوثيون الفنان نبيل العموش، بعد أن اقتحموا مساء الأربعاء قبل الماضي، قاعة العمادي الواقعة في حارة البشيري، وأوقفوا الغناء، في حفل زفاف لأحد أفراد أسرة بيت الخمري.
وأودع الفنان العموش السجن الخاص بجماعة الحوثي في الإستاد الرياضي، وأفرجوا عنه بعد احتجازه لساعات، بعد تعهده بعدم الغناء أو مزاولة حياته الفنية في مدينة عمران وغيرها.
وقال مواطن يسكن في حارة البشيري إن مسلحي جماعة الحوثي اقتحموا منزلاً تقيم فيه امرأة "فنانة" تغني في الأعراس، وصادروا أدواتها الخاصة بالغناء.
وأورد الصحفي والكاتب مروان كامل، على صفحته في "الفيسبوك"، قصة شبيهة وقعت في حفل زفاف أُقيم في حبور ظليمة، حيث منع الفنان من الغناء في حفل زفاف.
محاكم خاصة.. وأحكام مستعجلة.. وتنفيذ إعدام خارج القانون وتُركز جماعة الحوثي بشكل رئيسي على الحضور للفصل في المنازعات بين المتخاصمين، بما يسوقها لدى العامة كبديل لأجهزة الدولة باعتبارها أداة ضبط صارمة، تفصل في القضايا بسرعة وحزم وتجبر المختصمين على القبول بما تراه في خلافاتهم.
مطلع الأسبوع الماضي أبلغ موظفون في مصنع اسمنت عمران أن قاضياً يتبع جماعة الحوثي أصدر حكماً بإعدام مهندس يعمل في المصنع، يتهم بالتسبب في وفاة موظف آخر في خطوط الضغط العالي.
تعود القضية إلى ثاني أيام عيد الفطر، حيث توفي موظف في خطوط الضغط العالي، بحسب المعلومات يُتهم المهندس فواز صالح السريع بتشغيل الكهرباء في خطوط الضغط العالي، وتضاربت المعلومات حول ذلك، بين من يقول إن المتوفي أبلغه هاتفياً بعدم التشغيل، وآخرون يقولون إن المهندس لا علم له بذلك.
وبحسب متابعين للقضية فقد أبلغ القاضي المهندس السريع وأسرته بسرعة العمل على حل قبلي ينهي القضية، وإلا فإنهم سيطبقون حكم الإعدام بحقه، لكن الناشط الحقوقي عبدالرشيد الفقيه أكد أنه اتصل بقيادة جماعة الحوثي في عمران، فردوا عليه بأن الأمر ليس من مسؤوليتهم، لافتاً أنهم وجهوا بإيقاف تنفيذ الحكم، بعد أن أكد مسؤوليتهم في ذلك.
تثير الحادثة تساؤلات حول رؤية الجماعة للدولة المدنية التي تنادي بها، رغم ممارساتها التي تتعارض مع صميم واجباتها خصوصاً فيما يتعلق بدور المحاكم، وإصدار احكام عرفية خارج إطار القانون، وتنفذها بالقوة.
وإضافة لذلك فإن جماعة الحوثي تزعم أنها سلمت مؤسسات ومرافق الدولة للجهات المختصة، وأن أتباعها لا يتدخلون في إدارة شؤون المحافظة.
ولجماعة الحوثي تجربتها الخاصة في الحكم والفصل في المنازعات في محافظة صعدة التي يتولاها أشخاص منتدبون من قبلها، وينفذها مسلحوها الذين بات متعارفاً في صعدة على تسميتهم بالمجاهدين، وعلى ما يبدو فإن الجماعة تتجه لتطبيق تجربتها تلك في محافظة عمران.
وأثارت قضية إعدام مواطن، متهم بجريمة قتل أربعة أشخاص، وينتمي لمديرية حبور ظليمة، جدلاً حول تنفيذ اعدامات خارج القانون، في مناطق تخضع فعلياً لسلطة جماعة الحوثي.
وطالبت منظمة "مواطنة" النائب العام بالتحقيق في واقعة إعدام مواطن مُتهم بجريمة قتل، دون حكم قضائي، بعد أن قبض عليه الحوثيون في نقطة تفتيش في إحدى المناطق الخاضعة لنفوذهم، وأعدم مساء الثلاثاء، 5 أغسطس 2014، في قرية المضيق حبور ظليمة بمحافظة عمران.
وأشار البلاغ، الذي قد�'مه باسم منظمة "مواطنة" لحقوق الإنسان الناشط الحقوقي عبدالرشيد الفقيه، إلى أن ما حدث للمواطن فؤاد صالح قاسم الذي أُعدم رمياً بالرصاص هي جناية جسيمة وانتهاك صارخ للدستور والقانون والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.
وأضاف البلاغ أن إعدام مواطن مُتهم بدون حكم قضائي نهائي وبات بعد حرمانه من جميع حقوقه الأساسية وعلى رأس ذلك الحق في محاكمة عادلة في محكمة طبيعية بمختلف درجات التقاضي، جريمة بشعة يتحم�'ل مسؤوليتها كل من شارك في تلك الجريمة بأي مستوى من المستويات.
وحمل البلاغ جماعة "أنصار الله" مسؤولية قيامها بالقبض على المُتهم وعدم تسليمه لجهات قضائية، والتواطؤ في جريمة وقعت في منطقة تخضع لسلطتها الفعلية.
والأحد قبل الماضي، وجه النائب العام/ المحامي العام الأول، رئيس نيابة عمران بخصوص واقعة الإعدام خارج إطار القانون بما يلزم قانوناً.
زيارة الرئيس: استعادة الدولة أم تطبيع لحكم الحوثي يحدث ذلك وغيره، في عمران، بعد زيارة قام بها الرئيس عبدربه منصور هادي للمدينة، عاصمة المحافظة، في 23 يوليو الماضي، ويرافقه عدد من الوزراء والمسؤولين المحليين والقيادات العسكرية.
هادي اعتبر الزيارة "رسالة إلى كافة أبناء الشعب اليمني بأن محافظة عمران تنعم بالأمن والاستقرار وبداية لتنفيذ خطة إعادة تطبيع الأوضاع في المحافظة من خلال إعادة الخدمات".
ودعا الرئيس هادي النازحين من أبناء محافظة عمران العودة إلى ديارهم بعد تطبيع الأوضاع في المحافظة، لافتاً إلى أن الدولة والحكومة تعمل جاهدة على إعادة الخدمات الأساسية للمحافظة.
ونزحت آلاف الأسر من محافظاتعمران بعد الحرب التي شهدتها المدنية، وقالت منظمات إنسانية إن وضع النازحين «سيئاً للغاية» وسط غياب تام للدور الحكومي، فيما يتعذر للعشرات من النازحين العودة إلى المحافظة خوفاً من انتقام جماعة الحوثي التي تطارد خصومها في المحافظة وتعتقلهم، وهو ما يعني أن وضعهم أقرب إلى التهجير القسري منه إلى النزوح.
وأشار هادي إلى أن هناك اتفاقاً كاملاً على الانسحاب من المحافظة من كافة الأطراف والجماعات المسل�'حة وبسط نفوذ الدولة وقيام السلطة المحلية بواجبها في تنفيذ المشاريع الخدمية والتنموية.
وأعاد الرئيس في خطابه عشية عيد الفطر التأكيد على أن زيارته عمران "في إطارِ الحرصِ على إنهاءِ النزاع وتحقيقِ الأمنِ والاستقرار والسل�'ِم الاجتماعي وبسطِ سلطةِ الدولة على كُلِ أرجاءِ المحافظة وانسحابِ كُلِ الميليشياتِ المسلحة من كلِ الأطراف".
ومنذ زيارته المحافظة، برفقة الرئيس هادي، لم تنشر وسائل الإعلام الرسمية بعدها وحتى يوم أمس أخباراً تشير إلى تواجد أو نشاط محافظ عمران ومزاولة مهامه في المحافظة، وسط أنباء عن تواجده المستمر في صنعاء.
لكن الأمر الواقع يبدو جلياً رغم كل التصريحات الرسمية للرئيس، والأخبار الرسمية، فأبو علي الحاكم يحضر في المحافظة، وفي أحسن الأحوال، حاكماً موازياً إن لم يكن طاغياً يدير شؤون المحافظة، وفي أسوئها، فالدولة متواجدة بذات حضورها الشكلي في محافظة صعدة، متكفلة بالخدمات، وخزينة للرواتب، في حين لم يعين الرئيس هادي فيها مسؤولاً واحداً في إدارتها رغم أنه أصدر قرارات بتعيينات في مستويات مختلفة لأجهزة الدولة في معظم المحافظات، بما فيها عمران إلى ما قبل اجتياح ميليشيات الحوثي لها في الثامن من يوليو الماضي.
يبقى السؤال قائماً ومعلقاً دون إجابة.. هل سيتم التسليم بحكم الحوثي لعمران، على غرار صعدة؟!
أم أن الدولة ومختلف الفاعلين السياسيين والمدنيين ووسائل الإعلام ستتدخل بما يحول دون تكرار ذات نموذج صعدة، المنفصل عن الدولة فعلياً والمحتفظ بها شكلياً في موازاة سلطة أمر واقع تدير المحافظة كسلطة أمرٍ واقع تدير المحافظة برؤية الحوثي وسلطة قائده الميداني أبوعلي الحاكم.