عندما قُتل حسين بدرالدين الحوثي في 10 سبتمبر 2004،لم يُقتل وهو يقود مظاهرة سلمية مطالبة بالتغيير، أو وهو ينادي بثقافة اللاعنف والمدنية وحقوق الإنسان، إنما تم ذلك وهو يقود جماعة مسلحة رفعت السلاح في وجه الدولة ، وكانت وما تزال مسؤولة عن مقتل وتهجير وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين. صحيح أن الحروب الستة كانت "عبثية"، وابتزازاً رخيصاً مارسه نظام صالح لاستجلاب الدعم الخليجي والدولي، وتمهيداً لولاية العهد لنجله أحمد، لكن المظلومية التي يرفعها أتباع الحوثي تحتاج إلى دليل يستند إلى معطيات وشواهد من أحداث هذا القرن، وليست استجراراً للفتن التي شهدتها الأمة قبل 14 قرناً!
عندما أكدت مخرجات الحوار الوطني على كارثية الحروب الستة في صعدة، واعتبار كل من سقط فيها شهيداً، وإلزام الدولة بدفع التعويضات للمتضررين، كان المتوقع أن يتم قراءة تلك التأكيدات والقرارات في سياق السعي للمصالحة والوطنية وتطبيب الجراح، التي تضرر منها البسطاء في صعدة أضعاف أضعاف الأضرار التي لحقت بمليشيات الحوثي.
أما إعلان حكومة الوفاق الوطني في 21 أغسطس 2013 اعتذارها الرسمي لأبناء المحافظات الجنوبية وأبناء محافظة صعدة وحرف سفيان والمناطق المتضررة من حرب صيف 1994 وحروب صعدة الست، فقد تمت قراءته - بقدرة قادر- على أنه اعتراف بمظلومية الحوثي وأنه كان من أنصار الله والمستضعفين في الأرض!
وأصبح تقديم أي قراءة مغايرة لذلك الإعلان أشبه بالتشكيك بأعداد اليهود الذين قضوا في المحرقة النازية، ويقود بصاحبه إلى الوقوع تحت طائلة العقاب الأخلاقي والقانوني!
الاعتذار لصعدة ولليمن ليس اعتذاراً للحوثي بالضرورة، إلا في أذهان من صدقوا بالفعل أن الحوثي هو اليمن!
لماذا لا يتم الحديث عن مظلومية من شردتهم مجاميع الحوثي من ديارهم ابتداءً من صعدة وحتى مشارف العاصمة صنعاء، ومظلومية من تم تفجير منازلهم ومدارسهم ومساجدهم، ومظلومية أسر وعائلات أكثر من 60 ألف جندي تتباهى الميليشيا (المظلومة) بقتلهم.
باختصار.. أصبحت "مظلومية الحوثي" من المسلّمات التي يراد تمريرها بدون نقاش، ودون حتى الإشارة لمسؤولية مشتركة تحمّل جميع الأطراف وزر ما حدث.
مخرجات وقرارات الحوار الوطني تؤكد على تعزيز وجود الدولة وعودة النازحين والمهجّرين وتعويضهم، ونزع واستعادة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة لأن ملكها حصري على الدولة، وحظر أي تغيير سياسي بالعنف والقوة المسلحة، واختصاص الدولة وحدها على مستوى الوطن بجباية الضرائب والزكاة وأية رسوم تفرض وفقاً للقانون.
بلغ التضليل مداه عندما رفع الحوثي مطلب تنفيذ تلك المخرجات، وهو يراهن فيما يبدو على شيئين: الأول: أن الناس لم تعد تهتم بالتفاصيل، والثاني أنها "قرارات ومخرجات مظلومة" وهي كذلك بالفعل.